هي الخريطة التي صدرت من مصلحة المساحة السودانية عام 1936م، والتي سبق لي الاشارة اليها «ولم أنشرها» في مقال لي نشر قبل مدة وجيزة، الآن أنشرها كشاهد في نزاع أبيي الذي طال أمده، لا أعلم بخريطة أكثر وضوحاً لما يراد من معلومات تفيد في حل هذا النزاع، انها تُظهر الوجود القديم المستمر - ما عدا فترة الحرب الأخيرة - للقبيلتين في منطقة واحدة وهو الوجود المعرف بالاسمين الظاهرين عليها - أحدهما: «ماريق أو نقوك» في شمالهما وثانيهما «دار المسيرية» في جنوبهما ، وتظهر أن هذا الوجود يشمل أرضاً مساحتها «4.950» كيلو متر مربع وبداخلها ترد بالاسم جميع عموديات ومشيخات الدينكا نقوك، مؤشر عليها مني بدائرة مع مسميات لهم أخرى عديدة جداً وترد أيضاً بها مسميات للمسيرية مؤشر مبني على بعضها بمربع وهي الرقبة أم بيرو «الواقعة على مسافة قريبة شرق أبيي (كانت قرية في ذلك الوقت ومازالت) ونبقاية وكجام وابيض البركة وكرينك والتمساح وتقل ويظهر فيها بحر العرب مخترقاً المنطقة من الغرب للشرق حاملاً اسم الدينكا «كير» وبجانبه اسم المسيرية «الجُرف». وجملة ما تفيده هذه الخريطة هو التواجد المختلط للقبيلتين لما يزيد عن قرن من الزمان وأنه من حيث المساحة يجب الاعتماد عليها وليس على خريطة هيئة تحكيم لاهاي التي جعلت المساحة ضعفاً (10.460) كيلو متر مربع، وبالاضافة للمعلومات الأخرى التي أصبحت متاحة والتي لا أجد ضرورة لذكرها هنا الآن أرى أن الحق والعدل اعتبار المسيرية الحمر ملاك أرض في هذا المكان مثل الدينكا تماماً وأنه بناء على هذا يجب أن تسير باقي اجراءات التسوية أو السير في القضية ولعل في ورود اسمي القبيلتين في موضعين غير متوقعين بالخريطة (الدينكا نقوك) في شمال الخريطة والمسيرية في جنوبها هو في نفسه دلالة على هذا الوجود المشترك الذي سجله مساح ذلك الزمان كما رآه ووجده ، ومن عجب ان هذه الخريطة لم تجد حقها من الاعتبار في مداولات محكمة لاهاي، هنا أجد نفسي ميالاً لأُدخل التفاؤل والحلم الجميل في ساحة كانت مكان صفاء ووئام عبر عنهما الاخاء الذي كان بين الصديقين الراحلين الناظر بابو نمر والناظر دينق مجوك وبين الأول وابن الثاني الدكتور فرنسيس دينق مجوك. وان أنسى لا أنسى قولة الناظر دينق عند ادخال قبيلته في المجلس الريفي الذي افتتح للمرة الأولى عام 1953م، والذي ضم بجانب هاتين القبيلتين بعضاً من النوبة والداجو، قال: (أريد أن أكون «الشلالة» أو الخيط الذي يجعل الشمال والجنوب ثوباً واحداً). يقابل ذلك مناداة المسيرية للدينكا بتعبير مودة هو (المسيرية الطوال) - أقول أنا متأملاً هذا: اذا جاء الصيف أيكون الخريف بعيداً جداً..؟! If summer comes shall autumn be Too far behind? لقد اقترحت في المقال المشار اليه سابقاً كما أقترح غيري أن تظل منطقة أبيي هذه بوضعها الحالي في الشمال كما كانت في جميع الأزمان وأن ذلك هو أفضل الحلول للنزاع القائم، وانه اذا أُخذ بهذا الاقتراح فان من الممكن الاتفاق على منح الدينكا نقوك الجنسية المزدوجة ذات الحريات الأربع المعروفة وليتها تكون على نحو ما وبوسيلة ما بقيةً للوحدة التي ذهبت وأملاً في وحدة جديدة، وأضيف الى هذا الآن أنه يمكن جعل المنطقة ولاية قائمة بذاتها وحبذا لو كان أول دبلوماسي ممثلاً للشمال في الجنوب من أبنائها وكم يكون جميلاً لو أن الدكتور فرنسيس دينق أو أخاه الدكتور زكريا أو الاثنين معاً تبوآ منصبين رفيعين في الدولة ليكملا «شِلالة» والدهما - لو لم يكن ذلك في الوضع السابق فليكن في الوضع الحالي وعلى نحو ما من التقارب ولو شعرة معاوية، كل منهما مؤهل وبتفوق ليثبت جدارته حيث يُوضع - أو ليس هذا موضعاً يُسعى له..؟! موضع همزة وصل وصلة خير بين جارين، ومقترناً بهذا الحل يقال: هل الجنوب يحتاج لزيادة في حجمه؟ ألا يكفيه أ يكون حجماً نصف اثيوبيا أو ضعف يوغندا..؟! ومن أبناء الدينكا الذين يستحقون القيادة أيضاً ادورد لينو لور ودينق ألور ولوكا بيونق. وفي الختام، فاني أود أن أبرئ نفسي من الانحياز لأي من الجانبين ، وأذكر اني حاولت أن أكون قاضياً وطرفاً محايداً في نزاع قبيلتين لهما في نفسي التقدير والاحترام فقد عشت بينهما ردحاً من الزمان لا أنساه متعاوناً مع رؤسائهما في حفظ الأمن وتسيير شؤون الدولة والآن آتي بعبارة: أيكون الخريف بعيداً جداً..؟! كلا ثم كلا، وبه يعود الصفاء والوئام بقيت القبيلتان أم افترقتا وبذلك يتحقق الحلم الجميل. ٭ محافظ (مدير مديرية) متقاعد أول مفتش سوداني لمركز دار المسيرية سابقاً