حالة من الفرح والحزن انتابت العامة، والجنوبيون يلملمون ما تبقى من حاجيات نحو دولتهم الوليدة .. وبعض ابناء الجنوب لا يخفي شعور أن يكون هنالك شهوداً على صرخة الميلاد الاولى لجمهوريتهم، وبعضهم لا يبدي اية احاسيس ومشاعر ولا يشعر بالمواطنة الا في الشمال، حيث قطع الحبل السري في لحظات ميلاده الاولى، ولا يخفي تمسكه بالبقاء، فهو يريد البقاء بالشمال. «الصحافة» تجولت بين مختلف انحاء العاصمة لرصد الساعات الاخيرة لابناء الجنوب. كرستينا بيتر كانت صرخة ميلادها الاولى بمنطقة الصحافة، ومنها انتقلت الاسرة الى الشجرة، وذلك عندما وصل عمرها الشهر الثالث.. تقول كرستينا إن والدها كان يعمل بالجيش، وتزوجت باحد ابناء اعالي النيل بالرغم من ان جذور اسرتها من منطقة واو قبيلة رياك، ولها ثلاثة اطفال. وقالت كرستينا انها لا تفكر في السفر الى الجنوب لانهم لا يملكون مسكنا، كما ان منطقتهم تفتقر لوجود مستشفى، واشارت كرستينا الى ان المستفيدين من قرار الانفصال هم اعضاء الحركة الشعبية. وواصلت كرستينا حديثها مشيرة الى أن عدداً من ابناء الجنوب قد تضرروا من قرار الانفصال، مؤكدة ان العائدين من المواطنين الجنوبيين الذين ولدوا بالشمال سيواجهون مختلف اسباب المعاناة التي ابرزها عدم تأقلم اطفالهم مع البيئة الجديدةبالجنوب، كما ستواجه العائدين قضايا المأكل والمشرب والتعليم وكل سبل الحياة الرغدة.. وبحكم عيشها بمنطقة الشجرة منذ طفولتها، فقد تغلغلت كرستينا في النسيج الاجتماعي هناك، واقامت علاقت انسانية مع جيرانها من الشماليين. وتصف كرستينا تلك العلاقة بأنها قوية جدا قوامها التواصل المستمر في الافراح والاتراح. واضافت كرستينا ان اغلب اهل سكان الشجرة يعرفونها، واصفة علاقتها بالشماليين بالاكثر عمقا من تواصلها مع الجنوبيين وتحدثت كرستينا بمرارة عن معاناة الاسر التي ذهبت الى الجنوب لعدم توفر الخدمات الاساسية، كما تفتقر المناطق لأبسط مقومات الاستقرار، وسردت قصة جارتها التي ذهبت الى الجنوب، ومن خلال التواصل عبر الهاتف وقفت على معاناة جاراتها التي شكت من عدم توفر المأوى. وكشفت الجارة كيف انها تسكن تحت شجرة، وانها فقدت طفلتها بسبب المرض لعدم توفر المستشفيات. وخلصت كرستينا الى رفض فكرة السفر، واصفة قرار الانفصال بأنه الحق اضراراً فادحة بالأسر. وأكدت كرستينا انها لن تشعر بالغربة، فهناك شقيقتها المتزوجة من شمالي، اضافة الى عدد كبير من الأسر التي تزاوجت مع الشماليين. أبوك دود قالت إن الانفصال «ما كويس» خاصة أن الجنوبيين الموجودين في الشمال متخوفون من الذهاب الى الجنوب لعدم توفر المأوى والعمل، اضافة الى عدم تألقم الاطفال مع البيئة الجنوبية، والافتقار الى المدارس باللغة العربية، مما يوقع الأطفال في مشكلة بسبب اللغة الانجليزية التي لا يجيدونها. وقالت أبوك إنها لا ترغب في التوجه للجنوب إلا إذا ارغمها الشماليون، فهي تعمل من أجل معيشة ابنائها، وعن تعامل الشماليين وصفت أبوك الشماليين بالطيبين، غير ان الفترة الاخيرة شهدت بعض المضايقات المزعجة في الشارع. وبالمدرسة الانجيلية بأم درمان التى تأسست فى عام1924م، التقت «الصحافة» بالطالبة نايت جينو وهي من قبيلة الاوكيا.. نايت ولدت بالعاصمة فى منطقة الفتيحاب، وتشير الى انها لم تر الجنوب نهائيا، كاشفة ان اخوانها ذهبوا للاحتفال بميلاد الدولة الجديدة، فيما بقيت هي ووالدتها المريضة التي تعانى من مرض القلب، في وقت يفتقر فيه الجنوب للمستشفيات. واشارت نايت الى العلاقات الجميلة مع الجيران الشماليين في ظل ترابط قوي، مما يجعل الذهاب الى الجنوب صعبا، بالرغم من الاغراءات التى طُرحت عليهم، مشيرة إلى أن النزاع بين قبائل الجنوب بعد الانفصال سوف يزيد الأمر سوءاً، واصفة النزاع بأنه أزلي ومن المستحيل أن ينتهى بالدولة الجديدة. وختمت حديثها مناشدة حكومة الدولة الجديدة توفير كل سبل العيش لجذب الجنوبيين الموجودين فى الشمال. والدة أحد الطلاب التى جاءت بهدف تسجيل ابنها، قالت انها تعيش حياة طبيعية بعد الانفصال، مؤكدة انها لا تريد الذهاب الى الجنوب لارتباط اطفالها بالمدارس، وكذلك لوجود العقبات التى تعترض سفرهم، فالدراسة هنا باللغة العربية وهناك بالانجليزية، كما لا تتوفر المدارس والمستشفيات، لذلك من الصعب العيش فى الجنوب. رمضان كورى أستاذ مادة التاريخ بالانجيلية.. نشأ فى جنوب كردفان، ثم انتقل الى الخرطوم.. تحدث قائلا إن الجنوب بعد الانفصال سيصبح دولة قائمة بذاتها ولها سيادتها، والامكانيات متوفرة اذا استغلت بصورة مثلى، مطالباً الاسر بالتأقلم مع الحياة الجديدة. واضاف كورى ان السودان انفصل سياسياً وليس اجتماعياً، وهناك اسر جنوبيةسعيدة بالانفصال، وذهبت لكى تكون حاضرة صرخة الميلاد بالرغم من المعاناة التى تواجههم التى تتمثل فى قلة المستشفيات وبقية الخدمات من تعليم وغيره، واضاف رمضان ان التعليم هناك باللغة الانجليزية، اما هنا بالعربية، والعلاقات داخل المدرسة علاقات طيبة ومترابطة، واغلب الطلاب ذهبوا الى الجنوب وهم فرحون بدولتهم الجديدة، بالرغم من مخاوف البعض من المصير المجهول. عبد الله محمد ابراهيم الشهير ب «جوقى» يعمل استاذا لمادتى الرياضيات والفيزياء لمدة 14 سنة، ابتدر حديثه بأن الانفصال حق اصيل للجنوبيين بغض النظر عن تبعاته وما يحدثه انقسام الدولة من ضعف. وعبر جوقي عن أسفه للانفصال بالرغم من سعي الحكومة للوحدة بكل السبل المتاحة خلال السنوات الخمس الماضية. واضاف قائلاً ان الدولة الوليدة ستواجه بمشكلات وصعوبات فى مجال التأسيس والتنمية، واشار عبد الله الى الترابط القوي الذي كان سمة الفترة الماضية، مشيرا الى ان ذلك الترابط اتضح جلياً في عدم رغبة أعداد كبيرة من الاهالي في الذهاب للجنوب بالرغم من ان الطلاب فرحون بالعودة الى ارض الجدود، وبعض آخر متخوف من المصير المجهول. واضاف عبد الله «اذا اعدنا النظر الى خارطة السودان سوف نجدها مثل القلب لا نستطيع ان نقطع جزءاً منها. وبالنسبة للطلاب الجالسين لامتحانات الشهادة فتوجد مهلة تسعة شهور لترتيب الأوضاع». وختم عبد الله حديثه قائلاً إن ارتباط الشمال بالجنوب يدل على أن السودان مازال موحداً. احد العمال الجنوبيين قال إنه ولد فى ولاية جونقلى، قال انه يفضل البقاء فى الشمال لعدم توفر فرص العمل بالجنوب، وذلك بالرغم من ان اسرته تقطن بالجنوب. ومن داخل شركة جوبا للنقل الجوى، تحدث أمانويل لاكو قائلا بانه كان من المفترض ان يشارك في الاحتفالات بجوبا، لكن عمله فى القوات المسلحة حرمه من الحضور، مشيرا الى ان الجنوب جميل جدا وكنز للمستثمرين والفنانين، ماضيا للقول ان المشكلات القبلية فى الجنوب سوف تحل عقب اعلان الحكومة الجديدة، واشار لاكو الى ضرورة عودة كل مواطن جنوبى الى ارضه. جوقدو خريجة كلية التجارة بجامعة السودان، قالت ان اسمها يعني «المطر»، وقالت إنها سعيدة بميلاد الدولة الجديدة، وعبرت جوقدو عن فرحتها بزخة من الزغاريد، قائلة انها كانت تتمنى أن تكون حاضرة، غير ان التذكرة التى بلغ سعرها مليون جنيه حرمتها. واضافت جوقدو أن الإنسان ابن بيئته، لذلك من السهل ان تتعود على الحياة بالجنوب بعد عودتها، ومضت جوقدو الى ان كل الجنوبيين سيعودون اذا توفر لهم طيران مجانى، مؤكدة ان كل القبائل سوف تتوحد، وأن الجنوبيين بالشمال يواجهون مصيراً مجهولاً، وربما تعرضوا لجملة من المظالم. وجوك توتك الذي التقينا به بجامعة السودان، قال ان الحرب بمنطقة أبيي لا علاقة لها بالانفصال، مؤكدا أن القادة الشماليين والجنوبيين قادرون على ايقافها. وعن علاقته مع زملائه قال إنه ليست لديه أية مشكلة مع زملائه من الطلاب بالجامعة. وعن الاحتفال بالانفصال قال جوك إنهم سيحتفلون بإعلان الانفصال ما لم تمنعهم السلطات. فرانكو أبو جون قال إن الانفصال قد حدث، ولكن تظل العلاقات بين البلدين متينة تدعمها علاقات التزاوج، مشيراً إلى أن أهل الجنوب لا يريدون الدخول في حرب، لأن المواطن الجنوبي قد ملَّ الحروب والنزوح. وعن العلاقة بينه وبين الاهالي الشماليين قال فرانكو انه يسكن بالشمال قرابة ال 18 سنة تمتع خلالها بعلاقات طيبة مع الاهالي الشماليين. وعن عدم ذهابه لحضور الاحتفالات قال فرانكو إنه لن يذهب للجنوب مطلقاً، وسوف يظل بالشمال. وعن المعاملة في السابق وحاليا، أشار الى ان المعاملة كانت جيدة، غير أن الصورة تغيرت بعد إعلان الانفصال، وصار الشمالي عندما يلتقي بك يقول لك «إنت ما ماشي لأهلك ولا شنو؟»