للذين لا يعرفون مصطلح الضُّراع في هذا الحيز الذي اتناوله ارجو الا يذهبوا بعيداً للضُّراع القوي الذي نردده كلما تزايدت الضغوط على البلاد في الآونة الاخيرة فالضُّراع الذي اعنيه هو «عينة» من العينات التي تعارف عليها السودانيون في ثقافاتهم في اريافهم الواسعة بحسبانه بداية فصل الخريف وهطول الامطار التي تعود خيراً وبركة على سهولنا الواسعة ومن ثم تبدأ الحياة بكل خضرتها وروعتها ويخرج الرجال والنساء والاطفال يحملون معداتهم وتواريبهم لزرع الامل والرجاء عند قدومه. لا اعتقد ان اتفاقية نيفاشا وتفاصيلها كانت تعي ان هذا اليوم له معنى خاص للمناخ السوداني الطبيعي اي بداية الخريف، فالاتفاقية لا تعرف الفاصل بين موسم الصيف قليل الامطار ويوم البداية الحقيقية للمطر المنتج. ففي الظروف الحالية التي نعيشها والمآلات التي يمثلها واقعنا الاقتصادي المهدد «كما يقولون» نتيجة فقداننا جزءاً مقدراً من البترول وهو يمر بمرحلة حرجة نرى ان نترجمه بانه اليوم الاول من «الخريف» المؤثر والى واقع ملموس بعيداً عن الشعارات وقد قطعنا بان الزراعة مآلنا عن قناعة تامة في هذه المرحلة. فالانتاج الوفير هو صمام الامان خاصة وان العالم من حولنا يمر بازمات الغذاء والغلاء ويتوقع لها ان تزداد حدة مقرونة مع غياب الاستقرار والامن علينا ان نعيها ونحن جزء من هذا العالم حولنا يحضرني دائماً انني ظللت مسكوناً لعلاقتي الوثيقة بالمناخ الطبيعي اولاً بمستوى الهطول المطري في الخريف للانتاج الصيفي الذي يمثل الركيزة للحاصلات المهمة في البلاد والرعي للانتاج الحيواني، وثانياً بمتغيرات درجات الحرارة الشتوية اللازمة لمحاصيل الموسم الشتوي وعلى رأسها القمح الذي ما نزال نسعى جادين «لنطوعه» وان طال الزمن، كان ذلك في ظروف قيادتي لوزارة الزراعة الاتحادية كوكيل اول للوزارة وكوزير دولة لها جنباً الى جنب مع البروفيسور احمد علي قنيف 8891-6991م بمتابعات مستمرة وكان وجود عناصر مؤهلة من الارصاد الجوي، رغم قلة الامكانيات المتاحة لهم مؤثر في مجرياتها وساعد وجودهم في تبني سياسات وتوجهات مثمرة، فالمناخ كما هو معلوم يحكم الكثير من المواسم وعلينا ان ننظر الى موسمين مهمين في عهد الانقاذ اذ كان موسم 9891م موسماً مشهوداً بوفرة امطاره ومن منا لا يتذكر امطار الاسبوع الاول من اغسطس 8891م التي عمت البلاد بأجمعها وهاج الزرع وامتلأ الضرع ولذلك كان حصاد هذا الموسم الذي جندت له كتائب خاصة لاول مرة بهذا المستوى وكان حصاده زاداً لمسيرة الانقاذ وهي في موسمها الاول وصل انتاجه ما لم يصله موسم بعده وكان استقراراً للبلاد وهي تتحول الى مرحلة جديدة لها تحدياتها المشهودة ولم يمر زمن طويل الا وطلّ علينا موسم 0991-1991م كأضعف موسم في هذه القبة من حيث الهطول المطري وايراد النيل وضعف المساحات المنتجة من المساحة المزروعة الامر الذي تزامن مع تزايد الضغوط الخارجية كانت نتيجة ذلك تبني البرنامج الثلاثي للانقاذ الاقتصادي والذي نعلم ان نتائجه كانت مقدرة خاصة وقد توفرت له الارادة السياسية «فعلاً لا قولاً» ووجهت الموارد المحدودة لاهداف البرنامج على قلتها في ذلك الوقت وادارتها باقتدار ووقف انتاج القمح هذا الموسم شاهداً على ذلك اذ وصل انتاجه ما يقرب من «057» ألف طن في حين لم يبلغ «005» ألف طن حتى الموسم السابق مع كل ما يتوافر من موارد وبرامج. الامل معقود ان تُرسم سياسات رشيدة وفاعلة في ادارة المؤسسات الاقتصادية والقطاعات المنتجة مطرية كانت أم مروية وتوظيف الموارد المتاحة «بشرية كانت ام مادية» في المرحلة القادمة قطعاً الموسم الذي نعيشه هذا العام ينتظر منه الكثير ولا يمكن التعامل معه كأي موسم سابق من حيث الاهداف المنشودة خاصة وقد بشرت النهضة الزراعية باختراق الصعاب التي تعيق مسيرة الزراعة في البلاد ورجاؤنا من الله العلي العظيم ان يكون موسمنا هذا موسم رخاء لكل أرجاء السودان. والله الموفق وهو المستعان * وزير الدولة بوزارة الزراعة «سابقاً»