حذر منتجون ومصدرون واقتصاديون من الزيادة الكبيرة التي طرأت على رسوم المحاصيل بولاية شمال كردفان، معتبرين ان ذلك من شأنه التأثير سلباً على المزارعين وصادر البلاد من الصمغ العربي والكركدي وغيرهما من محصولات نقدية، مشيرين الى ان حكومة الولاية تبحث عن زيادة مورادها وتغض الطرف عن مصلحة المنتجين وقطاع التجار، وكان مجلس تشريعي الولاية قد اجاز زيادات وصفت بالعالية على الرسوم المتحصلة في اسواق المحاصيل، حيث ارتفعت رسوم الخدمات الى ثمانية جنيهات على القنطار، وارتفعت الزكاة من 15 جنيهاً الى 30 جنيها علي القنطار، وارتفعت كذلك الدمغة الولائية والقيمة المضافة ورسوم ادارة الغابات، وكان التجار قد دخلوا في اضراب عن التعامل في بورصات المحاصيل احتجاجاً على الزيادات، ورغم استئناف حركتي البيع والشراء الا ان مصدراً اكد ل «الصحافة» اتجاه المنتجين والتجار الى مدينة ام درمان لتسويق منتجاتهم، وذلك تحاشياً للرسوم الكثيرة التي فرضتها حكومة شمال كردفان. عائق أمام المنتج: ويشير رئيس اتحاد مزارعي محلية النهود وهي من كبريات مناطق الانتاج بغرب السودان حبيب الهادي احمد، الى انه ورغم نجاح الموسم الزراعي، الا ان هناك الكثير من العقبات التي اعترت طريقه، منها ظهور الآفات وقلة الايدي العاملة. ويلفت في حديثه ل «الصحافة» الى ان الانتاج كان من المفترض ان يكون اكبر من الذي تحقق، وايضاً من المشكلات التي واجهت الموسم الزراعي الماضي قضية التمويل المصرفي الذي يأتي ضعيفاً وبنظام السلم ولفترة عام واحد فقط، اما في ما يتعلق بالرسوم التي تم فرضها على المحاصيل الزراعية، فقد اشار رئيس اتحاد مزارعي النهود الى انها تمثل عائقاً كبيراً امام تطور الزراعة مستقبلاً، مبدياً تعجبه من فرض 35 جنيهاً عبارة عن زكاة على قنطار الصمغ الواحد، معتبراً أن هذا مخالفاً للشرع، وقال انهم يدفعون الكثير من الرسوم وزاد قائلاً: «الرسوم التي فرضتها حكومة الولاية تتنافى مع شعارات الدولة الرامية لجعل الزراعة مورداً للنقد الاجنبي، وذلك لأنها تتسبب في انهيار اهم ركن وهو المزارع الذي يبيع محصوله بابخس الاثمان، ورغم ذلك تفرض عليه رسوم باهظة من قبل الحكومة. رسوم باهظة: ويقول رئيس شعبة تجار المحاصيل بالنهود تاج السر الرشاد، إن حكومة الولاية فرضت رسوماً باهظة على المحاصيل، ويقول في حديثه ل «الصحافة»: «ندفع رسوم الخدمات التي تضاعفت 50%، والدمغة الولائية والزكاة التي ارتفعت الى 35 جنيهاً على قنطار الصمغ بعد ان كانت 15 جنيهاً، وهي تؤخذ يومياً من التاجر وليس المزارع، وارتفاع الضرائب والرسوم والزكاة المفروضة على محصول الصمغ تحديداً يؤثر على صادارت البلاد، وذلك لأن الارباح التي يجنيها المصدر باتت بعد الرسوم متواضعة، وهو الأمر الذي يجعله يعزف عن شراء السلعة وتسويقها، وهذا ينعكس سلباً علي المنتج، كما انه لا يعقل أن تؤخذ الدمغة الولائية بواقع جنيهين و500 قرش على كل قنطار صمغ، وتفرض ادارة الغابات سبعة جنيهات ايضا على القنطار، وبصفة عامة هذه الرسوم والزكاة تحتاج لاعادة نظر، وذلك لانها لا تصب في مصلحة الوطن والمواطن». تهريب: ومن ناحيته قلل مدير اسواق المحاصيل بمحلية ام روابة ابراهيم هدي من الزيادة التي طرأت على المحاصيل التي جاءت بواقع ثمانية جنيهات على القنطار، وكشف ل «الصحافة» عن حجم صادر المحلية من محصول السمسم في العام الماضي الذي بلغ 4.828.160 قنطاراً من جملة الوارد البالغ 14.027.118 قنطاراً، فيما بلغ صادر الكركدي 1.490.307 قناطير، واعتبر اتجاه المنتجين لتسويق محاصيلهم في ام درمان طبيعياً في ظل سياسة السوق الحر، مؤكداً تصدي سلطات المحلية للذين يهربون المحاصيل خارج الولاية لتسويقها دون تكملة الاجراءات. ويشير مدير أسواق المحاصيل بمحلية النهود هشام امبدة، الى ان الرسوم طالت كل المحاصيل الزراعية، معتبراً ان الزيادة التي طرأت طفيفة، الا انه يعتبر ان الزيادة على الصمغ العربي ارتفعت من من تسعة قروش للطن الى جنيهين و900 قرش، ويقول انه على إثر ذلك توقفت البورصة لمدة ثلاثة ايام بداعي احتجاج التجار، إلا أن حركة البيع والشراء استؤنفت بعد ذلك. زيادة طبيعية: ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية بتشريعي شمال كردفان الفاتح جرور، أن الرسوم التي تضعها حكومة الولاية هي الاقل بين الولايات المجاورة، مشيراً في حديثه ل «الصحافة» إلى اشراكهم اتحاد اصحاب العمل في الميزانية الجديدة، لافتاً الى ان حكومة الولاية والمجلس التشريعي تحاشيا عدم اضافة رسوم على السلع الاساسية ووسائل النقل، وقال إن ميزانية الولاية ارتفعت من 575 مليون جنيه الى 919 مليون جنيه، وانهم قد قاموا بادخال منحة الرئيس بالاضافة الى الدعم الشعبي وذلك المقدم من المنظمات، وقال ان هذه الموارد لم تكن مدرجة ضمن الموازنة، معترفاً بعدم امتلاك الولاية موارد بخلاف المحصاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، ورأى أنه من الطبيعي أن تستفيد منها الولاية، وقال ان الرسوم الجديدة وبعد ان اجازها المجلس التشريعي باتت قانوناً، وأكد عدم وجود اتجاه لفرض رسوم جديدة لم تضمن في الموازنة، وقال إن فرض رسوم تبلغ 8% على المحاصيل ليس مبلغاً كبيراً، نافياً أن تتعارض هذه الزيادة مع قرار رئيس الجمهورية القاضي بعدم فرض رسوم على الزراعة، وقال إن الولاية تتعرض لظلم واضح في التعويض الزراعي الذي يقدمه المركز وزاد قائلاً: «شمال كردفان رغم انتاجها الكبير والغزير من المحصولات الا ان نصيبها من الفاقد الزراعي اقل من لايات لا تنتج مثلها ابرزها نهر النيل والشمالية، لذلك رأينا أن نعوض الفاقد الزراعي بهذه الرسوم، وهي حق طبيعي للولاية، وهدفنا الاساس تحريك جمود اقتصاد الولاية ودفع عجلة التنمية». تراجع الصادر: وكشف مدير فرع شركة أفريكوب العالمية بكردفان إسماعيل كربشين، عن تراجع صادر الولاية من محصول الكركدي، مبيناً اتجاه الشركات الاوربية الى الاستيراد من غرب افريقيا، مرجعاً عزوف الشركات العالمية عن شراء محصول الكركدي السوداني رغم جودته إلى ارتفاع اسعاره مقارنة مع أسعار دول غرب القارة مثل نيجيريا، وقال في حديثه ل «الصحافة» إن الرسوم الكثيرة التي تفرضها الدولة وحكومة شمال كردفان أسهمت في اضعاف حظوظ المحصول السوداني في المنافسة عالمياً، لافتاً الى أن القوة الشرائية للشركات العاملة في مجال تصدير المحاصيل الزراعية ومنها الكركدي انخفضت الى نسبة 20% عما كانت عليه في المواسم الماضية، وذلك بسبب الرسوم التي تفرضها ولاية شمال كردفان، علاوة على ارتفاع تكلفة الترحيل، موضحاً أن شركة أفريكوب اشترت في العام الماضي خمسين ألف قنطار من الكركدي وقامت بتصديرها، وفي هذا العام لم تشتر سوى خمس آلاف قنطار، مؤكداً ان عزوف الشركات العالمية عن شراء محصول الكركدي كان سبباً في انخفاض مشترواتهم. ومن جانبه يشير الخبير الاقتصادي والاستاذ بجامعة كردفان الدكتور طارق الشيخ، الى انه عند دراسة أسواق المنتجات الزراعية في الولاية أظهرت الدراسة أن العديد من المحاصيل تتمتع بميزات نسبية وتنافسية عالمية عالية، وانه بالرغم من ذلك فإن هذه المحاصيل لا ترد بصورة كاملة إلى الاسواق المركزية، حيث وضح مثلاً أن الكميات التى وردت من الصمغ العربى إلى سوق الأبيض في الفترة من 1960 1970م، أكثر من الكميات التى وردت للسوق في الأربعين سنة التى تلت ذلك حتى عام 2010م، مما يدل على أن هذه الاسواق المركزية في الابيض والنهود غير جاذبة ومثقلة بالرسوم وتنعدم فيها بعض الخدمات التسويقية المهمة مثل التخزين، فلا يعقل أن يكون أكبر سوق للصمغ العربى في العالم يخزن السلع لفترة لا تتجاوز «48» ساعة، كذلك ظلت وحدات ضبط الجودة بالأسواق غير فاعلة بالصورة الكامة في هذه الأسواق المهمة، ويرى أن الرسوم الباهظة المفروضة على المحاصيل بالولاية ستؤثر سلباً على المنتجين في المقام الاول، وبالتالي تراجع الرقعة الزراعية.