تزايد الاهتمام أخيرا، بشأن مدى تأثر حصص كل دولة من دول حوض النيل من المياه في حال انفصال الجنوب وفي ضوء واقع جديد، بعد أن أشارت معظم الدلائل إلى أن أهل الجنوب عندما يحين موعد الاستفتاء على تقرير المصير سيصوتون بأغلبية كبيرة لمصلحة الانفصال، وبدأت تحركات لعدد من دول الحوض باتجاه مراجعة كافة الاتفاقيات السابقة، ومن أجل تقرير مصير مشروعات النهر الذي يقع حوالى 45% من حوضه في جنوب البلاد، في حين أن 90% من مساحة الجنوب داخل حوض النيل. في هذا الخصوص، نظم مركز طيبة برس للصحافة بقاعة الشارقة في الخرطوم، محاضرة مهمة أمس حول اتفاقية مياه النيل وتداعيات استفتاء جنوب السودان قدمها الدكتور سلمان محمد احمد سلمان خبير قوانين وسياسات المياه. وقال الخبير الدولي إن من ابرز تداعيات انفصال الجنوب ستشمل ميلاد الدولة الحادية عشرة لدول حوض النيل وتضم معظم روافد النهر، ولديها مشاريع زيادة مياه النيل، وتجاور 5 دول نيلية، وحدود مائية مع شمال السودان الذي تواجهه العديد من التحديات في مقدمتها الحقوق الرعوية وانضمام جنوب البلاد الى تكتل دول المنبع، ومدى التزام الدولة الجديدة بالاتفاقيات الموقعة خصوصا اتفاقية مياه النيل لعام 1959م، وماهية السبل والعوامل التي يجرى على اساسها توزيع حصص واستعمال المياه والجدول الزمني لذلك. ورأى أن جنوب السودان رغم أن اتفاقية السلام الشامل جعلت قضية المياه شأنا مركزيا، لكنه يحتاج الى المياه بشكل كبير على صعيد تأهيل المشاريع الزراعية والرعي والزراعة، فضلا عن أن اهم مشروع لزيادة حجم المياه يقع في الجنوب وهو مشروع «قناة جونقلي»، وأوضح ان كمية المياه التي يمكن استخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها لنهر النيل قد تصل الى حوالى 20 مليار متر مكعب وفي تقديرات اخرى قد تصل الى 28 مليار متر، إذ أن كمية التبخر والتسرب للنيل معظمها في جنوب البلاد. وأعرب عن خشيته من اشتعال صراع حول المياه بين القبائل الرعوية في الجنوب والشمال، خصوصا مع الاحتياجات المائية المتوقعة لجنوب السودان، ومع الصعوبات الكبيرة التي تواجه ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، معتبرا أن النزاع حول منطقة ابيي هو «صراع حول المياه» وليس بسبب النفط كما يقال، وأضاف إن بحر العرب سيظل الحد الفاصل بين دارفور والجنوب وبين الجنوب وكردفان، إذ أن المنطقة التي ستتبع للجنوب بعد الاستفتاء أو المشورة الشعبية بها رافدان اساسيان لبحر العرب هما «الرقبة الزرقاء» و»رقبة الشيل»، وقال إن كردفان سينتهي دورها كمجاور لنهر النيل ولن يتبقى من أجزاءها غير 22 كيلو مترا فقط جوار النيل. ومن تأثيرات انفصال الجنوب، قال الخبير الدولي سلمان إن الوضع الجديد سيخلق اشكاليات لشمال السودان وكذلك لدول حوض النيل، خصوصا في ظل التبعات المائية المتوقعة للنزاعات الحدودية بين السودان مع بعض دول الحوض (إثيوبيا، كينيا، اوغندا)، لكنه قال إن كل ذلك يعتمد على الاستقرار السياسي والامني في الجنوب، كما عبر عن دهشته لتعمد الحركة الشعبية لتحرير السودان اغفال قضية المياه في محادثات السلام بنيفاشا عام 2005م، ورأى أن الحركة فضلت التوقف عن التدخل في قضية المياه لانها لا ترغب في إثارة مشكلات مع دول الحوض، أي ان اسبابا سياسية دفعت الحركة الى التعمد في جعل قضية المياه في بروتوكول تقاسم السلطة وليس بروتوكول تقاسم الثروة، حيث اعطى البروتوكول كافة الصلاحيات حول مياه النيل الى الحكومة المركزية ولم يتضمن البروتوكول اي اشارة الى مشاريع زيادة مياه النيل من مستنقعات الجنوب أو الى قناة جونقلي التي كانت الحركة الشعبية قد اوقفت العمل فيها عام 1984م، وابرز الخبير الدولي وثيقة من رسالة الدكتوراة لزعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق يؤكد فيها أن الحركة لا ترفض اقامة المشروع لتنمية الجنوب، ولكنها ضد استغلال قناة جونقلي لنقل المياه الى شمال البلاد أو الى مصر. وقال إن التحدي الحقيقي يتمثل في الموازنة بين الاستعمالات المائية القائمة لدولتي الاحتباس السفلي (السودان ومصر)، بالاحتياجات المتنامية لدول الاحتباس الاعلى (دول منبع النيل)، في وقت يعتبر فيه السودان ومصر المستعملين الاساسيين لمياه النهر، مع رفض الاعتراف من الدول السبع لاتفاقية 1929م، وأضاف ان الانفصال سيخلق مشكلة مائية خاصة للشمال، في ظل فشل السودان في استعمال حوالي 18.5 مليار من المياه في ظل اتفاقية 1959م. ولمواجهة هذه التحديات، اقترح الخبير القانوني أن تضمن قضية المياه في قانون الاستفتاء، مثل قضايا «الجنسية، والحدود، والديون الخارجية، والاصول»، لكنه قال إن القانون لن يحل تداعيات الانفصال بشأن قضية المياه، وقال إن التحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ومناخية وبيئية يواجهها نهر النيل ودول الحوض، داعيا الى ضرورة التعاون الكامل بين دول الحوض والتركيز على تقاسم المنافع بدلا عن المياه، معتبرا أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستفادة القصوى من نهر النيل وزيادة وحماية موارده، ونادى بإشراك المواطنين في كل ما يتعلق بقضية المياه، وان يلعب السودان دور الوسيط في معادلة تقاسم المياه بين دول حوض النيل على أساس توضيح المنافع المشتركة وليس على أساس «المحاصصة». ملاحظات على اتفاقيات مياه النيل { بدأ الري في شمال السودان في بداية الحكم الثنائي، وحصل رد فعل مصري مما أدى الى تكوين اول لجنة لمياه النيل عام 1912م، ثم كونت لجنة أخرى عام 1920 قامت بتوزيع المياه بتحديد الأراضي المروية للبلدين، والأمر الذي أثار استغراب الخبير الدولي في قوانين وسياسات المياه سلمان أحمد سلمان أن توزيع المياه تم بناء على الأرض وليس حجم المياه، وأيضا منع السودان من التوسع في الأراضي المروية، إذ أن الخلاف كان بسبب التوسع في مشروع الجزيرة، ولكن حصل تأييد لفكرة انشاء خزان سنار وخزان جبل اولياء. { كونت لجنة لمياه النيل عام 1925 وتوصلت الى تحديد وقت لاستعمال المياه لكل بلد، وضمن تقرير اللجنة في اتفاقية مياه النيل لعام 1929م، ويمنح التقرير مصر حق النقض في قيام أي مشاريع على النيل. { دفع التوسع في مشروع الجزيرة وامتداد المناقل الى بدء مفاوضات جديدة عام 1954م، حيث كان السودان تحت مظلة الحكم الثنائي، وعلى خلفية تناقض الحديث عن وحدة وادي النيل في وقت تجرى فيه مفاوضات لتقاسم المياه بين البلدين، فضلا عن تأثيرات ابعاد محمد نجيب عن السودان، ونشوب تمرد في الجنوب، وعدم وجود كوادر سودانية فنية كافية لادارة المفاوضات. { تسببت قصيدة للشاعر أحمد محمد صالح حول ابعاد محمد نجيب عن السودان في انهيار مفاوضات 1954م التي كان يقودها الوزير الراحل خضر حمد، حيث اعتبرت القصيدة موقفا سياسيا معارضا لمصر. { حصلت ضغوط اقتصادية وسياسية على حكومة الرئيس الراحل ابراهيم عبود، فضلا عن نجاح مشروع الجزيرة، مما ادى الى موافقة وفد المفاوضات على اتفاقية مياه النيل لعام 1959م، ولقيت الاتفاقية تأييدا من مجلس الوزراء -ليس مجلس قيادة الثورة- والاحزاب السياسية وقادة الرأي العام. { الاتفاقية وضعت اشكالات اجرائية للدول النيلية الاخرى رغم ان الاتفاقية اعترفت بحقوق هذه الدول في مياه النيل. { تعويضات أهالي حلفا كانت مشكلة كبيرة خلال المحادثات، إذ طالب السودان بمبلغ 36 مليون وكانت مصر تقول إنها ستدفع 8 مليون، ثم طرح السودان مبلغ 25 مليون فعرضت مصر 10 مليون كحد اقصى، وقبل الطرفان الاحتكام الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اقترح أن يقتسم الطرفان مبلغ العشرة ملايين، وبالتالي كانت التعويضات 15 مليون التي لم تكفِ لخزان خشم القربة أو انشاء مدينة بديلة لأهل حلفا. { خلال المفاوضات للتوصل الى الاتفاقية كانت مصر تشترط الربط بين قيام خزان الروصيرص والسد العالي، وأن يكون السد العالي لمصلحة السودان ومصر، وعدم الاعتراض على اتفاقية 1929، وأن يتحمل السودان مع مصر حجم التبخر والتسرب المائي الناتج عن قيام السد العالي، وأن تستلف مصر من مياه السودان. { الاتفاقيات التي أبرمت بين السودان ومصر ابتداءً من عام 1922 وحتى 1952 التي وقعت في فترات الاستعمار تتمتع بحصانة دولية لأنها أبرمت بإشراف دول عظمى مثل بريطانيا. حقائق ومؤشرات { نهر النيل أطول نهر في العالم (6650 كلم)، وأحد روافده ينبع من ثاني أكبر بحيرة في العالم (بحيرة فكتوريا) وتقع على بعض روافده أكبر مستنقعات في العالم ( جنوب السودان 30000 كلم). { حوالي 86% من مياه النيل تأتي من الهضبة الإثيوبية (59% من النيل الأزرق، 14% من السوباط، 13% من نهر عطبرة)، بينما تساهم البحيرات الإستوائية ب14% فقط من مياه النيل. { المياه الواردة إلى النيل من حدود جنوب السودان تمثل 28% من جملة مياه النيل حتى المصب في البحر الأبيض، وتقدر كمية المياه التي تصل اسوان سنويا بحوالي 84 مليار متر مكعب. { حصص دول الحوض من مياه النيل مقسمة بين السودان 18.5 مليار متر مكعب ومصر 55.5 مليار متر مكعب. { يبلغ المتوسط السنوي لسقوط الأمطار على حوض النيل حوالي 650 مليمترا اي حوالي عشرة في المئة من المتوسط بالنسبة لوادي الراين في اوروبا. { الدول المشاطئة للنيل عشر (بورندي، رواندا، الكنغو الديموقراطية، كينيا، يوغندا، تنزانيا، ارتريا، السودان ومصر)، ومن ضمنها أفقر خمس دول في العالم، وسبع من الدول المشاطئة للنيل عاشت او ما تزال تعاني من النزاعات المسلحة. { ارتريا دولة مشاطئة للنيل عن طريق مجاورتها لنهر ستيت الحدودي مع اثيوبيا. { يعتمد 300 مليون نسمة في هذه الدول على نهر النيل (أكثر من 10% من سكان أفريقيا) ويتوقع أن يصل العدد الى 500 مليون بحلول عام 2025م. { يضم حوض النيل أيضا بعضا من اكبر مدن افريقيا مثل دار السلام وكمبالا ونيروبي واديس ابابا والخرطوموالقاهرة. وتسهم القاهرة وحدها بحوالي عشرة في المئة على الاقل من العدد الاجمالي لسكان الحوض. { نهر النيل من أضعف وأقل الأنهار مياها في العالم مقارنة بمساحة حوضه وطوله وعدد الدول المشاطئة له، ويمثل هذا الضعف الحاد في وارد المياه مشكلة اساسية وكبرى لنهر النيل ودوله وشعوبه مع الزيادة المضطردة للسكان والاحتياجات المائية المتنامية ومع التغييرات المناخية والتدهور البيئي في دول الحوض. { تمثل أقدم الإتفاقيات المائية في العالم وأكثرها جدلا بين القبول الكامل والرفض الكامل.