تركت الانتخابات اثرا واضحا في الشارع السوداني وبدأ يتهيأ لمرحلة ما بعد الانتخابات التي تمثل قضايا الوحدة والاستفتاء أبرز معالمها. وقد رسم كثير من السودانيين تصورات لما يمكن أن يحدث في غضون الشهور القادم. أحلام وتوقعات يمكن ان تتفق أو تختلف عن ما يذهب السياسيون في سيناريوهاتهم للمستقبل لكنها تظل بعضا مما تشكل في الشارع السوداني. سؤال طرحناه على بعض المواطنين، وكان حديثهم ما بين الامل والرجاء. وقد التقت (الصحافة) في شارع علي عبد اللطيف بالمواطن عبد العزيز محمد أحمد يعمل موظفاً الذي تحدث عن مرحلة الاستفتاء قائلاً: أنا أتوقع الوحدة لأن السودان بلد واحد لا يتجزأ ونحن سنعمل على دفع هذا الاتجاه، واعتقد انه يستحق ان يبقى السودانيون في الجنوب والشمال لتحقيق هذه الوحدة دون ضغوط أو مطالب فالوحدة سوف تصنع بلدا قويا ومتقدما. ويذهب جيمس دوت وهو من أبناء الولاياتالجنوبية في الاتجاه نفسه حيث قال: اعتقد ان مسألة الوحدة عملية ترتبط في الاساس برأي الشعب فهو الذي سيحدد هذا الاتجاه أو الاتجاه الآخر وأنا أقف مع الوحدة لأنها سوف تحقق التنمية لجنوب السودان. فهنالك مسائل مثل التعليم والصحة والاستقرار الأمني غير متوفرة في جنوب السودان وهنالك فارق كبير بينها وبين شمال السودان ولذلك فان عملية الوحدة سوف تحقق تلك الخدمات لجنوب السودان، والانفصال لن يحقق للجنوبيين والجنوب هذه التنمية، ويحتاج الى سنوات طويلة ليحقق هذه الخدمات والتطلعات التي يحتاجها الناس. وتحدثت شذى سعد الطالبة الجامعية التي التقيناها في المكان نفسه الذي كان فيه جيمس حيث قالت: إن جنوب السودان وشماله لا يمكن فصلهما فهما مرتبطان بشكل أزلي وبينهما مصالح مشتركة ولذلك لا يمكن فصلهما فالوحدة هي الخيار الافضل لأن الجنوب والشمال في كل الظروف يكملان بعضهما بعضا. وفي مكان آخر التقينا بالناشط في منظمات المجتمع المدني محمد يحيى الذي قال انه مع الوحدة الجاذبة في السودان بكل تنوعها الثقافي والاثني والعرقي وأنا لي أصدقاء من جنوب السودان وبحكم علاقتي بأوساط الشباب من أبناء جنوب السودان تبين لي انهم مع وحدة السودان ولكن بعض الساسة في الدول الخارجية وفي داخل السودان يسارعون إلى الحديث عن الانفصال، ولا أعتقد ان هذا الخيار له وجود كبير وسط الشباب من أبناء الجنوب، والانفصال مصدر خوف لدى الشماليين والجنوبيين لما يمكن أن يحدثه من تدهور لأوضاع الجنوب واعادته إلى الحرب الأهلية الداخلية. وقد طرحنا التساؤل ذاته على العم ود الريس وهو صاحب أحدى الكافتيريات بالخرطوم حيث قال إن جنوب السودان اقليم يمتلك الكثير من الموارد الطبيعية لكنه ظل يعتمد على الشمال بشكل كامل منذ الاستقلال وذلك لأن ظروف الجنوب لم تسمح بقيام الخدمات بشكل دائم بسبب الحروب المتكررة وقد ظل ذلك يمثل عدم توازن في التنمية بين أقاليم السودان والجنوب الآن لا يزال يحتاج إلى الكثير لبناء القاعدة الاساسية للخدمات والتنمية وحتى توفير الغذاء والذي كان أكثر من 72% منه يأتي من الشمال خلال المرحلة السابقة، واعتقد ان خيار الوحدة هو خيار منطقي، وان الانفصال لن يأتي إلا بدولة فقيرة وبها نزاعات حدودية مع كل دول الجوار التي ترتبط به، وأرى ان الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات يجب ان تحل جميع المشاكل القائمة منذ الاستقلال والاهتمام بالأرياف والمناطق الطرفية والبعيدة خصوصاً المدن والارياف في جنوب السودان ان ذلك سوف يصنع الوحدة ولكن ان تحركت الاحزاب والقوى السياسية في اتجاه مصالحها الضيقة فان الوحدة لن تتحقق. تحدث عصام الدين عيسى أحمد وهو وكيل احدى الادارات الاهلية (سلطان بيقو) فقد مضى يقول ان الجنوب جزء اصيل من السودان وانا مع الوحدة، والدعاوى السياسية كثيرة في دعم اتجاه الوحدة وهنالك ايضا دعاية للانفصال ولكن مصلحة السودان في اقامة الوحدة، ومن الخطر الذهاب وراء مطالب الانفصال خصوصا وسط الجنوبيين لضعف الممارسة السياسية وسط قطاعاته ولا اعتقد انه يمتلك التأهيل الكافي لقيام حكومة في الاقليمالجنوبي.. لاسباب كثيرة في مقدمتها المشاكل القبلية ومحاولة ترسيخ الانفصال لم تكن ناجحة والدليل على ذلك ان محاولة اعادة المواطنين الجنوبيين الى مناطقهم من خلال برنامج العودة الطوعية فشلت.. فقد عاد كل الذين ذهبوا الى مناطقهم لارتباطهم بالشمال والذين يدعون الى الانفصال في جنوب السودان هم من الذين هاجروا الى الخارج وهم صوتهم اعلى من البسطاء من ابناء الجنوب في الشمال والجنوب لأنهم اكثر تعلما وينادون بذلك الامر من دول ومجتمعات بعيدة ولكن الغالبية التي تريد الوحدة تعيش هنا في السودان.. ولكن الانتخابات الحالية جاءت بحل ديمقراطي واضح من خلال الاقبال ولذلك فان الواجب عليهم حماية مصالح البسطاء الذين يريدون الوحدة. كذلك كان الحال مع شيرين عثمان الطالبة الجامعية التي قالت: انا لا اتوقع ان يكون هنالك انفصال فالحكومة المنتخبة الآن عليها ان تجعل الوحدة اكثر جاذبية. والشماليون والجنوبيون يعلمون بأن الانفصال سوف يؤدي الى مشاكل. اما عالية عبد الرحمن فقد قالت: إن الانفصال امر لا يمكن ان اتوقعه والحديث الذي يتناوله الساسة او وسائل الاعلام عن امكانية حدوث انفصال لا يعدو ان يكون حديثا على مستوى مناضد الساسة. فالمجتمعات في الشمال والجنوب تعيش الآن في حالة سلام اجتماعي ولا يتوقع الناس ان ينهدم هذا السلام الاجتماعي او يتكسر ويدفع الى الانفصال، فاحتياجات الشعب السوداني في الشمال او الجنوب لا تتعدى مطالب توفير الغذاء والدواء ولا نحتاج الى اكثر من ذلك وليس من بينها مطالب الوحدة او الانفصال. الشاهد ان الشارع يبدو اكثر تفاؤلا من ان الوحدة امر واقع لا تخطئه العين لا يعتمد الا على ثقة الشعب في نفسه في الشمال والجنوب وان لم يتفق ذلك مع رؤى بعض القوى السياسية.