شدَّ ما اعجبني في خطاب د. محمد مرسي رئيس جمهورية مصر قبل يومين، تعهده لله وللامة المصرية بأن يستكمل استقلال القضاء.. صحيح الخطاب كان ضافيا ويحمل آمالاً عريضة للامة المصرية والعربية.. ولكنني توقفت في الفقرة اعلاه، لأنني اعرف جيدا ان استقلال القضاء يؤدي الى العدل، وينتشل الدولة من براثن الفساد الي مرافئ العدالة والنهضة الشاملة.. نعلم ان هناك كثيراً من القضاة في مصر في العهد السابق رفضوا المشاركة في الانتخابات المزورة، وذلك عندما عهدت اليهم الحكومة السابقة الاشراف على الانتخابات، فرفضوا ذلك لأنهم على علم بأن كل الانتخابات في مصر تزورها الحكومة لصالح مرشحيها، وان الاستفتاءات التي يستند اليها رئيس الجمهورية ليبقى في السلطة مزورة من اولها الى آخرها.. نعم رفض الشرفاء من القضاة لأنهم يعلمون ان واجبهم تحقيق نزاهة الانتخابات.. ورفضوا الدخول في هذه المسرحية عندما شعروا بأن رجال امن النظام السابق يمنعون الناخبين جميعاً ما عدا المؤيدين للحزب الحاكم!! ٭ وأي قاضٍ شريف سيرفض الدخول في مثل هذا الانحطاط، لأنك إن كنت قاضياً ذا اخلاق لا يمكن ان تكون مشاركا فيما يتولى الأمن ضرب الناس واعتقالهم في الخارج، بينما تجلس أنت في الداخل لتضفي بوجودك مظهراً شرعياً كاذباً على انتخابات تزوّر فيها إرادة الأمة.. ونتيجة لعدم استقلال القضاء في مصر في عهد مبارك نجد بعض القضاة اشتركوا في هذه الجريمة، وبهذا خانوا الامانة وخالفوا الضمير الانساني الحي، وحملوا نفوسهم ذنوباً عظيمة امام الله.. ومرروا التزوير واضفوا عليه شرعية كاذبة بدلاً من فضحه كما يقتضي شرف القاضي.. كل هذا جاء نتيجة لعدم استقلالية القضاء في مصر.. لذلك شدتني هذه الفقرة في خطاب د. مرسي.. لأنه في عهد النظام السابق كان القاضي في مصر غير مستقل عن الحكومة فهي تتدخل في شؤونه وتملك ثوابه وعقابه بل تدمر مستقبله ايضا اذا ارادت..!! فرواتب القضاة تصرف من وزارتي المالية والعدل التابعتين لرئيس الدولة الذي يسعده كثيراً ان يستأثر اتباعه في الحزب الوطني بكل المقاعد في مجلس الشعب، كما ان ادارة التفتيش القضائي، وهي الجهة المختصة بمحاسبة القضاة وعقاب المخطئين منهم، تابعة بالكامل لوزير العدل الذي يعينه رئيس الجمهورية ايضا بنفسه! اضف الى ذلك أن وزير العدل يستطيع ان يكافئ من يعجبه من القضاة بانتدابهم مستشارين في الوزارات المختلفة مقابل رواتب تبلغ اضعاف رواتبهم الاصلية. وهذا ما اخبرني به المثقفون المصريون وقادة الرأي في زيارتي لمصر بعد الثورة، وهذا ما جعلني اقول ان نظام مبارك جعل الاختيار صعباً امام القاضي المشرف على الانتخابات، فأمامه العدل والحق من ناحية ومن ناحية اخرى امامه سيف المعز وذهبه!! ٭ إن اكمال استقلالية القضاء في مصر كما تعهد الدكتور مرسي سينقلها نقلة كبيرة وسيحقق العدل، وذلك بعد انصاف القضاة، لأن القاضي انسان ورب اسرة ولديه التزامات ومطالب الاولاد تلح عليه، ويشكو مثلنا جمعياً من الغلاء وصعوبة المعيشة، ولذلك لا بد أن تساعده الحكومة ليتمسك بقوة بأداء واجبه، ولا بد أن تنصفه لينصف الآخرين. فإذا أرادت اية حكومة ان يتحقق العدل لا بد أن تعمل على استقلالية القضاء كما وعد الدكتور مرسي، وبغير ذلك يحضر القانون ويغيب العدل.. نعم الطريق الصحيح نحو تحقيق العدالة هو استقلال القضاء وانصاف القضاة لأنهم يمثلون القانون ويمثلون ارادة الامة في الحق والعدل والإنصاف.. فاستقلال القضاء يجعل القضاة يفكرون في معنى الشرف ومسؤوليتهم امام الله والوطن والشعب. ٭ ولن تتوفر ضمانات حقيقية لاستمرار اي قاضٍ في مهنته، الا اذا كان هناك استقلال كامل للقضاء عن وزارة العدل ورئيس الدولة وأجهزة الاحزاب الحاكمة.. ولتعلم كل الانظمة الحاكمة أنه لا قيمة ولا مصداقية للقضاء اذا لم يكن مستقلاً.. وهذا مطلب شرعي وقانوني وأخلاقي، بل هو الشرط المهني الأول لمهنة القاضي.. شكراً د. مرسي فقد وضعت أمتك على بداية الطريق الصحيح.