قرأت كلمة بعنوان (المتعافي.. لا تهلك الزرع والنسل).. بعمود (ومضات) لصاحبه محمد التيجاني عمر قش.. بجريدة الانتباهة بتاريخ الجمعة 81/5/2102م، ص 7.. دارت حول رسالة وصلته من المهندس عبداللطيف محمد عبدالرحيم. بدأها بقوله بالحرف: (ولولا ان هذه الرسالة وصلتني...) من المهندس عبداللطيف محمد عبدالرحيم، وهو رجل قد تربى على ضفاف النيل.. وبين اشجار النخيل الباسقة.. في شمال السودان.. ولم ينس يوما رائحة (البوغة) لما نشرتها).. والمشكلة كما جاءت بالرسالة.. وكما لخصها التيجاني بالعنوان: (المتعافي .. لا تهلك الحرث والنسل) .. ان السيد الدكتور المتعافي اوقف المياه نهائيا عن الترعة الرئيسية والفرعية التي تروي مزارع مستثمري شمال الجزيرة خارج مشروع الجزيرة دون مراعاة لأوضاع آلاف المزارعين وملايين الابقار والمواشي البالغ عددها 2.5 رأس من الثروة الحيوانية.. فلما سألنا عن السبب؟! قالوا ليبني كباري العبور.. لفت نظري هذا العنوان المثير من ناحية.. ولسابق صلتي بموضوعه من ناحية اخرى.. فلقد كان لي مقال بعنوان: (فكرة لحلب الماء بزيده من ضرع السد) حلا لمشكلة حرمان السد العالي مصر من الطمي.. بالاضافة الى ان هذا يؤدي الى تجريف الارض الواقعة شمال السد.. رغم فوائده العظيمة الاخرى.. هذا ما كان من قبل.. والآن انقل ذات الفكرة لحل الاشكال بالسودان، ان كان السبب لقفل الترع هو بناء الكبارى للعبور... كما جاء بالمقال موضوع التعقيب هذا.. اما اذا كان القفل لأسباب اخرى اجهلها فهذا امر آخر يعالج كما يجب.. وبداهة ما يجب لا يتعارض مع فكرة بناء الكباري المقترحة كالخطين المتوازيين يسيران معا ولا يتعارضان..وبعد .. لعل من المفيد شرح كلمة (البوغة) بضم الباء وواو مد وفتح ... التي وردت بكلمة السيد التجاني .. وكلمة (عوّافي) التي وردت بعنوان كلمتي هذه .. لأبناء واحفاد اليوم الذين انقطعت صلتهم بحياة البوغة وعوّافي لحياتهم بالمدينة .. وعليه اقول: البوغة: الارض عند زراعة الذرة وغيرها بالساقية او الوابور تعد الحياض ثم تحفر ثم يرمى التيراب بالحفر، ثم تدفن ثم يسقى الحوض بالماء.. هذه العملية تسمى البوغة.. وكلما زادت الحياض المبتلة زادت رائحة الابتلال .. وهذا ما عناه التيجاني برائحة البوغة دليل اصالة وتراث... وفي هذا المعنى يقول الشايقية لمن تطاول: ماذا تكون انت بالنسبة لفلان ود الحد والتقنت (الترس للحوض)...؟! الماء الثاني لسقي الزرع يقال له التالات والثالث ثالث التالات.. وهكذا.. كلمة عوّافي يقولها السائر اذا رأى شخصا يؤدي عملا بوغة كانت او حصادا او قطع شجرة.. الخ ليعبر عن رضاه عن العمل والتشجيع بقلب سليم.. والرد عليه يكون بجملة (الله يعافيك) .. والمتعافي الشخص الذي انعم الله عليه بنعمة القوة والعافية معا.. فإذا اكثر من استخدام القوة عوضا عن الحلم (الحلم هو العقل) قيل له متعافي قصد التماس العذر له ورفع اللوم عنه.. بعد هذا الطرد لا الاستطراد الذي اقتضاه تمام الفهم بشرح ثلاث الكلمات نأتي الى عرض الحل الذي سبق ان ذكرت عن حل مشكلة الطمي التي نتجت عن صفاء الماء المحجوز خلف السد لعدة اميال.. وكل حل لا بد ان يخلق مشكلة.. نأتي بالرغم من انني لست من ذوي الاختصاص والخبرة.. ولكن بالفطرة كما كانت العرب بعامة تفعل ... وسيدنا عمر بخاصة . فقد كان يتحدث في الادب والنقد والادارة والاجتماع والفقه والقضاء .. ومن اشهر آثاره رسالته في القضاء الى ابي موسى الاشعري.. التي ما تزال بعد 1.000 عام مرجعا ودستورا حتى اليوم .. كقوله فيها له (البينة على من إدعى واليمين على من أنكر).. وفي هذا المعنى ( تمضي الفطرة) يقول الشكرية في امثالهم (الراي همبلة تجده عن راعي البقر) وهذه في تقديري ذروة الديمقراطية بالفطرة بلا تمشدق.. تقول قول العرب في التراث (لو كان يطاع لقصير امر).. وفي الاسلام (الحكمة ضالة المؤمن)... الحل.. جميل جدا من السيد د/ المتعافي ان يفكر في كباري العبور.. واجمل منه ان يجمع بين الكباري واستمرار تدفق الماء في الترعة الرئيسية والفرعية.. بعمل ترعة شرق او غرب الترعة القديمة بذات العمق وذات العرض وذات الابواب.. زائدا كباري العبور.. فإذا تم شق ترعة اخرى بذات العمق والعرض بطول كيلومتر او نحو ذلك .. بعدها يزال الحاجز الترابي الطبيعي ايا كان عرضه المناسب ليتم تحويل الماء الى مجراه الجديد وكان الله يحب المحسنين.. اكرر بذات العمق لئلا يكون الحال كحال مواسير مجاري مياه الخريف المدفونة بالطرقات بالخرطوم .. نجدها بالمشاهدة اعلى من المجرى.. والنتيجة مياه راكدة.. وناموس.. وملاريا.. وروائح كريهة.. هذا العلو يدركه السائر بالعين المجردة دعك عن المهندس بالمنظار والسِّيبة.. وقديما قال سيدنا ابوبكر الصديق لسيدنا خالد بن الوليدعند توجيهه لحرب الروم بالشام من حرب فرس الامس بالعراق (المعونة من الله على قدر النية).. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه).. اللهم وحد القلوب .. وصف النيّات.. آمين.. بقى ان اضيف.. للامام الغزالي مقولة تقول: اذا لطف الله بعبد ادخله في تجربة يسيرة ليرعوي.. وقد آسيت بهذا القول ثلاثة تربطني بهم صلة قوية.. مروا بهذا اللطف .. ولو لا لطف الله بالدكتور وزير الزراعة المتعافي لكان ضمن من استشهد بطائرة الفاو إياها في ابريل المنصرم من عام 2102م، هذا .. ولكن الله سلم .. نسأله اللطف والهداية دوما .. والله من وراء القصد.