شيطان التدمير يكمن في قطاعنا الصناعي.. لا يفوت يوم إلا وتغلق أبواب على الأقل مصنع واحد بسبب الخروج عن العمل لأسباب إقتصادية، الرسوم والجبايات والسياسات الجمركية والضرائبية، والتمويل المصرفي.. تغلق المصانع ويذهب أصحابها إما إلى السجون أو إلى قائمة العاطلين مع العمال الذين يشردون من أعمالهم.. قليلون من رجال الأعمال في ظل تلك الظروف صمدوا وغامروا ونجحوا في الإستمرار في أحلك الظروف الإقتصادية.. مجموعات محددة ظلت استثماراتها في زيادة منها على سبيل المثال دال واراك، والنفيدي وآل البرير وآخرون يعدون على أصابع اليد "يقعوا ويقوموا" ينتهوا من مطاردة المحليات والجبايات ويقعوا في مطاردة البنوك لكن في "النهاية استطاعوا الاستمرار.. واستطاعت العمالة أن تثبت في وظائفها. بالأمس خرجت خمسة مصانع من مجموعة معاوية البرير عن دائرة العمل تعطلت خطوط الإنتاج هذه المرة ليست بسبب الظروف الاقتصادية بل القضاء والقدر هو الذي أغلقها بين عشية وضحاها تشرد عشرات العاملين جراء حريق طال مجموعة من المصانع وليست مصنعا واحدا.. حريق استمر أكثر من 24ساعة دون أن تنجح وسائل مكافحة الحرائق في إخماده كأنه شرر من شيطان.. المصانع التى طالها الحريق لم يمرعليها الحول إفتتحها رئيس الجمهورية وتحدث عن صرح إقتصادي ضخم.. لم أر هذه المصانع لكن من متابعتي للحدث عبر أجهزة الإعلام أستطيع أن أقدر حجم الخسائر على القطاع الصناعي الناجح منه وعلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي ومدى التدمير الذي أصاب بنية الصناعة التى أصلاً هي في إهتزاز بسبب عوامل كثيرة. حريق مصانع معاوية البرير بسوبا ليست كارثة إقتصادية في ظروف حرجة للبلاد فقط بل هو امتحان سقطت فيه قوة مكافحة الحرائق التى تفشل في إخماد الحريق لساعات طويلة، نفهم أن القوى لا تتمكن من إنقاذ مصنع واحد لكن خمسة مصانع فهذه فضيحة بكل المقاييس اللهم إلا إذ كانت حرائق غابات إستراليا أو أمريكا اللاتينية. كم عدد العمال الذين تشردوا فجأة من مصانع الألبان والبلاستيك والمياه الغازية والكرتون ومستودع المواد الخام، كما أسرة تضررت اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، وكم طفل لن يتمكن من الذهاب إلى المدرسة بعد أن خرج عائله عن العمل. وضع مؤسف يضاف إلى المشكلات التى يئن بها ملف الاستثمار في البلاد، هل هناك جهات تضمن عودة العاملين إلى أي أعمال أخرى أم إنهم سينتظرون مع صاحب المجموعة المكلوم نتائج التحقيقات وملف إعادة التأمين. حسب معلوماتي فإن شركات التأمين المحلية ليست لها الكفاءة في تأمين مثل هذه المنشآت الضخمة محلياً ومن ثم تلجأ إلى إعادة التأمين وغالباً ما يكون في أوربا مثل لويتس في إنجلترا والذي يؤمن على كثير من المنشآت الصناعية الضخمة في السودان، لكن المعروف أن مثل هذه الإجراءات ذات النفس الطويل والتعقيدات الكثيرة قد تأخذ سنوات خاصة في الحالات المعقدة كما هو الحال في حريق مصانع البرير.. وقد يحتاج الأمر إلى إرسال فريق تحقيقات وغيرها من الإجراءات.. لماذا لا تكون لدي إتحاد أصحاب العمل آليات للمحافظة على إستمرارية قطاعات الأعمال المختلفة؟ لاحظت ان الاتحاد في دورته الحالية أحدث حراكاً كبيراً في جذب الإستثمارات الخارجية ولعب دوراً مهماً كان سباقاً أكثر من القطاع الحكومي، لكن من المهم جداً أن يضع في أولوياته كيفية حماية هذه الاستثمارات من كل العوامل التى تجعل هذه المجهودات تتراجع.. لأن إغلاق مصنع أو حتى ورشة صغيرة تعنى أن هناك نقصا يجب أن يدرك. لو أن الغرف الخمس المكونة لاتحاد أصحاب العمل خاصة الغرف الصناعية والزراعية والتجارية انشأت محافظ لحماية قواعدها والعاملين في هذه المنشآت ستكون قامت بتأمينها ضد عاديات الزمن، قبل أن تنتظر شركات التأمين.. كما أن 95% من مشاكل قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة بعيدة عن شركات التأمين لأن لها أسبابا تتعلق بالسياسات الاقتصادية الداخلية. يجب ألا نستبق بالتعليق ما هو خاضع للتحقيقات في قضية حريق مصانع معاوية البرير.. فشرارة في مكب النفايات وتحرق خمسة مصانع بالكامل أمر قد يصعب فهمه. ثقتنا أن تتجاوز مجموعة معاوية البرير الأزمة وأن تقف مع رصيفاتها كما الجبال السوامق لا تهزها الريح في زمن ووضع اقتصادي تتجاذبه الرياح. المصيبة هنا مصيبتان.. مصانع تغلق وعاملون تعطلوا أو شردوا ثم مصيبة ضعف كفاءة البلد في إخماد الحرائق.