من لم يُطبّق الديمقراطية في نفسه وفي داره وفي حزبه أنّى له أن يطلبها من غيره؟، وهل الديمقراطي الممسك بزمام الأمور الذي يُنادي بالآخرين ليُشاركوه ويعملوا معه من خلال حكومة ذات قاعدة عريضة قبولاً ورضوخاً واعترافاً بالآخر والرأي الآخر بلا إكراه، أم الذي ينادي بإزاحة حكومة بواسطة ذات الجماهير التي جددت بيعتها التعاقدية من خلال صندوق الانتخابات، وفي الوقت نفسه هذه الجماهير السودانية الشارع ما(بغباها) إن هي قصدته راغبة في التغيير ولكن لمن؟ والحق مع من؟ هل مع الذي جاء على ظهر دبابة منقذاً فتمسك الناس به فيما بعد، أم الذي اقتلعته ذات الدبابة ولا بواكى له، ويسعى الآن للتقويض عبر محرضات تعديل الدستور والهياكل الأساسية للحكم والمشاركة من عدم المشاركة في الحكومة العريضة، وهي ذاتها المقاصد التي تود الحكومة من خلالها البحث عن معارضة حقيقية جادة تسعى للتغيير الإيجابي ولبناء الأمة، وقد قال الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان (إنه غير سعيد بعدم وجود المعارضة تحت قبة البرلمان)، ومن خلال التجربة نجد التطلعات السلطوية هي التي جعلت القواعد الحزبية تنتفض من الأحزاب لأن المرتكزات البرامجية تقوم على الشخصية المحورية وهو ذات الشخص الذي يودُ أن تنقله هذه الجماهير، منذ ثورات (النبي عيسى) بالشمالية قبل الإستقلال، وجماهير اليوم مشغولة (بشيل) الفنانين وليس الحكام، ولا يعنيها قادة الأحزاب والبيوتات الصفوية ولا حتى الحكومة. ليس ثمة تواتر مثالي في العمل السياسي السوداني إنها مجرد اجتهادات تنظيرية مبتورة، ففي الممارسة السياسية كما حكى التاريخ، كان أن وصل الحال ببعض قادة المعارضة الحاليين في عزل قواعدهم القتالية في ساحات التدريب بالصحاري الليبية خشية التأثر والذوبان في الآخرين ولمراعاة الأوزان الحقيقية حسب دعواهم، وهذا الإجراء لا لشيء سوى الاستئثار لا الإيثار، وفيما بعد خانوا شركاء النضال في مرحلة النضال، والتفصيل السردي معلومة مضابطه وخلاصته. فالتمسك المستميت يجعل الجماهير التنظيمية والقواعد الحزبية لا تلتفت للبرامج الحزبية ولا تكترث أو تلتف حول الرؤية وإنما حول الشخوص الملهمة، لأن هذه القيادات التقليدية التاريخية لم تستن السنة ولا الأسوة الديمقراطية الحسنة من نفسها مضحيّة بنفسها داخل أطر كياناتها، فإذا لم تتحقق الديمقراطية داخل التنظيمات الحزبية لا تتحقق خارجها، وإذا لم يُحسم أمر التداول السلمي وفترة رئاسة الحزب لقادة الأحزاب داخل الأنظمة الأساسية والسياسية الحزبية وخاصة الطائفية والعقدية، فسوف تنشغل قطاعاتها القاعدية بالتنافس الإعتراكي الإستقطابي بعيداً عن الأطروحات التنظيمية في مقابل الولاءات والرعايا الأبوية، ويكون الصراع داخل هذه الأحزاب هو نقطة التظاهر الجوهري وهو معترك الغاية والمنتهى. فمن المستبد اليوم وغير الديمقراطي هل (الحكومة) التي تدعو (المعارضة) للمشاركة مراراً أم المعارضة التي تدعو للإطاحة لدواعي ظلت تسوقها لم تُقنع مبرراتها الشارع العام ليُطيح (بالبشير)؟، والاستبداد الفكري والإقصائي نقرأه في كتاب عبد الرحمن الكواكبي عن (طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد) فهي لا بمعايير الجبرية والطاعة ولا القدرية ولا بمفهوم الإمامة التي برزت عندما خَلُص الأمر إلى معاوية فمنذ اعتلائه سدة الحكم سعى إلى تعزيز ركائزه واستمرارية بقائه، فمنح ولاية العهد لابنه يزيد. فظهرت حالة من الرفض لدى المعارضين لحكمه والموالين (لعلي)، مما أدى إلى ظهور الإمامة الّتي قامت بالأساس نتيجة الصراع على السلطة. فليس لبني (ساعدة) من سقيفة اليوم لينعقد لواء المهاجرين والأنصار ويقول قائل منهم منا أمير ومنكم أمير، وأن يقول (أبوبكر الصديق) رضي الله عنه نحن الأمراء وأنتم الوزراء..، فالأحزاب غير الإسلامية والعلمانية لعلّ لها ما يبرر دعوتها للتنادي و الإطاحة بحكومة تود تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن ماذا عن أحزاب الطائفتين والكيانات الإمامية والسجادات الدينية، فهل دعوة الإطاحة أمر دين أم دنيا لنستبين ونستبصر لنعرف مع من نقف مع علي أم معاوية؟، وحتى نخرج مقاتلين الحاكم وإمام المسلمين على بيّنة فقهية وشرعية فهل المتوجب قياساً على واقعنا في فقه الراعي والرعية الطاعة والإتباع أم الخروج والجهاد؟ أفتونا يا قادة المعارضة وأئمتها، إمكانية الإصلاح الجذري في تجديد القيادات وفق النظام السياسي المحدد للفترة الزمنية للرئاسة الحزبية وارد وكذلك الدستور للرئاسية، فلو رأي الشعب الأمريكي أن إدارة الرئيس الأمريكي جيّدة يدفع به مرة ثانية من خلال صناديق الإقتراع ويُجدد فترة حكمه لدورة رئاسية أخرى، وإن كان سيئاً فاشستياً فاسداً مستبداً يصبرون عليه ولا يثورون حفاظاً على المكتسبات الدستورية، لأن فرصة إزاحته ونزعه قائمة ومكفولة من خلال المؤسسات الحامية للديمقراطية والدستور والكافلة للحريات، وفي الأمر حكمة كبيرة، فالإصرار والضغط للانفراج والإصلاح السياسي في ظل استقرار أفضل من فوضى في ظل ثورة خلاقة، فالدعوة للثوران وإلى اقتلاع الحكومة من الجذور دعوة لا تؤسس لمرحلة عمل ديمقراطي خاصة إذا كانت هنالك فرصة تغيير من الداخل فعلام البحث من الخارج؟ وما هي الفائدة التي تجنيها الأحزاب المعارضة ونجنيها من مربع الاعتذاز بمواقفها وأوزانها التي لا ترجح كفة الوطن الكبير، وقد قال الشاعر(نزار قباني) الذي تحدث بلسان وواقع القوى المعارضة في هذه الألفية: لا سادة الحجاز يعرفوننا .. ولا رعاع البادية ولا أبو الطيب يستضيفنا .. ولا أبو العتاهية إذا مضى طاغية.. سُلّمنا لطاغية مهاجرون نحن من مرافئ التعب.. لا أحد يريدنا من بحر بيروت إلى بحر العرب لا الفاطميون ... ولا القرامطة ولا المماليك … ولا البرامكة ولا الشياطين ... ولا الملائكة لا أحد يريدنا.. ولا أحدٌ يُريدكم سوى عوائلكم.. والأخيرة هذه من عندي.. [email protected]