نشرت الدكتورة المصرية هبه جمال الدين والمختصة في العلوم السياسية دراسة بعنوان الدبلوماسية الروحية وتشير فيها لمخطط لإنهاء الصراع العربى الاسرائيلى والسيطرة على المنطقة وإقامة ما يسمى بالولاياتالمتحدة الإبراهيمية، وقد يبدو للوهلة الأولى ضرب من الخيال حيث أن الحديث يدور عن دين إبراهيمى جديد تنصهر فيه الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية لأهداف سياسية؛ وهو عبارة عن مجموعة من القيم الأخلاقية ظاهرها إنساني وباطنه سلطوي استعماري؛ وضمن هذا الدين تتعايش شعوب المنطقة دون حفاظ على هويتها الوطنية الخاصة في ظل إيمانها بالفكرة؛ وبعد البحث والقراءة نجد أصل الفكرة جاري الكتابة والبحث بها منذ سنوات في جامعات مثل جامعة هارفارد وفلوريدا وغيرهما؛ وبدأ العمل بها منذ عام 2013 محاولة لتطبيقها على الأرض بدعم من اللوبيات اليهودية ومعها متنفذون في الولاياتالمتحدةالأمريكية خصصوا إدارة خاصة في وزارة الخارجية لذلك. وثمة دلائل عديدة تؤيد وتؤكد صحة ما جاء في دراسة الدكتورة هبه جمال الدين، فالصهيونية العالمية تدرك أن استمرار بقاء إسرائيل على قيد الحياة في هذه المنطقة العربية مرهون بتغيير عميق في ثقافة شعوبها؛ والذي تعتبر الدولة العبرية كيانا غريبا ومعاديا لها، ولأن شعوب المنطقة العربية شعوبا كلاسيكية متدينة بالفطرة وتشكل فيها العقيدة الدينية والموروث الثقافي العقدي الثقافة العامة والجمعية، فإن أي تغيير في تلك الثقافة الجمعية هو مرهون بتغيير في العقيدة الدينية لتلك الشعوب. وتغيير من هذا القبيل لا يبدو أمراً سهل التحقق على المدى المنظور؛ ولكن إنشاء نموذج عقدي موازٍ يبدو أمرا ممكنا خاصة لو كان هذا النموذج نابعا في الأساس من الأديان والمذاهب القائمة على أرض الواقع في المنطقة؛ وهي أديان ومذاهب متقاربة في كثير من المفاهيم الأخلاقية والإنسانية؛ وفي أحيان أخرى المفاهيم العقدية. من هنا بدأت في بداية الألفية الثانية تظهر فكرة إيجاد إصدار جديد لعقيدة تجمع الأديان الثلاثة لأبناء إبراهيم اليهودية والمسيحية والإسلام، وهذه الفكرة ضمن الأفكار الخيالية التي تحولت مع الوقت وبدعم من اللوبيات اليهودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى فكرة واقعية تبنتها مراكز دراسات حكومية مرموقة وجامعات مثل جامعة هارفارد وغيرها منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد بدأ عمليا العمل على أرض الواقع نحو البدء عمليا في تجسيد الفكرة كواقع على الأرض تحت شعارات كالسلام العالمي والتعايش وتعزيز القيم الانسانية وثقافة السلام وعبر إيجاد تفاسير وتأويلات جديدة للنصوص المقدسة؛ وخاصة منها بعض الآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطرا عليها. وهذا العمل بالطبع سيتطلب طبقة جديدة من رجال دين وليس علماء دين وساسة ودبلوماسيين؛ وهم من سيتكفلون بأداء هذه المهمة، ويتم تهميش وتسفيه المرجعيات الدينية الاسلامية ووصمها بكل صفات الرجعية والتخلف وصولا إلى تجريمها بتهمة دعم الارهاب إذا لم تنصاع لمشروع التغيير العقدي. ويبدو أننا أمام مخطط استراتيجي وطويل الأمد ويبدو للوهلة الأولى ذا أهداف انسانية سامية إلا أنه يحمل في طياته أهدافا سياسية استراتيجية تخدم مصالح قوى إمبريالية دولية وإقليمية. ومشروع الثقافة الابراهيمية ليس مشروعا ثقافيا فحسب بل هو مشروع سياسي طويل الأمد يهدف إلى تطبيع وجود إسرائيل ككيان طبيعى تمهيدا لتسييد هذا الكيان للإقليم من خلال تفوقه العلمي والتكنولوجي والثقافي لاحقا. وصفقة القرن ليس إلا جزء من ما يجرى تنفيذه على الأرض يوميا من مخطط التحول الثقافي العقدي السياسي وصولا إلى كيان الولاياتالمتحدة الابراهيمية التي تمتد من المحيط إلى الخليج، وما يجري يتعدى فلسطين التاريخية ويمتد إلى إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل حيث المسار الإبراهيمي في التوراة، ويمر مشروع الولاياتالمتحدة الابراهيمية حتما بتصفية القضية الفلسطينية دون أي حلول عادلة لها، وصفقة القرن ستكون المرجعية النموذجية المعتمدة لأي حل مستقبلى. وجوهر ما يحدث حسب الرواية التوراتية هو تهيئة الأرض لنزول الماشيا أو المسيح المخلص أو المهدي المنتظر؛ لكن طبقا لمفاهيم العهد القديم. ومن الواضح أن الصهيونية العالمية بزعامة الحركة الصهيونية والانجيليين تقود هذا المشروع، وإذا أردنا تتبع المسار العقدي لمشروع الولاياتالمتحدة الابراهيمية فعلينا مراقبة ما يجري وسيجري مستقبلا في القدس وتحديدا في الحرم القدسي؛ فما سيجري فيه سيكون نموذجا لما سيكون عليه الحال في كل المعالم العقدية في المنطقة. ولقد نوه السيد كوشنر كما تذكرنا الدكتورة هبة جمال الدين في أحد لقاءاتها إلى معالم المستقبل في المنطقة قبل عدة أسابيع؛ عندما قال في مقابلة مع أحد القنوات الأمريكية إن الحدود السياسية لن يكون لها قيمة مستقبلا في المنطقة؛ وقد قال كوشنير الحقيقة دون أي توضيحات إضافية وما قاله ليس نبوءة بل رؤية لمشروع يتم تنفيذه بصمت وبخطى محسوبة. وواقعيا يكفي لنا أن نلقي نظرة على المنطقة من النيل إلى الفرات لنرى معالم المشروع؛ وقد بدأت تتضح ثقافيا وسياسيا؛ كما أن الحدود فعليا قد انتهت بين العديد من دول المنطقة بفعل انهيار العديد منها؛ خاصة بعد ما هو قائم من حروب طاحنة في العراق وسوريا واليمن وليبيا؛ وها هي لبنان على حافة الهاوية؛ وقد تكون مصر في عين العاصفة. وما هو مطلوب دوما لتمرير مثل تلك المخططات هو أن تفقد الشعوب الثقة في أنفسها وفي قدرتها على التغيير لتلتحق طواعية بالمشروع المستقبلي الوحيد الذي سيسمح له بالقيام في هذه المنطقة ألا وهو الولاياتالمتحدة الابراهيمية. أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية نقلا عن صحيفة رأي اليوم