إختلفت الآراء حول الحوار الاستراتيجي الذي تديره مستشارية الأمن القومي مما أدى الى ابتعاد قوى سياسية مهمة واحجامها عن المشاركة فيه بسبب الخلافات بل التوتر في العلاقات بين القوى السياسية المعارضة والمؤتمر الوطني وربما كان هنالك سبب آخر مهم وهو عدم وضوح دور وصلاحيات المستشارية الأمنية بالنسبة للكثيرين. ولقد ظل رئيس المستشارية مشغولاً باشكال وجوانب أخرى من الحوار شمالاً وجنوباً وهي الجوانب التي تأخذ وتستهلك جهده ووقته الى جانب هموم ومطالب أهل دائرته الانتخابية فربما كانت هنالك انتخابات مبكرة على الابواب لذلك قام رئيس المستشارية الأمنية بترك الحوار حول القضايا الاستراتيجية والمتعلقة بالامن القومي للبلاد لنائبه اللواء حسب الله الامين العام للمستشارية والذي ذهب ضحية لخلافات الاسلاميين الذين اختلفوا حتى في تبرير ابعاده والذي نتج عنه التقليل من أهمية الحوار وربما تجميده. ولا بد أن أشير هنا الى أن الحزب الاتحادي الديمقراطي كان من السباقين في طرح فكرة الحوار بين القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني حول مسائل الامن القومي والقضايا الاستراتيجية منذ عدة سنوات وتم التداول حول الفكرة على أعلى المستويات الحزبية حتى تمت بلورتها وطرحها على بعض قيادات المؤتمر الوطني بعد ان أجازها آخر اجتماع للمكتب السياسي للحزب بالقاهرة وهو بذلك يملك حق الامتياز أو الملكية الفكرية لفكرة الحوار الاستراتيجي. ولقد سبق أن أشرنا ايضاً في ندوة صحيفة «الخرطوم» حول الحوار بعين القوى السياسية الى ان السودان من الدول القليلة التي لم تصل فيها القوى السياسية الرئيسية الى توافق حول القضايا الاستراتيجية والتي تتعلق بأمنها القومي حتى في ظل الظروف الخطيرة والعصيبة التي تمر بها بلادنا وبداية تفكك الدولة الفعلي والذي بدأ بانفصال الجزء الجنوبي. ولكن وبعد ان قامت الحكومة أخيراً ومن خلال احدى مؤسساتها المهمة وهي مستشارية الامن القومي بطرح الفكرة للتداول. فما هي اسباب تعثر وعدم جدية الجميع في التعامل معها وهل كان إبعاد اللواء حسب الله والذي تدرج في المواقع الأمنية حتى تولى منصب نائب رئيس جهاز الأمن سبباً في تعثر الفكرة او الاستمرار والحماس لها. واعتقد ان إبعاد حسب الله كان فعلاً أحد أسباب الفتور في تنفيذ أو الاستمرار الجاد في الحوار بما كان له من نشاط ومحاولات جادة في اقناع جميع الاحزاب للانضمام للحوار لان ابعاد حسب الله كان أحد مؤشرات الخلاف في اوساط الاسلاميين او على الاقل الاختلاف حول مفهوم الامن القومي والاستراتيجي وكيفية تحقيقه بل حول قضايا مهمة اخرى ظهرت بوضوح في اصرار و استمرار جانب من انصار الانقاذ في التعامل مع حماس ودعمها بصورة شاملة وصلت الى درجة جعل البلاد معبراً لوصول السلاح اليها من مصادره المختلفة سواء أكانت إيران أو غيرها وجعلت بلادنا مسرحاً للصراع الاسرائيلي والمنظمات الفلسطينية المتطرفة. وهذا التورط ليس سراً بعد ان تكررت الهجمات الاسرائيلية على بعض المواقع في شرق السودان وعلى ساحل البحر الاحمر بل ان هنالك من يدافع عنه في الصحف من الاسلاميين السودانيين المتشددين ودعواتهم لان لا تتوقف الدولة او تتقاعس عن مساعدة حركة حماس بالمال والسلاح عبر اراضينا مهما كانت النتائج وذلك عقب الهجوم العسكري الاسرائيلي الاخير وتكرار الاختراقات الاستخباراتية والعسكرية الاسرائيلية والتي دلت عملياً بان اسرائيل بامكانها تكرار العملية ضد اي مسؤول فلسطيني او سوداني داخل الاراضي والمدن السودانية سواء لمصلحتها المباشرة او بالوكالة عن من يرغب. والحل في تقديري ليس الذي دعا له السيد وزير الدفاع «ببناء» حائط صد لوقف الاعتداءات وغيرها من الاختراقات الامنية فالافعال والاقوال تدل على ان هنالك خلافات حول التعامل مع هذه القضايا المهمة في اوساط النظام وأجهزته على المستوى السياسي أو الامني، وتوجد سوابق لمثل هذه الاختلافات في ظروف مشابهة في دول اخرى فقد اكتشفت اميركا مؤخراً بانه في الوقت الذي كان النظام الباكستاني قد وصل فيه الى اعلى درجات التنسيق الاستخباراتي والتعاون مع الأجهزة الامنية الاميركية في مواجهة عناصر القاعدة وطالبان في فترة حكم الرئيس الباكستاني مشرف، كان مدير الامن الخارجي الباكستاني عبد الحميد غول يتعامل سراً مع قيادات في حركة طالبان ويقدم لهم مساعدات قيمة تبطل مفعول الجهود الاميركية وتقلل من فعاليتها فاذا كان نظام الانقاذ يعاني من خلافات داخلية حول المسائل المتعلقة بالأمن القومي للبلاد فكيف يدير النظام حواراً مع القوى السياسية الاخرى حول هذه القضايا المهمة ففاقد الشيء لا يعطيه. ولا أعتقد بأن الخلافات التي يتحدث عنها كتاب الرأي والأعمدة خاصة من الاسلاميين أنفسهم بين قيادات النظام حول الكثير من القضايا المهمة تحتاج الى دليل فقد أبرزت صحف الاسبوع الماضي إحتجاج قيادات من التنظيم السياسي للانقاذ على استمرار اعتقال جهاز أمن الانقاذ لرئيس حزب سياسي وهو الشيخ حسن الترابي ،لذلك أقترح على الامام الصادق المهدي ان يضيف للاسباب التي يرى بانها يمكن ان تؤدي الى نهاية حكم الانقاذ سبباً آخر وهو التآكل من الداخل. واعترف ان نظرية التآكل من الداخل ليست من افكاري بل قمت باستعارتها من احاديث خاصة جداً لخبير أمني واستراتيجي «انقاذي بالتجنس» ظل يستمتع بالاموال والمواقع في ظل الانقاذ لعقدين من الزمان وتوصل الى ان الانقاذ تعيش نفس ظروف نهايات نظام مايو بالتآكل من الداخل وربما كان ذلك سبباً في تنشيطه لاجتماعاته المجمدة مع بعض الرموز الحزبية إذ أن «أم جركم هذا الزمان لم تعد تكتفي حتى بالخريفين».