قال خبراء ومختصون إن العلاقات السودانية الامريكية لن تتحسن الا بعد ان يوطد السودان علاقته مع دولة اسرائيل ، ودولة جنوب السودان ورهنوا زوال التوتر الذي تشهده العلاقات السودانية الامريكية بهذه الخطوة ، التي اعتبروها نواة لعلاقات خارجية بإستراتيجية جديدة . وقالوا ان امريكا فشلت في الاطاحة بنظام الانقاذ خلال العشرين سنة الماضية ، وفي ذات الاتجاه انتقد مناقشون بالندوة السياسة الخارجية للسودان ، وطالبوا بإعادة النظر فيها لتكون وفق مصالح السودان ، لأن السودان تضرر من المقاطعة الامريكية في اهم المجالات الخدمية ابرزها السكة الحديد ، والقطاع الصحي ، وشددوا على ان تعمل الدولة على اعادة مصالحها مع الولاياتالمتحدة وتغلب مصلحة المواطن ، بإعتبار انه المتضرر الاول من الحصار الامريكي . فيما طالب الامين العام لجهاز المغتربين كرار التهامي بإختراق المجتمع الامريكي وتوطيد العلاقات الشعبية التي قال انها اقوى من الروابط السياسية والاقتصادية . وقال المهندس فتح الرحمن زين العابدين احد المناقشين ان تحسين العلاقة مع اسرائيل اولا هو المدخل الاساسي لاستقرار العلاقات السودانية الامريكية ، وتساءل لماذا تسعى الحكومة للتطبيع مع امريكا ولاتسعى للتطبيع مع اسرائيل ؟ مع انه تاريخيا اليهود كانوا معنا في دولة واحده وهم اهل كتاب ، ويذهب الخبير القانوني دكتور كمال الدين الى ان الولاياتالمتحدة تتعامل مع السودان بسياسة (ابتسم في وجه الكلب المذعور حتى تجد حجراً ترميه به ) ، واضاف علينا الاستثمار في التناقضات الموجوده في شكل هذه العلاقة . وقال عميد كلية الدراسات الاستراتيجية بجامعة الزعيم الازهري آدم محمد احمد، ان الولاياتالمتحدةالامريكية فشلت في الاطاحة بنظام الانقاذ طوال العشرين سنة الماضية ولم تجد خياراً سوى التعامل مع الحكومة السودانية. واثارت الورقة التي قدمها عميد كلية العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية حول العلاقات السودانية الامريكية ، الدكتور آدم محمد أحمد جدلا واسعا وسط الحضور من خبراء ومهتمين بالشأن السوداني الامريكي ، وسلطت الورقة الضوء على تاريخ العلاقات بين السودان وامريكا مع اختلاف فترات الحكم بين الجمهوريين والديمقراطيين ، وماشهدته سياسة امريكا الخارجية صعودا وتراجعا وكيف انها انتهجت سياسة (ليس هناك اصدقاء دائمين ولااعداء دائمين) ، واشارت الى ان هناك نصاً في الدستور الامريكي ينص صراحة على ان تصبح الولاياتالمتحده دوله عظمى ، تنفرد بالسيادة والسيطرة الدولية وقد اتبعت الولاياتالمتحده لتحقيق تلك الغاية اربع مراحل رئيسية ، اولها مرحلة العزلة حسب مبدأ الرئيس جيمي مونرو والذي بدأ منذ العام 1881، ومن ثم دخلت في مرحلة الحرب البارده وبدأت بالتدخل التدريجي في شؤون الدول ، بغرض حماية مصالحها ، واستمرت هكذا الى الى حين نهاية الاتحاد السوفيتي ، وبعد ذلك توجهت نحو نظام عالمي جديد وكانت هي مرحلة الهيمنه الامريكية التي انتهت عام 2008 وبعد ذلك تراجعت امريكا عن الشؤون الدولية بعد بروز اقطاب جديدة هي الصين واروبا وغيرها ، وكان هذا التراجع للهزائم المتتالية التي تعرضت لها امريكا في العراق وافغانستان والازمة الاقتصادية التي ضربت الولاياتالمتحده . وقد تأثر السودان في فترات حكمه المتعاقبة بالسياسة الامريكية الخارجية منذ استقلاله والى الآن ، وبينت الورقة مواقف امريكا من السودان في حكوماته المختلفه ، واشارت الى انه في عهد الانقاذ توترت العلاقات السودانية الامريكية منذ البدايه ، لان الولاياتالمتحدهالامريكية تعللت بالقانون رقم 513 والذي يحظر عليها التعامل مع اي حكومة عسكرية تأتي على حساب نظام مدني ، ورغم ذلك القرار فإنها تلمست امكانية التعامل مع السودان ، عبر وفودها المتعاقبه وبعد ان ابدت الحكومه السودانية مرونه في التعامل مع المصالح الامريكية في السودان وفي المنطقة ، وقد انحصرت اوجه الخلاف بين الحكومه السودانية والولاياتالمتحدةالامريكية في عدد من النقاط مثلت عوامل التباعد بين البلدين ، وقد اختلطت في تلك العوامل المصالح الامريكية مع سياستها المعلنة في حماية المبادئ والاخلاقيات الدولية وفقا لتحليل الورقة ، اولها التوجه الاسلامي لحكومة الانقاذ حيث ترفض الولاياتالمتحده تدخل الدين في السياسة ، وبناء على هذه الخلفية توترت علاقات امريكا مع النظام لتطبيقه الشريعه الاسلامية ، وزاد الامر سوءا عندما رفضت حكومة المهدي الغاء قوانين سبتمبر ، و مجئ حكومة الانقاذ بعدها ذو التوجه الاسلامي واعلانه تطبيق الشريعه الاسلامية ، وكانت ترى انه العقبة الرئيسية امام تسوية مشكلة الجنوب ، واشارت الورقة الى ان عداء الولاياتالمتحده للتوجه الاسلامي لاينبع من عدائها للاسلام وانما ينبع من رعاية مصالحها القومية . وارتبط توتر العلاقات السودانية الامريكية بايواء السودان للجماعات التي تعتبرها امريكا ارهابية ، و تتهمها الولاياتالمتحده بممارسة الارهاب مثل الجماعات الاسلامية الفلسطينية (حماس ، والجهاد الاسلامي) وحزب الله وتنظيم رجل الاعمال السعودي الراحل اسامه بن لادن الذي عرف لاحقا بالقاعده . واشارت الورقة الي ان الولاياتالمتحدهالامريكية لاتتهم السودان بممارسة الارهاب بقدر اتهامها له بايواء الجماعات المتهمة بممارسته ، واعتبرت الحكومة السودانية راعية للارهاب ، وقد ارتبطت مسألة الارهاب الدولي كذلك بالمصالح الامريكية فالجماعات التي تمارس الارهاب هي الاكثر نجاحا في توجيه ضربه للمصالح الامريكية المنتشرة في العالم ، بالاضافه الى ان تلك الجماعات كانت تستهدف حلفاء الولاياتالمتحدةالامريكية مثل الحكومة الاسرائيلية والسعودية والمصرية ، وايضا موقف السودان من حرب الخليج، فموقف السودان المغاير للموقف الامريكي في معالجة التدخل العراقي في الكويت كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، حيث تم تصنيف السودان حينها من ضمن الدول المعادية للمصالح الامريكية في المنطقة وترتب على ذلك وضع اسم السودان في القائمة الامريكية السوداء ، وكذلك حقوق الانسان وحرب جنوب دارفور هي من اسباب الخلاف التي اوردتها الورقة . واستعرض دكتور آدم اثناء مناقشته للورقة ان هنالك عوامل تقارب بين البلدين ، ابرزها فشل الادراة الامريكية في الاطاحه بنظام الانقاذ الوطني ، فقد كانت السياسة الامريكية في بداية الامر تهدف للاطاحه بنظام الانقاذ ، وادارة كلينتون بالتحديد اتخذت مواقف متطرفه منها ودعمت التمرد ودول الجوار وحاصرته اقتصاديا الا انها لم تتمكن من فعل ذلك ، واعقبتها ادارة جديده غيرت سياستها تجاه السودان بالعمل على تعديل سلوك السودان والتعامل معه بدلا من تلك السياسة المتطرفه. وايضا تراجع الانقاذ عن سياستها العدائية للولايات المتحده ، وهنالك عوامل كثيرة طرأت جعلتها تفعل ذلك ، محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ادت الى مساومة الحكومة السودانية ، واستجابتها للضغوط الامريكية ، حيث القت الضغوط الامريكية بظلال سالبه على خط وسياسات الانقاذ الوطني ، حتى فيما يتعلق بتطبيق الشريعه الاسلامية ، بحسب مقدم الورقة، وقد زاد الامر سوء انشقاق الحركة الاسلامية ، مما قلل قبضة النظام على الامور . ومؤخراً زادت قناعة النظام بالتعامل مع المجتمع الدولي بدلا من مواجهته في مناحي عده ابرزها التعاون في مكافحة الارهاب ، والتعاون في سلام جنوب السودان. أوباما والسودان يقول الدكتور آدم على الرغم من ان الحكومة السودانية تخوفت من عودة الحزب الديمقراطي للحكم بسبب ماطرحه الرئيس الامريكي الحالي في سباق الانتخابات الامريكية حيث كان من اكثر الناس عداء للسودان قبل الوصول الى السلطه ، وكان من اكثر المقربين لمنظمة (سيف دارفور ) وادلى بالكثير من التصريحات الاعلامية لصالحها ، متهما الحكومة السودانية بممارسة التطهير العرقي والابادة الجماعية في دارفور ، وكذلك فإن معظم اركان الادارة الامريكية كانوا من اكثر الناس عداء للخرطوم امثال سمانتا بورس وسوزان رايس ، ونائب الرئيس الامريكي نفسه ، ولكن بعد وصول اوباما للسلطه اختفت تلك المواقف العدائية السابقة ، ابرزها ان السياسة الواقعية تختلف عن المواقف العاطفية ، التي دائما ينتهجها اقطاب المعارضة ، واعلنت امريكا استراتيجية جديدة تجاه السودان وقد ركزت على تسوية مشكلة دارفور ، والتنفيذ الكامل لاتفاق نيفاشا ، وضمان الا يكون السودان ملاذا آمنا للارهابيين . ويمضي دكتور آدم في نظرة مستقبلية للعلاقات الى ان ادارة اوباما قد بذلت جهدا كبيرا لاستكمال استفتاء السودان ، وغضت الطرف عن الدعوات التي تتهم السودان بتزوير الانتخابات ، ويتركز الجهد الامريكي في الوقت الراهن لتسوية القضايا العالقة بين دولتي السودان الشمالي والجنوبي ، ومايهمها الآن منع نشوب حرب بين الطرفين ، في ظل وجود حركات متمردة ضد حكومة الجنوب والبترول ، كما انها كذلك تسعى لعلاقات سلسة بين الدولتين .