امتدادا لحالة الركود التي سادت أسواق الخرطوم أمس الأول قبيل التوجه لصناديق الاقتراع لم يخيب مشهدها أمس مع بداية الاقتراع توقعات المراقبين والمواطنين حيث عمت شوارع وأسواق الخرطوم حالة أشبه بالكمون والتوقف شبه التام ،حيث خلت الشوارع من مظاهر الازدحام والتكالب على قضاء الاحتياجات من الأسواق ودور الخدمات في القطاعين العام والخاص بالرغم من كم التطمينات التي ما فتئت ترسلها الأجهزة الشرطية والأمنية وتعزيزات مجلس الوزراء بعدم تعطيل دولاب العمل بسبب إتاحة الفرصة للناخبين وتمكينهم من الإدلاء بأصواتهم، غير أن واقع الحال أمس يعكس بجلاء أن كل الاجتهادات التي أرسلتها السلطات للمواطنين بألا شئ يجري فوق العادة ذهبت أدراج الرياح ولم تبدد جيوش الوجل والخوف التي حاصرت مخيلة الأغلبية العظمى من المواطنين إذ ما زالت غرف ذاكرتهم تختزن صورا مأساوية لبعض مظاهر الفوضى التي صاحبت أو أعقبت رحيل جون قرنق ومداهمة خليل ابراهيم لأمدرمان الأمر الذي ساعد في رفع درجة الاحتراز والتهيب وسط السواد الأعظم من سكان العاصمة، إذ تابعت الصحافة في جولتها أمس بالسوق العربي والسجانة والسوق المحلي والميناء البري انخفاض وتيرة النشاط التجاري بها بجانب تدني نسبة المسافرين من وإلى الخرطوم حيث بدت الحركة في الميناء البري شبيهة تماما بتلك التي تعتريه أول أيام العيد فخلا من ملامح الازدحام على البوابات لحجز تذاكر الدخول (توكن) فالممرات التي تفضي إلى الشباك كانت ممهدة ومعبدة بل تمد إلى قاصديها على قلتهم أذرعها لاحتضانهم والزج بهم في باحة الميناء البري عسى أن يحركوا بركة السكون التي امتدت رقعتها إلى صالته التي تراءت فسيحة يوم أمس لخلوها من مرتاديها. وحتى لا نتكتفي بالمشاهدات والملاحظات التقينا بالطيب الحسن الذي ينوي السفر إلى بورتسودان فأوضح أنه لم يجد ما يحمله من البصات رغم وفرتها إذ تعلل اصحاب المكاتب السفرية بعدم توفر العدد الكافي من المسافرين الذي يمكنهم من تسيير السفرية فقرروا تأجيل السفريات إلى اليوم التالي وغير بعيد عنه وفي الصالة رقم خمسة توقنا عند إسماعيل حسين المتوجه إلى الكتير مساعد ريفي طابت فقال إن المواصلات متوفرة غير أن المسافرين غير كافيين لتتحرك الحافلة في الزمن المعتاد وأبان أنه ظل ينتظر إمتلاء الحافلة لأكثر من ساعة ومع ذلك لم يكتمل العدد بها وأرجع السبب في انخفاض نسبة المسافرين إلى انشغال الناس بالتصويت بالإضافة إلى تخوف البعض من حدوث تفلتات أمنية شبيهة بتلك التي صاحبت رحيل قرنق وهجوم حركة العدل والمساواة على أمدرمان وختم حديثه بأن تفسيراته هذه يعضدها قلة القادمين إلى الخرطوم . ومنذ انطلاقنا من مقر الصحيفة عبر شارع السيد عبد الرحمن تكشف لنا حجم الجمود الذي أصاب الحركة الاقتصادية بالعاصمة أمس إذ غدا شارع السيد عبد الرحمن شبه خالي من السيارات التي كانت تملأه بصورة تدعو للاكتظاظ وعلى جنباته الممتدة على طوله هناك عدد كبير من المتاجر بمختلف ضروب أنشطتها مغلقة و التي فتحت أبوابها لا يبدو عليها أي مظهر من الحراك، فدلفنا بالسيارة إلى داخل السوق العربي حيث لم يكن الحال بافضل مما وجدناه بشارع السيد عبد الرحمن فتوقفنا عند التاجر رحمة عبد الله الناشط في بيع الكريمات والذي أقدم على فتح متجره بينما كثير من جيرانه آثر إبقاء متاجرهم مغلقة فأوضح لنا أن حركة البيع والشراء ضعيفة جدا جدا وأن السبب في ذلك بدء الاقتراع اليوم غير أن هذا السبب ليس معنيا في ذاته بل لما يصاحبه من توجسات وهلع وسط المواطنين من حدوث أو نشوب بعض التفلتات الأمنية التي تعصف بالاستقرار غير أنه عاد بأن الحركة في السوق بدأت في استعادة وضعها الطبيعي تدريجيا بعد أن تأكد للجميع أن الأمور تسير بصورة عادية وأن ليس هناك أي مظهر يدعو للخوف والتلكؤ إذ اقدم بعض التجار على فتح متاجرهم بعد الساعة الحادية عشر صباحا .وعن الأسعار يقول رحمة الله إن الأسعار لم تتأثر بالحالة التي يمر بها السوق من قلة مرتاديه لا سيما من الجنس اللطيف . وفي الاتجاه المعاكس لمتجره توقفنا عند تاجر العطور سعيد الطيب سليمان الذي أوضح لنا أن حركة البيع بالسوق بطيئة أو تكاد تكون معدومة بالرغم من الأحوال الهادئة وليس هناك ما يعكر صفو المزاج. وقال إن الحالة التي عليها السوق اليوم من قلة رواد وإغلاق لكثير من المتاجر السبب فيها توهم حدوث تفلتات أمنية إبان الاقتراع غير أن الأوضاع على ما يرام بل بالعكس تماما فهنا الأمور أدعى للطمأنينة أكثر من الخوف والهلع فالشعب السوداني شعب واعي وتوقع أن تعود الأوضاع إلى صورتها الاعتيادية يوم غد بعد أن تبين للجميع أنه ليس هناك ما يبعث على الخوف والوجل وغير بعيد منه توقفنا عند تاجر الأجهزة الإلكترونية متوكل الهادي إدريس والذي أوضح لنا في مبتدر حديثه أن الإقبال على السوق ضعيف واعتبر أن هذا دليل عافية ويعني أن الناس مقبلون على صناديق الاقتراع بكلياتهم مما يدل على حرصهم على انتخاب من يرونه مناسبا لتقدم صفوفهم التنفيذية والتشريعية حتى أن البعض ذهب للولايات ليتمكن من ممارسة حقه الدستوري وقال إن ما يدلل على وعي الشعب السوداني وحرصه على متابعة مجريات الأحداث في الساحة السياسة بالبلاد فقد زاد الطلب على أجهزة الراديو وأن عدم منح عطلة رسمية للعاملين بالدولة دليل على سير الأمور على هدى من الأمن والاستقرار ومدى توسع رقعة الديمقراطية التي يتمتع بها الشعب السوداني الواعي الذي يفرق بين الصالح والطالح . ونحن نهم بالخروج منه وقفنا مع عمار صلاح الدين النعيم الذي كشف لنا عن هويته بأنه طالب بجامعة الرباط الوطني فسألناه عن سبب مجيئه للسوق في ظل ما يراه من قلة حركة فأوضح لنا أنه جاء إلى السوق لشراء بعض الحاجيات التي تنقصه وأنه لم يشعر بالخوف والوجل وأنه قد ذهب إلى مركز الاقتراع منذ الصباح الباكر وتمكن من الإدلاء بصوته ومن بعد ذلك قصد السوق غير أنه تفاجأ بقلة الحركة به بالرغم من هدوء الأحوال ومسحة الاستقرار البادية على السوق. وأثناء تجوالنا بالسوق العربي مررنا بعمارة السام الشهيرة بارتياد طالبي خدمات أجهزة الاتصال حيث تعتبر من أكبر بقاع النشاط التجاري فيها بالعاصمة فلاحظنا أن الغالبية العظمى من المتاجر مغلقة تماما ولم تكن الإمارات التي تقع في الاتجاه الغربي منها بأحسن حالا حيث بدا واضحا أنها ليست بمنأى عن حالة إغلاق المتاجر وترجلت بنا السيارة حيث موقف المواصلات بالسكة حديد فاتضح لنا قلة الإقبال بالرغم من تناثر بعض المركبات في ساحة الموقف فيممنا وجهنا شطر السجانة مستغلين شارع الحرية الذي ينجو هو الآخر من حالة السكون الذي ضرب غيره من أرجاء العاصمة فلم نلحظ المظهر المعتاد الذي ألفناه من تكدس للسيارات على جانبيه معيقة للحركة بل بدا فسيحا من كثرة قلة السيارات التي تمتطيه فوصلنا إلى سوق السجانة أكبر مركز لبيع وتجارة مواد البناء والتشييد فوجدناه ليس بشاذ عن مثيلاته بل إن أكياس البلاستيك وبعض الأوراق لم تجد صعوبة في الانطلاق مع هبوب الرياح التي تحملها حيث أرادت .