بعد أن ذبحت الحكومة الانتقالية العدالة وانحرفت بها عن مسارها واستقلاليتها وضربت بقيمها وأعرافها أرض الحائط (فعطلت المحكمة الدستورية) كمرجعية عليا لإبطال القرارات غير الدستورية الصادرة من الدولة أو من هيئات القضاء بعد انتهاء مراحل التقاضي باعتبارها من أهم مظان طلب العدالة التي لا تتجزأ في الدول الديمقراطية . حكومة الناشطين لا تزال تلهث لإشباع رغباتها غير الدستورية من فصل الموظفين ومصادرة الأملاك والإيداع في السجون من غير محاكمة بعد كيل التهم جزافاً ويهتفون بشعار حرية سلام وعدالة كنقيض سياسي لتلك الأيديولوجية . لا تستغرب كثيراً بعد تلك المذابح والمحن السياسة المتلاحقة أن تعقد المؤتمرات الصحفية نهاراً جهاراً وتتناقل وسائل الإعلام المحلية والدولية قراراتها وترهاتها من غير استحياء لأنها ضمنت الورقة الرابحة التي تتمثل في تعطيل المحكمة الدستورية. ولماذا نسير بعيداً بعد التدليل على مدرسة التناقضات السياسية وقد بات قرار تعطيل مجمع الفقه الإسلامي من قبل الناشطين بالحكومة الانتقالية أمراً يتوقع صدوره في أي لحظة بعد أن صدع العلماء الربانيون بفتوى يحرم تطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) بالإجماع وسجلوا موقف العلماء الشرفاء ..وجاءت الفتوى بمثابة الرد الصريح على تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو بأننا في مجمع الفقه الإسلامي لسنا من العلماء والمشايخ الذين تعينهم موافقين ومباركين لمشروعكم الجديد التطبيع مع إسرائيل. لأنهم على يقين بان الفتوى امانة ومسؤولية والتطبيع مع إسرائيل كمدلول لغوي مؤصل في النص الشرعي ومتداول بين فقهاء الامة لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر..! مجمع الفقه الإسلامي يعتبر الواجهة الرسمية للفتوى وما يصدر عنه من فتاوي يعتبر نهائيا وملزمة لأي دولة محترمة او الذين بستفتونها من عامة الناس فهو يقوم على الاجتهاد الجماعي واستنباط الأحكام من خلال مصادر التشريع الإسلامي والناظر اليوم الى الدول من حولنا يجد أن المجامع الفقهية اصبحت من أهم الهيئات الاستشارية للدول بعد إلغاء مهام المفتي الذي كان يقوم به شخص واحد بهيئة استشارية من كبار العلماء لا يجمعون علة ضلال ولا يجتمعون على باطل . مجمع الفقه الإسلامي طاله التغيير والتبديل وتم حله والحاقه بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف والوزير بدوره فلتر المجمع ونقى الأسماء من أي (كوز) ثم القى بسهمه في قائمة الأسماء المطروحة ثم استخراجها فإذا هو يظفر بخيرة من العلماء مشهود لهم في ساحات العلم والعطاء(ولا يخشون في الحق لومة لائم ) فقام بترشيحهم لرئيس الوزراء وبدوره أصدر رئيس الوزراء القرار بتكوين مجمع الفقه الإسلامي بثوبه الجديد. تابعنا وسائل الإعلام قبل شهر وهي تسارع لتغطية لقاء رئيس الوزراء برئيس وأعضاء مجمع الفقه الإسلامي ثم أعقبه بعد أسبوع لقاء رئيس مجمع السيادة بقيادات المجمع وجاء التصريح لوسائل الإعلام عقب اللقاء بأن رئيس مجلس السيادة يؤكد على الدور الكبير الذي يضطلع به مجمع الفقه الإسلامي مما يعني أن قرارات مجمع الفقه الإسلامي ستكون محل اعتبار واحترام من رئاسة الدولة فما أن لبث العلماء برهة من الوقت حتى اجتمعوا على عجل لمناقشة هذه النازلة وبعد نقاش مستفيد وقراءة متأنية في الواقعة أجمع السادة العلماء على تحريم تطبيع العلاقات مع إسرائيل (بالإجماع ) لذلك يتوجب على الدولة أن تحترم هذه الفتوى المعتبرة وتعمل بها أو أن تذهب في اتجاه تعطل دور مجمع الفقه الإسلامي وتصادر فتاويه كما فعلت بالمحكمة الدستورية وتكمل الناقصة (العبث بالقانون والفتاوي الفقهية) لا نستغرب فكل شيء بات في بلادنا متوقعاً .. التاريخ سيكون حاضراً وشاهداً لهؤلاء العلماء بأنهم سجلوا موقفاً مشرفاً وانصاعوا لضمير العلماء الربانيين وقالوا كلمة الحق من غير نفاق ولا تزلف.. وبنفس الصراحة التي تحدث بها نائب رئيس مجلس السيادة نطالبه أن يفصح لنا عن الشيوخ الذين باركوا له التطبيع مع إسرائيل علماً بأننا لا نعترف بهؤلاء الشيوخ البتة بعد الكلام الذي لا يمل سماعه المأصل بالأدلة والبراهين من السادة المشايخ أعضاء مجمع الفقه الإسلامي المعتبرين لدى الدولة وفي وجدان الشعب السوداني. إن النتيجة الكبرى التي نظن أن أعضاء مجمع الفقه الإسلامي استطاعوا توضيحها للرأي العام من خلال هذا الإجماع بأن الأطماع السياسية وما يتولد عنها من تبريرات نظرية لن تجد لها مسوغاً في قالب الشريعة وفي تقديري هذا نموذج مشرف لرجل العلم الذي نقش اسمه بأحرف من نور من لدن الحجاج بن يوسف إلى مصطفى كمال أتاتورك.