درج اهل السودان على ان يقولوا لمن يعاني صعوبة في الفهم «دي دايره ليها درس عصر» في اشارة واضحة الى ان درس العصر هو محاولة تكثيف في شرح المعلومة التي لم يتمكن الطالب من استيعابها في قاعات الدرس في وقت الضحى في المرة الاولى لأي سبب من الاسباب، سواء كان نفسيا او ماديا، وان كان السبب الرئيسي وراء ظهور هذه الدروس الاضافية هو تقاعس المعلم عن القيام بدوره على اكمل وجه لاسباب منطقية، ما دفع آباء التلاميذ الى البحث عن طرق اخرى تمكن ابناءهم من الاستيعاب ليظهر وحش الدروس الخصوصية الذي صار عبئا جديدا على الاسر، ليضاف «?ق » الاستاذ الخصوصي الى تكاليف العيش والايجار وفاتورة الماء والكهرباء!! وفي هذه الايام معظم الاسر السودانية في حالة من التعبئة واستنفار الجهود المادية والمعنوية لدعم الابناء والبنات للخروج من عنق الزجاجة لمواجهة امتحان شهادة الاساس. تقول نوال عركي والدة احد التلاميذ، انها جاءت باستاذين في البيت حتى يقومان بتقديم الدروس الخصوصية، واضافت انها تدفع لهما مبلغ ثلاثمائة جنيه بالتمام، ومضت نوال قائلة: «الولد بمشي المدرسة من غير فايدة ما فاهم اي حاجة انا ما عارفة الناس ديل بقروهم كيف؟؟». ودافعت من جانبها د. سهام التوم بقوة عن الدروس الخصوصية، مشيرة الى انه لا بد منها حتى يتمكن الصغير من التميز على اقرانه في المدرسة، مؤكدة ايمانها التام بفاعليتها في ظل تراجع دور الاستاذ في المدرسة، معللة ذلك بحالة الاحباط التي يعيشها المعلم جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي ظلت تعانيها شريحة المعلمين في السودان. وأردفت سهام قائلة إن الدروس الخصوصية هي حل لأزمة التعليم في السودان. ومن جهته قال إبراهيم حسن إن لديه ولد وبنت يجلسان لامتحان شهادة الاساس هذا العام، مما جعله مضطرا لتوفير اكثر من استاذ خاص للغة الانجليزية والرياضيات واللغة العربية، وهذا يكلفه كثيرا، وهو عبء جديد على الميزانية. أما عبد الله عمر فيقول إن الدروس الخصوصية اصبحت عبارة عن موضة وفشخرة، خاصة بين النساء اللائي بتن يتفاخرن بها في مجالسهن، فتروي كل واحدة عن امجادها الزائلة واحضارها لاكبر عدد من المدرسين الخصوصيين لاولادها. وتابع عمر بأنه شخصيا ضد الدروس الخصوصية تماما، وقال لابنائه بأن عليهم الاعتماد على انفسهم اسوة بآبائهم. وعلى الرغم من الحاح زوجته على إحضار مدرس خصوصي الا انه رفض ذلك نهائيا، وقال لها: «علمي ابناءك الاعتماد على انفسهم». ومن جانبه اوضح عثمان متوكل وهو معلم بمرحلة الاساس، ان موجة الدروس الخصوصية ضربت كل الاسر السودانية حتى بات لا فكاك منها، مطالباً بضرورة التصدي لها ومحاربتها، محملاً المسؤولية للأسر التي قال إنها صارت تعتمد على الاستاذ الخصوصي اكثر من الاستاذ بالمدرسة، وتحول الامر الى عقدة، وصار الطالب لا يأبه باستيعاب الدرس ما لم يؤت له بمدرس خصوصي، ودعا متوكل زملاءه الاساتذة الى التعاون للحد من هذه الظاهرة التي وصفها بالمزعجة، وخلص الى ان التعليم في السودان بات ضعيفاً. أما سهير عبد العزيز، فقد حكت تجربتها مع الدروس الخصوصية، واصفة اياها بالكلام الفاضي، وتابعت بأن لديها خمسة ابناء في مراحل دراسية مختلفة، خضعوا جميعا إلى دروس التقوية لمختلف المواد، الا انها لم تجن ثمرة هذا الا في زيادة المنصرفات، مؤكدة عدم استفادة ابنائها من تلك الدروس التي وصفتها بأنها مجرد اجهاد ذهني دفع الصغار الى التمارض وصاروا يرفضون الذهاب لأخذ الدرس الاضافية، وقالت سهير انها لا تملك قرار التوقف عن الدروس الخصوصية لانها تشاهد حرص الجميع على ذلك. ويبدو أن حال الاسر السودانية اشبه بقول الشاعر المتجاوز عاطف خيري «حكمة الجوع الشرح للأرضة كيف تقرأ المرق»!!