آخر من وطئت قدماه بلاد النيلين كان بطريرك الكنيسة اليونانية الأرثوذوكسية blank" البابا ثيودوروس الأربعاء الماضي. ثيودوروس بعد أن أمضى يومين في الخرطوم وتجول في أنحائها أكد في تصريح صحفي له بمطار الخرطوم أن السودان من الدول الداعمة للتسامح والتعايش الديني. اليوناني لم يكن بمفرده يقلب أوراق تسامح الخرطوم الديني ويختبره كما يرى البعض، وتزامنت زيارته مع وصول قسيس كنيسة أدفانتيس الأمريكية مايك بوتر للسودان، الرجل بدوره لم يبخل ومنح الخرطوم حقها في تصريحات صحفية بأن ما وجده من تعايش خلال زيارته للسودان يختلف عما كانوا يسمعون به. كلا الرجلين لم يختلف حديثهما عمن سبقهم من رجالات الدين المسيحي ممن تفقدوا أحوال اتباع الصليب، وسبقهم في ذلك كبير أساقفة الكنيسة الأنغليكانية جاستن ويلبي أواخر يوليو من العام 2017م، وحظيت زيارة للسودان لتدشين الكنيسة الأنغليكانية في حي العمارات بعد انتقال الكنيسة القديمة إلى دولة جنوب السودان بزخمٍ واسع، وقتها أشاد ويلبي بروح التعايش الديني بين أفراد الشعب السوداني واهتمام الحكومة بضمان حرية ممارسة أصحاب الديانات شعائرهم. رغم تلك التأكيدات بروح التعايش الديني لكن قضية الحريات الدينية ما تزال تُثار في السودان فقد قدم نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان لدى زيارته للخرطوم في نوفمبر من العام المنصرم خطة عمل وخارطة لتعزيز الحريات الدينية كأساس لتحسين العلاقات بين البلدين، تضمنت تعامل محايد من الحكومة السودانية تجاه الطوائف الدينية المختلفة، بجانب إسقاط التهم عن مسجونين على أساس الاعتقاد الديني. الحريات الدينية ما يبدو أنهُ تناقض إزاء قضية الحريات الدينية في السودان يعتبره محللون أداة ضغط سياسي وأن القضايا سياسية أكثر مما في الواقع، ففي الوقت الذي درجت فيه الخارجية الأمريكية على إصدار تقريرها السنوي الذي ترصد فيه أوضاع الحريات الدينية في العالم منذ 1999م بهدف حمل الدول المتهمة بانتهاك الحريات الدينية على إيقاف ممارساتها ضد الأقليات الدينية، إلا أن الانتقادات إزاء هذا التقرير هو أن واشنطن تستخدمهُ كوسيلة من وسائل الضغط السياسي، لذا يبدو أن ثمة أبعادًا أخرى وراء زيارات القساوسة للسودان. أبعادٌ متعددة لتلك الزيارات يراها المحلل السياسي د.الهادي أبو زايدة، مشيرًا إلى أن السودان تضاءلت فيه أعداد المسيحيين وباتوا من الأقليات فيه إلى جانب حاجة الكنائس التي تزور السودان للدعم المالي عبر توضيح معاناة الأقليات الدينية في إفريقيا ومن ضمنها السودان وذلك لتحقيق أهداف تخصها والحصول على تمويل لبرامجها من داخل اللوبي المساند لهذه الكنائس في بلدانها ومناطق تأثيرها، ويوضح الهادي في حديثه ل(السوداني) أمس إلى وجود صراع يهدد الكنيسة الكاثوليكية والإسلام لجهة أنها مؤسسات رفضت زواج المثليين فهناك هجمة أحادية عليها من قبل دعاة الحريات المدنية. بعدٌ آخر يذهب إليه أبو زايدة مرجحًا أن تصب تلك الزيارات في إطار دعم غير مباشر في المفاوضات القادمة خاصةً مع حديث الحركة الشعبية شمال عن حرية المسيحين، وأضاف: قد تكون الحريات الدينية واحدة من آليات الضغط على الحكومة لتحقيق مكاسب تفاوضية وإيجاد وضع مريح للمفاوض الآخر، لافتًا إلى أنهُ لا توجد في الواقع معاناة اجتماعية. آليات تدخل في الوقت الذي يعتبر فيه أبو زايدة أن تلك الزيارات إحدى آليات التدخل الكنسي في إفريقيا يشير إلى أن الزيارات التي تمت للسودان لم تكن من قبل الكنائس ذات الصبغة الصهيونية مستبعدًا حدوث أيّ تأثيرات أخرى، إلا أن مدير المركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة د.عمار صالح الذي ابتدر حديثه ل(السوداني) أمس متسائلًا عن كيفية وصف السودان بانتهاك الحريات الدينية وزيارات القساوسة لهُ مكثفة ولا تنقطع، عمار يعتبر أن هذه الزيارات نوعٌ من الضغط لتقديم تنازلات أكثر للنصاري ولوضعٍ أفضل ومشاركة سياسية. من جانبه يعتبر الخبير بالجماعات الإسلامية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا د.محمد خليفة صديق أن لكل زيارة حيثيات بعينها واصفًا زيارة بابا الإسكندرية ثيودوروس بالأولى من نوعها ولها خصوصيتها التي تأتي من وجود جالية قبطية قديمة في السودان لها وجودها الديني والسياسي المعروف منذُ زمن طويل، قاطعًا في حديثه ل(السوداني) أمس بأن الزيارة لا تلقي بأيِّ ظلال غير طبيعية، وأضاف: ربما يريد البابا من الجالية القبطية أن تؤدي أدوارًا أقوى خاصة في حل القضايا العالقة بين الخرطوموالقاهرة لجهة أن للجالية علاقة وطيدة برئاسة الجمهورية وربما هي محاولة من القاهرة ليقوم البابا بدور سياسي. هاجس سياسي وفيما يتعلق بزيارة القساوسة الأمريكان يشير خليفة إلى قضية الحريات الدينية ظلت هاجسًا سياسيًا لأمريكا لذا فزيارتهم ترتبط بقضية التعايش الديني ومدى تمتع المسيحين بحرياتهم. أما زيارة كبير أساقفة الكنيسة الأنغليكانية جاستن ويلبي للسودان التي وصفها خليفة بالتاريخية يشير إلى أن الاهتمام الأساسي فيها كان موجهًا لجبال النوبة، ويرى خليفة أن الواقع مغاير تمامًا، وأن قضية التعايش الديني يتم استغلالها سياسيًا، لافتًا إلى أن هذه الزيارات تذكرنا بأن العالم ينظر للسودان. كثيرون يرون أن الحريات الدينية تُقال في بلد متعدد الديات فبعد انفصال الجنوب صار الإسلام هو الديانة الأولى ونسبة المسيحين تصل ل(1%) وهم مسيحيو المدن "الأقباط" وأنهُ لا وجود لانقسام ديني حاد في المجتمع حتى يكون هناك كبت للحريات الدينية.