قد تكون العلاقة بين مصر والسودان مرتبطة الى الى الحد البعيد وتتجاوز عبارة اهل السياسة والاعلام في ان العلاقة ازلية وتاريخية وهنالك روابط ثقافية واجتماعية تربط البلدين ، ولكن الحراك اليومي في البلدين ومجريات الاحداث تؤكد تلك الروابط وان كانت هنالك شواهد تؤكد ذلك الارتباط السياسي والثقافي وغيره ، فان التنظيمات السياسية في السودان مثل الحزب الشيوعي السوداني وحركة الاخوان المسلمين في السودان والتي تغير اسمها في كل مرحلة سياسية من الاخوان الى جبهة الميثاق الى الجبهة الإسلامية القومية الى الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني هي في الاصل تنظيمات وافدة من شمال الوادي ، فالاثنان حكما السودان فالشيوعي جاء في ثياب مايو والاخوان حكموا عن طريق الانقاذ الوطني ، وبالتالي يكون التأثير المصري في حكم السودان بالحسابات المادية يساوي «16+23»=39 سنة 16 عاما لمايو وان كانت مايو قد تطورت وفي كل مرة تتخلى عن تنظيم وتلفظه وهي في مرحلة الصعود كما الصاروخ تماما ، و«23» عاما الاخري تمثل حكم الانقاذ الوطني الذي جاء بالاخوان المسلمين في سدة الحكم منذ العام 1989م وحتى الان ، فاذا اضفنا هذه السنوات الى السنوات التي كان فيها الحزب الاتحادي الديمقراطي حاكما كحزب اغلبية في سنوات الديمقراطية الثلاث فهي تحسب لصالح مصر باعتبار ان الحزب الاتحادي الديمقراطي يقوم على فكرة الاتحاد مع مصر ، فان جملة السنوات ذات التأثير السياسي المصري قد تصل الى اكثر من «45» عاما . من اصل«57» عاما من الاستقلال اما العلاقة الثقافية فهي اكثر عمقا حيث كان الجامع الازهر مكانا مطلوبا لتلقي الدراسة فيه من اهل السودان منذ زمن بعيد ولعل الرواق السناري الذي لازال اثره باقيا كان هو محور الاهتمام بالطلاب القادمين من السودان لتلقي العلم في الازهر، والمعلومة التي لا يعرفها البعض ان الفنان المشهور سيد خليفة كان مبعوثا للدراسة في الازهر الشريف ، حيث ظهرت موهبته هناك وكان زميله في الدراسة من مصر هو الممثل المصري المعروف ابراهيم سعفان ، فذهب الاول الى الغناء وذهب الثاني الى التمثيل ، ومن المعلومات التي لايعرفها الكثير من الناس هي ان اول «شقة » اشترتها الممثلة المصرية امينة رزق كان سببها الاديب السوداني العالمي الطيب صالح وذلك عندما كانت في زيارة الى لندن وكان وقتها الطيب صالح يعمل في هيئة الاذاعة البريطانية وطلب الطيب من امينة رزق ان تسجل بعض الاشعار بصوتها لصالح البي بي سي وكان عائد تسجيل تلك الاشعار هو السبب الرئيسي ان تمتلك امينة رزق اول شقة في حياتها وقد روت تلك الواقعة في احد لقاءاتها الاعلامية . اما اجمل تتويج لهذه العلاقة الثقافية هو اللقاء الذي جمع بين الشاعر السوداني الهادي آدم وسيدة الغناء العربي السيدة ام كلثوم في تلك الاغنية الرائعة التي تحمل اسم «اغدا القاك ». اما المجلات والصحف المصرية فقد كانت محل اهتمام كثير من اهل السودان ولازال البعض يطلع عليها رغم ارتفاع اسعارها وعدم انتظام وصولها بالشكل القديم ، ووجدت المجلات الخاصة بالاطفال التي تأتي من مصر اهتماما كبيرا، ووجدت اصدارات دار الهلال تقديرا كبيرا من الشباب في السودان وقد يعزو الكثيرون ثقافة اهل السودان لذلك المد الثقافي القادم من شمال الوادي ولازال البعض يذكر ان الاستاذ الراحل محمد طه محمد أحمد صاحب الوفاق كانت تتضمن مقالاته السياسية كثيرا من المقتبسات والشخوص من روايات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم من الرموز المصرية في الادب و الثقافة امثال عباس محمود العقاد وطه حسين وقاسم امين وحتى نوال السعداوي . اما في الجانب الاجتماعي فكثير من الاسر لها اصول هنا واصول هناك ولازالت السفارة المصرية تصدر بعض التوضيحات و الاعلانات من حين الى اخر بشأن استحقاقات معاشية لسودانيين عملوا في القوات المصرية في وقت مبكر من القرن الماضي ، وقد تجد كثيرا من العادات المشتركة بين سكان جنوب وشمال الوادي خاصة في المناطق الحدودية فيما يعرف بالامتداد النوبي بين حلفا واسوان ، التقاليد المشتركة بين الكنوز في مصر والسودان وتجد الكثير من الكلمات ذات المعاني والدلالات المشتركة بين البلدين . وفي المجال الرياضي هنالك لاعبون التحقوا باندية مصرية مثل اللاعب عبد العظيم قلة وسمير دهب وانس النور وريتشارد جاستن ومن اللاعبين المصريين الذين التحقوا بالدوري السوداني كان ابرزهم عصام الحضري في نادي المريخ كما سجل الاهلي مدني لاعبا مصريا في التسجيلات الشتوية الاخيرة كما يوجد عدد من المدربين المصريين الذين عملوا في الدوري السوداني مثل المدرب مصطفى يونس في الهلال وحسام البدري في المريخ ومحمود عز الدين في الامل والرابطة كوستي . والعلاقة بين السودان ومصر كانت تتحكم فيها الانظمة السياسية وتتأثر بها ايجابا وسلبا ولم نجد جهة واحدة من البلدين حاولت ان تضع اطارا يحمي تلك العلاقة من التقلبات السياسية ،وان تكون مصلحة الشعبين فوق كل تلك الحسابات السياسية ، رغم كثرة مراكز الدراسات هنا وهناك ، ولعل المحاولة التي قام بها صالون سيد أحمد خليفة وهو ينتقل من الخرطوم الى القاهرة لمناقشة امر هذه العلاقة بعد ثورة 25 يناير التي اطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك والذي كانت اخر زيارة له للسودان بصحبة عقيد ليبيا القذافي لينصحا الرئيس البشير بالتنحي ، ولكن كانت ارادة الله هي الغالبة فقد ذهب مبارك والقذافي ولازال البشير يؤدي رسالته ، واعتقد ان الاخ عادل سيد أحمد قد تفوق على كثير من المؤسسات المعنية بالعلاقات السودانية المصرية وهو ينقل هذا الصالون الى هناك بصحبة عدد من الصحافيين ، وناقش الصالون العلاقة وما يحيط بها من قيود تعوق انطلاقتها خاصة ما اشار اليه رئيس تحرير صحيفة الصحافة الاخ النور أحمد النور في ان العلاقة من جهة مصر لم تتعد الملف الامني او شخصية « البواب » في الدراما المصرية ، وما اشرنا اليه من علاقة في المجالات المختلفة يعبر بها الى اعلى ما اشار اليه الاخ النورأحمد النور من محدودية تلك النظرة . واليوم تتشابه الظروف في بعض مساراتها بين السودان ومصر ، ففي الوقت الذي ينظر السودان لمعركة منتظرة بين الصوفية وانصار السنة مع اقتراب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وماحدث بينهما الان من مشاحنات واحاديث تؤكد ان كل طرف يتخندق في مواقفه المناهضة للآخر وتتأهب السلطات لمنع اي احتكاك بين الطرفين قد يؤدي الى مشاكل يمكن ان تتطور الى ابعد من ذلك ، وغير بعيد من تلك الاجواء كانت السلطات قد القت القبض على مجموعة في الدندر تحمل افكارا قد تكلف السلطات المزيد من الوقت والجهد الى ان تصل الى اقناع هؤلاء الفتية بان هذا الطريق ربما يكلف الكثير على حساب الوطن والمواطن ، والحكومة والسلطات بمختلف اشكالها تبذل الكثير من الوقت في ان تجمع تلك الجماعات بما يعزز التعاون بينها وكونت الكثير من المؤسسات مثل المجلس الاعلى للدعوة والذكر والذاكرين واهل القبلة وغيرها من الاسماء ، حتى تكون تلك الجماعات في حالة تقارب وتجانس ولكن الذي يحدث الان مع اقتراب موعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ان حالة التنافر لازالت قائمة بين تلك الجماعات والتي هي في الاصل منطلقة من توجهات إسلامية .والسودان محتاج اكثر من اي وقت مضى ان تتقارب هذه الجماعات من ان تتنافر . وفي مصر نجد ان التيارات الإسلامية توحدت من اجل هدف واحد جمعها في معركتها السياسية فنجد اذرعها السياسية مثل الحرية والعدالة والتنمية والبناء وحزب النور تكاتفت في معركة الانتخابات الرئاسية الى ان فاز محمد مرسي وفي معركة الدستور توحدت الى ان بلغ الدستور محطته الاخيرة باجازته بنسبة اكثر من «60%» ، فالسودان محتاج لمثل هذا الاتفاق خاصة انه لاتوجد في السودان خصومة سياسية عالية ولا صارخة . والسودان ايضا تنتظره مسألة الدستور القادم والذي يكون بديلا لدستور 2005م الذي تمت اجازته عقب اتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية وانتهى اجله بالاستفتاء وانفصال الجنوب في العام 2011م، وقد دعا النائب الاول ومن قبله السيد رئيس الجمهورية القوى السياسية للمشاركة في اعداد الدستور القادم ، ويبدو ان هنالك وجهات نظر مختلفة خاصة ما بدر من د. نافع عليى نافع القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وما بدر من السيد فاروق ابوعيسى القيادي بالتجمع المعارض حول كيفية المشاركة والمساهمة في اعداد دستور مقبول من الاطراف . هل نحن بالفعل محتاجون لنقل التجربة المصرية في الدستور بتكوين جمعية تأسيسية منتخبة او جامعة لكل القوى السياسية تناقش المواد الدستورية مادة مادة عبر جلسات منقولة في الفضائيات السودانية وطرح كل تلك المواد المتفق عليها على الشعب السوداني ثم الاستفتاء عليه من قبل الشعب او نواب الشعب . ان الشعب المصري من خلال الوفاء بتلك الاستحقاقات الديمقراطية قدم تجربة لكل شعوب المنطقة التي غشاها الربيع العربي مثل ليبيا وتونس واليمن ومثل التي تنتظر مثل سوريا والعراق ، فالحضارة التي انطلق منها الشعب المصري والتي تمتد الى عمق التاريخ سبعة آلاف سنة او يزيد هو ذات العمق التاريخي الذي ينطلق منه الشعب السوداني وكما قال احد اهل الاختصاص من اهل النوبة في مصر ان الشعب النوبي هو أول شعب في العالم فان هذه المعلومة ان صحت فانها تعني اهل السودان او قل جنوبالوادي وليس في الامر عجب .