أقامت جمعية طلاب ماجستير ادارة الاعمال بجامعة النيلين ندوة اختارت لها عنوان (التسويق السياسي ما بين المنهج والتطبيق) وسط حضور كبير امتلأت به القاعة، بمكتب مدير الجامعة وتحدث فيها مجموعة من الدكاترة والمهتمين بقضايا السياسة والادارة، بغرض محاولة الوصول لاجابة لتساؤلات ملحة يأتي على رأسها سؤال ما طبيعة العلاقة ما بين السياسة والسوق، وذلك في ظل تنامي الاهتمام بقضايا الانتخابات من قبل شرائح واسعة من المجتمع السوداني، وخصوصاً انها بدأت تدخل مراحلها الحاسمة. والامر في جوانب أخرى يعني ان السياسة في طريقها للولوج للسوق، من خلال العلاقة الترابطية ما بين المرشحين والناخبين في سبيل الحصول على الاصوات. كما ان الندوة حاولت الاجابة على تساؤلات ماهية الاختلاف ما بين التسويق السياسي والتسويق الانتخابي وذلك من خلال عرض الرؤى والبرامج فيما أطلق عليه السوق السياسي والذي يمثل بدوره نتاجا لحالة تطور سياسي واجتماعي واقتصادي فرضته وقائع البيئة الدولية وتفاعلاتها وبالتالي كانت لها تأثيراتها على الوقائع الأخرى المحيطة بها. الدكتور فكري كباشي بدأ حديثه بتناول أهمية عملية التسويق عموماً واشار الى أن التسويق السياسي يعتبر من المفاهيم حديثة التداول على مستوى الواقع الاكاديمي وهو من المفاهيم التي افرزتها عوامل التغير والحداثة التي انتجت ما يعرف بالتسويق السياسي والذي يعني السعي لتحبيب الناخبين في برنامج معين يتم طرحه من قبل المرشح بغية تحقيق الفوز بالمنصب عبر استخدام وسائل الدعاية والترويج المتاحة وهو يعتبر امتداداً لمسألة التسويق نفسه الذي يعني مسألة الانتقال المادي للسلع والخدمات وخلق منافع زمانية ومكانية من خلال نشاط اجتماعي يهدف لاشباع الرغبات والتكيف مع البيئة ومتغيراتها وبربط فكري ما بين التسويق السياسي وعملية الدعاية عبر وسائل الاتصال الحديثة التي اصبحت تدخل كل البيوت دون استئذان. ويؤرخ فكري لمسألة التسويق السياسي من خلال التجربة الامريكية في عهد جون كنيدي الذي حاول استخدام مناهج علم الاجتماع السياسي لقياس الرأي العام ومن ثم تواصلت التجربة في عهد نيكسون حيث اتخذت البعد المتخصص من خلال الخبراء الذين اصبحوا يقومون بهذه الادوار ويضيف بأن التسويق السياسي هو وسيلة لتقريب وجهات النظر واداة تمكن الناخبين من التعبير عن اشواقهم ومطالبهم الحقيقية ومن ثم المفاضلة من خلال عمليات الاختيار ما بين الذين عرضوا بضاعتهم في سوق الانتخابات أو سوق السياسة، ويحدد ابعاد التسويق من خلال اتساع في القضايا المطروحة وعمق تناول هذه القضايا بعيداً عن التناول السطحي والترابط ما بين مكونات هذه القضايا. ويتناول في جانب ثان مسألة أهمية التسويق السياسي من خلال مقدرته على بناء رأي عام حول الفكرة والشخص كما انه لا يقلل من حرية الشخص بل يترك له المساحات من اجل ممارسة هذا الحق. ويوضح الفرق الاساسي ما بين التسويق السياسي والانتخابي من خلال شمولية الاول وانتهاء الآخر بمجرد فرز صناديق الاقتراع. وعملية التسويق السياسي باعتبارها وسيلة لابد ان يتم من خلالها عملية لتحليل معطيات السوق السياسي من خلال تحديد نقاط القوة والضعف وتحديد وسائل الخطاب الجماهيري باعتباره السلعة التي تجلب اصوات الناخبين وتحديد المتغيرات التي تمثل الناخبين والتمويل وقادة الرأى العام وتحديد لغة الخطاب من خلال وضع اعتبارات الجوانب الثقافية والاجتماعية والصورة الذهنية عند الجماهير والقدرة على الاقناع عبر العبارة والشعار مستدلاً بتجربة اوباما برغم الاختلاف في المكونات ما بين المجتمعين. خاتماً حديثه بان وسيلة الاقناع اختلفت من الاقناع بالقوة لقوة الاقناع، التي يجب ان تكون مستندة للقيم الاخلاقية باعتبارها الوسيلة المثلى لتحقيق الغايات والاهداف. بينما تناول الدكتور بهاء الدين مكاوي عميد كلية التجارة بجامعة النيلين واستاذ العلوم السياسية الموضوع من جانب غلب عليه الطابع السياسي والذي زاوجه بجانب التسويق وتوضيح ان هنالك علاقات تشابه دون ان يعني ذلك وجود اختلافات جوهرية محدداً ان في علاقة السوق لا بد من تحديد احتياجات المستهلكين وماذا يريدون وقدرتهم الشرائية والرغبة في امتلاك السلعة وحجم السوق وهي ما تشير له عملية الانتخابات التي تتضح اطرافها من خلال وجود منتج هو السياسي ومنتج البرنامج ومستهلك /الناخب وعلاقة ما بين هذه المكونات يبرزها التفاعل الانتخابي الذي يتم من خلال الخطاب السياسي باعتباره الوسيلة الاساسية للتسويق السياسي التي تركز على عملية ابراز نقاط القوة لديك ونقاط الضعف عند الآخرين ويتخذ التسويق السياسي عدة انماط هي النمط الكلي الشامل لكليات ونمط تسويق المؤسسات ونمط تسويق السياسات مؤكداً ان السياسة سلعة تبرز من خلال الاطروحات الهادفة للاصلاح ويجب التعاطي معها من خلال تحقيق الخير الجمعي للمشترين الناخبين وهذالا يتم إلا من خلال تبني قضايا الجماهير باعتبارها صاحبة الحق الاصيل في الموضوع ويجب تناول اولوياتها والتعبير عنها بصدق بعيداً عن الميكافيلية واعلاء القيم الوطنية والبعد عن التجريح الشخصي حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه في ظل حالة الاستقطاب الحار التي تضج بها الساحة السياسية السودانية في هذه الأيام والالتزام التام بقيم الموضوعية. وتناول الصحفي ضياء الدين بلال موضوع التسويق السياسي من خلال عملية الاعلان الذي اوضح انه مثل الدواء تماماً قليله مضر وكثيره أكثر ضرراً. مشيراً إلى ان عملية التسويق السياسي تشير لمسألة مهمة مفادها ان المواطن هو السلعة، الأمر الذي يتطلب التعاطي مع المسألة وفق عملية المصلحة الوطنية من خلال تبني الخطاب المتوازن وليس خطاب التجريح الذي يحول المحايدين والمخالفين لأعداء والاعداء لمقاتلين حيث يدفع فاتورة كل ذلك المواطن والوطن في آن واحد مطالباً باخضاع المسألة لعملية تمحيص من قبل المهتمين وتجسير العلاقة ما بين المؤسسات وأجهزة الاعلام. وأشار الخبير د. ربيع عبد العاطي لحالة التداخل ما بين المفاهيم المختلفة في موضوع التسويق السياسي وذلك يعود لتعقيد مفهوم السياسة نفسها التي تختلف النظرة حولها ما بين العلمية أو انها فن. مشيراً لتساؤل مهم وهو أين يوجد سوق السياسة مجيباً بانه اصبح في كل الفضاءات من حولنا في الجامعات وفي مصانع السلاح والحروب وهو سوق غريب يحتاج لعملية تسويق معقدة يكون هدفها تحقيق الخير وهو هدف اخلاقي قد لا يتحقق على ارض الواقع. موضحاً ان السياسة ترتبط بكثير من الانشطة الاخرى وهو ما يجعلها بالضرورة مرتبطة بالحياة. ومن هذا المنطلق فان لها حق تسويق نفسها. إلا ان الامر يحتاج لمقدرات اقتصادية فاعلة وقادرة على الانجاز وكذلك قادرة على تجاوز تداعيات النظام العالمي الجديد باعتباره المحدد الواقعي للسياسة. كما ان عملية تسويق القديم لن تجد القبول وهي معاني تجاوزها الزمن. ولا بد ان تقوم عملية التسويق السياسي على مدى المواكبة والواقعية ومخاطبة العقول من اجل الوصول للغايات.