طوى عام 2011م صحائفه ورحل بعد أن خلد نفسه تاريخاً يبقى في ذاكرة الأمم والشعوب، رحل لكنه سيبقى عالقاً في الذاكرة الجمعية لشعوب المنطقة العربية بأسرها، فيه تهاوت أصنام ظلت لعقود تركع الشعوب تحت أقدامها وهي تسبح بحمدها خوفاً وطمعاً، وعندما جاعت هذه الشعوب لم تتردد في أكل تلك الأصنام. والحدث الأعظم في هذا العام هو أحداث المنطقة العربية التي أدارت رؤوس كل العالم من استثنائها ومفارقاتها، فالمواطن العربي كسر حاجز الخوف وانتفض على جلاده، وجمهوريات من الرعب تتهاوى، تحت صيحاته وهتافه الثوري. لذلك سيكون 2011م سنة فارقة في التاريخ السياسي للعالم العربي. ففي عام 2011م حدث ما كان مستحيلاً، ثورة في تونس كان وقودها عربة خضرجي بسيط، وثورة في مصر أشعلها شظف العيش وتزوير إرادة المواطن ونهب ثرواته، وأخرى في ليبيا التي لم يعرف الناس عنها شيئاً سوى وجه العقيد وخطبه ونظرياته، ختمت فصولها بنهاية مأسوية له ولأبنائه الذين تشرد من بقي منهم شرقاً وغرباً ينشدون الملاذ الآمن. وعندما أصبحت بلقيس أمام الحقيقة قالت «ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين» وقالت امرأة العزيز عندما انكشف أمرها: «الآن حصحص الحق»، وقال فرعون عندما أدركه الطوفان: «الآن أمنت برب موسى»، وتتكرر المواقف ليأتي في هذا الزمان بصور أخرى وشخصيات على شاكلة أسلافها، فمنهم من قال بعد أن قضى الأمر: «الآن فهمتكم».. ومن قال: «ما كنت لانتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة» ومن قال: «لا تصفير للعداد»، ومن قال مخاطباً من ثاروا عليه: «أنا لست رئيساً.. لو كنت رئيساً كنت لوحت باستقالتي على وجوهكم».. التاريخ يعيد نفسه بصورة غريبة دون أن نستخلص دروسه أو نتعلم من عِبره. وإلا الكل يعلم النهايات البائسة التي انتهى إليها أصحاب المقولات أنفة الذكر. عام 2011م رد للمواطن العربي كرامته وحريته، وأعاد لصناديق الاختراع مصداقيتها، وعزز مفهوم العدالة والمحاسبة مهما كبرت الأسماء وتعددت الألقاب. وما حدث في العام الماضي انجاز تاريخي عظيم كلف الشعوب ثمناً غالياً، مدشناً حقبة سياسية بمفاهيم جديدة أهم ما يميزها الحرية والكرامة والديمقراطية التي تحترم خيارات المواطنين، وبالتالي نهاية عصر الخوف والخنوع وتكميم الأفواه. ومازالت شرارة الانتفاضات تنتقل من بلد إلى آخر، حيث الرغبة في صنع الثورة باتت عدوى تداعب أحلام الشعب في أكثر من بلد عربي، والعاقل من وعي الدرس وفهمه قبل فوات الأوان. فمنذ عهد سيدنا نوح السفن تتحسب لكل شيء إلا الجرذان، ولذلك تغرق.