الحكومة الإيرانية تؤكد أن وفاة رئيسي لن تسبب أي خلل في عملها    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    خامنئي يعزي بوفاة رئيسي ويعلن الحداد 5 أيام    ما الذي ينص عليه الدستور الإيراني في حال شغور منصب الرئاسة؟    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    الجنرال في ورطة    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعديل الدستور
نشر في الصحافة يوم 16 - 01 - 2013

الدعوة التي وجهها السيد رئيس الجمهورية للقوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بالمشاركة في تعديل الدستور والتي اكد عليها النائب الاول الذي ذهب لاكثر من ذلك عند اشارته لقبول مبدأ التحاور واستيعاب كل الاطروحات حتى تلك التي تنادي بدستور علماني هذه الدعوة تأتي وبلادنا تواجه مرحلة مهمة في تاريخها الحديث والمتمثلة في انفصال الجنوب هذا الحدث المفصلي الذي رمى بظلاله الكثيفة على مجمل الاوضاع الحياتية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الامر الذي يستدعي تعديل دستور جمهورية السودان الانتقالي 5002م باعتباره الدستور الذي نظم الدولة السودانية قبل الانفصال وقد كان هذا الدستور نتاجاً لاتفاق حزبين هما المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان وبذهاب الجنوب فان كل المواد التي تشير لجنوب السودان يجب حذفها من صلب الدستور، وباحصائية بسيطة يتأكد ان هذه المواد تمثل 54% من الدستور، ولانعدام القاعدة التي تنطلق منها هذه المواد يكون الدستور كما الاعرج الذي يعتمد على رجل واحدة، ما يعني حتمية تعديل هذا الدستور، وهذا التعديل سينعكس على السلطات الثلاث للدولة وعلى وجه اخص السلطة القضائية التي نعتها تقارير الامم المتحدة والمنظمات الدولية بالعجز وعدم الرغبة في التصدي للانتهاكات الجسيمة التي حدثت في اقليم دارفور، وهي تعاني من التسييس بعد ان عبثت بها ايادي المؤتمر الوطني التي اقعدتها عن لعب دورها المناط بها، فقد تعرضت السلطة القضائية في ظل نظام الانقاذ الذي اناخ بكلكه عليها في ظل هجمة شرسة فلم تؤد دورها في محاكمة مرتكبي جرائم دارفور، وهذا ما ينسحب على وزارة العدل التي ظلت تستبدل مدعي بمدعي آخر لجرائم دارفور، هؤلاء المدعين الذين فشلوا في تقديم قضايا حقيقية لتلك الفترة التي شهدت ابشع الجرائم والانتهاكات وانما اقتصر دورهم على تقديم جرائم القتل العادية والجرائم المتعلقة بالاموال والجرائم المألوفة وكانت الفرصة متاحة أمامهم بالاستناد لتقرير مولانا دفع الله الحاج يوسف الا هذا التقرير المحايد والعادل الذي اوضح وبجلاء لا لبس فيه هذه الانتهاكات وزمانها ومكانها، واشار لمرتكبيها هذا التقرير لم يجد حظه من التطبيق ولم يعط ما يستحق من وزن وتقييم وان فعل النظام ذلك لغناه عن اوامر القبض التي صدرت لبعض اركانه ولكفته الاتهامات التي تكال له بانتهاكه لحقوق الانسان، داخلياً فان محاكمة منتهكي حقوق الانسان تؤدي لتحقيق العدالة الانتقالية وفقاً لشروطها ومطلوباتها الامر الذي ينعكس على النسيج الاجتماعي الذي تأذى من هذه الجرائم الجسيمة.
انطلاقا من ذلك فان اول وأهم ما يجب التأكيد عليه هو استقلال القضاء وسيادة حكم القانون Rule of law بالنظر لتأكيد كل الدساتير المتعاقبة على استقلال القضاء بدءاً بدستور 3791م والدستور الانتقالي لسنة 5891م ودستور 5002 موضوع التعديل فقد نص هذا الاخير صراحة في المادة «321/2» على استقلال القضاء بما يمثله من تطور تشريعي مهم وما اشتملت عليه وثيقة الحقوق bill of rights المواد 72 -84 من الدستور للمحافظة على حقوق الانسان وترقيتها وتطويرها الا ان الواقع يصطدم بهذه النصوص المنضبطة، ويصطدم بدعوة رئيس الجمهورية للقوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في تعديل الدستور حيث ان هذه الدعوة تأتي متسقة مع الهجمة العنيفة التي تعرضت لها منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الانسان فقد تم اغلاق مركز الخاتم عدلان وبيت الفنون وثلة من المراكز المهتمة بحقوق الانسان بالتزامن مع هذه الدعوة واحتفالات العالم المتمدين بالاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة للامم المتحدة في العاشر من ديسمبر 8491م. هذا الاعلان الذي يمثل نقلة نوعية في مسار حقوق الانسان ومنعطفاً تاريخياً في كيفية التعاطي معها، وبالرغم من صدوره في شكل اعلان يحث الدول الاعضاء على المحافظة على حقوق الانسان وترقيتها وليس في شكل اتفاقية ملزمة الا انه فتح الطريق على مصراعيه لاهم اتفاقيتين في مجال حقوق الانسان اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية 6691 واتفاقية الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية 6691 وقد صادق السودان على هاتين الاتفاقيتين في 6891م وبمصادقة السودان على هاتين الاتفاقيتين عليه الالتزام بكل ما اشتملتا عليه من بنود وفقاً لاتفاقية فينا 1691م المتعلقة بقانون المعاهدات law of treatise الا ان الواقع الحالي مختلف تماماً، فالدستور الحالي وكما اشرنا نص على وثيقة الحقوق في المواد 72 --84 وهذا الدستور يعتبر دستورا طموحاً فيما يتعلق بحقوق الانسان على خلفية ظروف وملابسات صدوره بعد توقيع اتفاقية السلام بين جمهورية السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان فقد ظلت هذه المبادئ السامية والنصوص الرائعة حبيسة دفتي كتابها والاطرف من ذلك فقد تم اعتقال باقان أموم وياسر عرمان ومريم الصادق وبعد سريان الدستور خلال فترة حكم الشريكين، فحق التظاهر وحق الاعتصام وحرية التعبير ظلت حلم بعيد المنال فلا يمكن للمعارضة ولا للمواطن العادي تسيير المظاهرات السلمية وتدبير الاعتصامات المطلبية. فقد حاولت قوى المعارضة ممارسة هذه الحقوق مراراً وتكراراً فتصدت لها قوات الشرطة بالهراوات والعصي الغليظة وكسرت ايادي المعارضين «مريم الصادق نموذجاً» فقد ظلت هذه المواد حبراً على ورق ولم تجد حظها من التطبيق كأنما تسعى لحوار جاد لمناقشة ازمة الحكم والافرازات السلبية القاتلة خاصة في مجال الاقتصاد والمعاناة الهائلة التي يعاني منها المواطن وعجزه عن تلبية حاجاته الاساسية في ظل فشل سياسة القبضة الحديدية التي اتبعها النظام وما ترتب عليها من خطأ قاتل تمثل في انفصال الجنوب وما ترتب عليه من واقع كئيب، ولم يقف الامر عند هذا الحد فاصبحت البلد تشتعل من اطرافها وتم استبدال الجنوب القديم بجنوب جديد وعلى جبهة واسعة تمتد من دارفور وحتى النيل الازرق في عمق السودان القديم قبل الانفصال.
فمحاولة حشد قوى المعارضة للمشاركة في تعديل الدستور لا معنى لها في ظل حكومة الحزب الواحد القابضة فيجب ان يكون الدستور انعكاسا طبيعياً لواقع الحكم، فالانفراد بالسلطة ومحاولة اضعاف المعارضة والاستهانة بها والسخرية منها لا يلد الا دستورا مشوهاً بعيدا عن وجهة نظر آحادية.
لقد انفرد المؤتمر الوطني بالسلطة لمدة اربعة وعشرين عاما مطبقا كل النظريات والشعارات التي نادى بها وفقا لبرنامج الجبهة القومية الاسلامية دون عائق يحول بينه وتطبيق هذه الاهداف وكان من المأمول ان يرتقي بالبلد لمصاف الدول التي نهضت عندما توفرت لها هذه الظروف، وقد ارتبط هذا النظام بالتجربة الماليزية وجدانيا واصبحت وعاءً للحسابات الدولارية، وقد اتيحت له الفرصة بان يحذو حذوها ويكون في مصافها بالنظر للامكانيات والموارد الهائلة التي تمتلكها والتي لم تتح لماليزيا، الا ان النتيجة كانت خرابا وانهيارا في مختلف المرافق، اربعة وعشرون عاما والبلاد تعاني التشرذم وتتزايد البؤر الملتهبة، وخزينة خاوية ودولة على وشك الافلاس، فالنظام لم يكد يتمتع بنشوة الخروج من دوامة الربيع العربي حتى عاجلته الازمة الاقتصادية ودكت اركانه وجعلت امر وجوده في مهب الريح!
وتوسعت دائرة المعارضة حتى من داخله وقد هب بنوه واخلص خلصائه للانقضاض عليه بما عرف بالمحاولة التخريبية التي تم تعديل وصفها لانقلاب كامل الاركان بعد ان تكشفت الحقائق واتضحت معالم التدبير والترتيب.
تعديل الدستور ينبغي ان يكون مناسبة لان يراجع النظام حساباته ويقيِّم الوضع الصعب الذي يعانيه بتفعيل ارادة حقيقية ورغبة صادقة في الاصلاح ومعالجة الاخطاء وحسم الفساد الذي اصبح ينخر في جسد النظام، والتنادي لكلمة سواء بعد ان اثبتت التجربة استحالة حكم السودان بالاقصاء والانفراد بالسلطة والفرصة سانحة لتشكيل حكومة انتقالية تضم جميع ألوان الطيف السياسي يعهد اليها بتشكيل جمعية تأسيسية تأتي بدستور يتراضى عليه الناس ويسهم في إخراج البلد من هذه الأزمة التي تعصف به.
* المحامي والكاتب الصحفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.