٭ قال لي حلفاوي (كامل الدسم)، وأنا اتبادل الحديث مع الدكتور عبد الله سيد أحمد، والدكتور سلاف الدين محمد صالح، في مطار وادي حلفا صباح الاربعاء المنصرم: لماذا جئت إلى هنا؟! ٭ فوجدت نفسي تغني مع الشاعر الكردي شيركو بيكه : جئت كي تعلمني الريح كيف أهدهد النهر جئت كي يعلمني الحجر كيف أنبت فوقه جئت كي يعلمني الجذر كيف أصل قلب الأرض جئت كي يعلمني الورد كيف تزهو القصيدة جئت كي يعلمني الطير كيف تطير رؤاى لقد جئت كي تشب فيّ النار العظيمة لحب الوطن. ولا ادري لماذا يقترن الحلفاويون عندي بالأكراد، على المستوى الثقافي! ٭ عندما اعتلى فخامة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه المنصة، لمخاطبة اللقاء الجماهيري، والذي احتشدت فيه حلفا، من صغيرها الى كبيرها، نساء ورجالاً لتحيته، كانت مفرداته واضحة، ونبرته ذات مغزى ودلالات وهو يرد التحية. ٭ خطاب النائب الأول إلى (الحلفاويين)، حمل دلالات ومعانٍ بعيدة، استدعى فيه التاريخ والحضارة، والصمود والجسارة، والمستقبل والبشارة. ٭ ولا شك عندي أن حلفا موطن حضارة وأن الحضارة النوبية ضاربة الجذور. ٭ وإن كانت زيارة طه لحلفا، جاءت لافتتاح الخط الناقل ل (الكهرباء)، إلا أن في خطابه كان معنياً ب (النور). ٭ اجتازت الكهرباء المسافة من دنقلا إلى وادي حلفا (013) كلم، لتدفع بمعدل 052 كيلواط، وتسري في أوساط المدينة، وتغذي الزرع والضرع والصناعة، وتمنح المواطن قسطاً من الراحة، والدعة، والانسراح. ٭ إفتتح طه، محطة التوليد ومحطة التوزيع للكهرباء، واحتفى ب (النور)، الذي شع ويشع من الحضارة التليدة، دونما انقطاع أو توقف أو تراخٍ. ٭ قال معتمد حلفا العميد معاش جمال عبد الرحمن في كلمته ترحاباً بالنائب الأول: والله نحن بنتكلم الآن بالعربي، ولو كان الكلام ب (الرطانة)، كنا سمّعناك أكثر، ورحبنا بك أعظم لأنك تستاهل. ٭ وطه يكفيه من السوار، ما أحاط بالمعصم. ٭ وعندما كانت مدن، تستنشق البارود، كانت حلفا تستنشق الهواء الطلق وتملأ رئتيها بالأوكسجين. ٭ وعندما أصبح الهوى شريك العمى، التزمت وادي حلفا الجادة، واستمسكت بالعروى الوثقى في حب الوطن. ٭ وعندما كانت مدن ترزح تحت نير الخرافات والسحر والشعوذة، كانت حلفا تحتفي باللوح والدواية والشعر والنمنمات والأساطير. ٭ ولا زال في وسع الحلفاويين أن يرفدوا الحياة بينابيع جديدة من الفكر والأشواق والأمل. ٭ وبالتأكيد، أن تيار الكهرباء الذي وصل المدينة، سيكون له أثره المباشر على الصناعة والزراعة ومظان الفكر والثقافة. ٭ فتيار الكهرباء الذي أنار، يمنح نور الحضارة التاريخي جلالاً وجمالا.. (لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى، بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه). ٭ ثمة أشياء كثيرة، يلحقها الصدأ ويلفها النسيان، مثل علب المياه الغازية وساندوتشات التيك أوي. ثمة أشياء أخرى كثيرة، لا يلفها النسيان، مثل (الجرجار)، وطبق (التركين). ٭ ما أجمل (الملوحة) في حلفا.. وما أجمل العذوبة عند ضفاف نهرها.. وما أعظم (المستقبل) حين يكون (التاريخ) قوياً. ٭ قال طه في وادي حلفا: نحن واثقون من المستقبل، ونراه كرؤيتنا لكم الآن. فعلت حلفا بالهتاف والنشيد والنغم. وبدت ساحة اللقاء نافذة، يطل منها السودان، على غدٍ أكثر إشراقاً وخضرة ونضارْ. ٭ عاجلاً أو آجلاً، ستمنح الشجرة ثمرتها.. فطوبى للصابرين.. طوبى للقاطفين..