محمد ابوالقاسم عبدالقادر الإضراب عن العمل سلاح فعال تلجأ إليه نقابات العمال لتحقيق مطالب مشروعة ومستحقة للعمال المنضوين تحت لوائها وتعمل القيادات العمالية التي تقود هذا الإضراب على تحقيق اهدافه بعد أن تأكدت من تأييد العمال لها وإلتفافهم حولها وولائهم لها بما يضمن انصياعهم التام لأي أوامر تصدر إليهم في سبيل تحقيق رغباتهم ومطالبهم وغالبا ما تتحقق هذه المطالب مباشرة بعد استخدام سلاح الإضراب فتستجيب الجهات المختصة بالتنفيذ الفوري للمطالب او بإعطاء وعود مؤكدة للاستجابة وفقا لاتفاق بشروط تمليها النقابة ليتم بموجبها رفع الإضراب عن العمل ومن المؤكد أن الإضراب يسبب خسائر متفاوتة حسب طبيعة الإضراب ونوعه ومكانه ومداه الزمني ولا تنحصر الخسائر الناتجة عنه في الماديات فقط وإنما قد تتعداها لخسائر في الأنفس والأرواح. ولعله من غير المتصور بل ومن غير اللائق أن تدخل الشرطة في إضراب باعتبار أن الشرطة قوة نظامية تقوم على الانضباط ومن المؤكد أنه ستكون لهذا الإضراب نتائج كارثية وإنفلات امني غير محدود يتأثر به الكثير من المواطنين الأبرياء مهما كانت التحوطات والإستعدادات لتلافي آثاره ذلك أن مجرد الإحساس بغياب رجال الشرطة من مواقعهم وتوقفهم عن اداء واجباتهم في حد ذاته نتيجة كارثية ناهيك عن ما يمكن تصوره من انفلات أمني وما يتبعه من مظاهر وسلوك إجرامي يصعب تلافيه والسيطرة عليه في ظل وضع سياسي غير مستقر وظروف اقتصادية ضاغطة وانتشار لقوات كبيرة من المسلحين الذين لم يتم استيعابهم ودمجهم في القوات النظامية فضلاً عن أن هذا الإضراب يمكن استثماره من أصحاب الأجندة من السياسيين وغيرهم لتحقيق أهدافهم من خلال الوضع الأمني المضطرب وغير المستقر. وبمراجعة تاريخ الشرطة السودانية نجد أن قوة بوليس الخرطوم قد نفذت إضرابا عن العمل في يونيو 1951م بقيادة عدد من ضباط الصف وعلى الرغم من محدودية الإضراب والتعامل الغليظ الذي واجهته به السلطة الاستعمارية نجد أن الإضراب حقق أهدافه وخضعت السلطة الاستعمارية لمطالب رجال البوليس وفي عهد الحكومات الوطنية لم تدخل الشرطة في إضراب عن العمل إلا في فترات قليلة متباعدة ومن الملاحظ انه وعلى قلتها كانت تتم بأوامر من قيادات شرطية ويراعى فيها بقدر الإمكان ألا تحدث انفلاتات أمنية تفقد الشرطة السيطرة على الوضع الأمني وقد حققت هذه الإضرابات أهدافها بالاستجابة لمطالبها وفي الغالب الأعم كانت تتم الاستجابة قبل أن تدخل القوة في الإضراب. وحتى نتفادى هذه الدعوة الصريحة لإضراب الشرطة والتي صارت جهاراً نهاراً وانتشرت عبر الأسافير وتناولها الصحفيون في كتاباتهم رأيت أن أتوجه بالرسائل الأتية: الرسالة الاولى: إلى قيادة الدولة بمجلسيها السيادي والوزراء انصفوا قوات الشرطة فهي عنوان لهيبة الدولة ومظهر لقوتها وسيطرتها وقد قالوا إذا أردت أن تعرف قوة الدولة فانظر إلى شرطتها اعلموا أنكم مسئولون عن أمن الوطن ومواطنيه وهذا لا يتحقق إلا بوجود شرطة فاعلة لها من السلطات والصلاحيات ما يجعلها قادرة على القيام بواجباتها ثم عليكم أن تمنحوها الاستحقاقات المادية الكافية التي تجعل أفرادها قادرين على مواجهة صعاب الحياة وغلاء المعيشة وتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء لأسرهم ومن يعولون فاستقرار الشرطي يعني استقرار الدولة وتذكروا أيها السادة أن فاقد الشيء لا يعطيه. الرسالة الثانية: إلى قيادة الشرطة ممثلة في هيئتي الإدارة والقيادة: أنتم مسئولون أمام الله قبل أن تكونوا مسئولين أمام أي جهة عن رعيتكم من الضباط والصف والجنود وأعلم انكم تبذلون جهوداً جبارة للدعم والمساعدة لكل محتاج ولكل من ضاقت به ظروف الحياة ولكن تقف مواردكم وامكانياتكم عاجزة عن تلبية كل الاحتياجات في ظل هذه الأوضاع الإقتصادية السيئة وعليه فإني أدعوكم لتبني إصلاح الهيكل الراتبي لقواتكم مع قيادة الدولة ولا تدعوهم ليسلكوا طرقاً غير مشروعة في عرف الشرطة مثل الإضراب عن العمل انزلوا إليهم وتحدثوا معهم وأعملوا على معالجة قضاياهم وتبنوها مع قيادة الدولة ولا تنتظروهم حتى يضربوا عن العمل لتقوموا بمحاسبتهم فهم أبناؤكم وقوتكم وسواعدكم الذين تقع على عاتقكم حمايتهم حتى من أنفسهم. الرسالة الثالثة: إلى قادة الشرطة السابقين فأنتم أصلب العناصر أمسكتم بدفة الشرطة في ظل ظروف وأوضاع معقدة مرت بها بلادنا في تاريخها الطويل وعركتكم التجارب وقدتم السفينة في أحلك الظروف وظلت الشرطة بقيادتكم فخر الوطن والمواطن لذلك فإني أدعوكم للتدخل حتى تتجاوز الشرطة هذه المحنة ولا شك في انكم تملكون الحلول والوسائل لتجاوزها. الرسالة الرابعة : إلى الإخوة والزملاء والأبناء من الضباط والصف والجنود إعلموا أنكم الآن تعملون في ظل ظروف أمنية معقدة تتمثل في الفهم الخاطئ للحرية والديمقراطية والذي ينتج عنه سلوك غير مشروع يتمثل في إغلاق الطرق واحتجاز المارة والتعدي على ممتلكات المواطنين وكذلك انتشار لحركات مسلحة داخل ولاية الخرطوم وبوادر لانفلات أمني ولذلك فإن غياب الشرطة من المشهد سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه؛ ولذلك ما عليكم الا الصبر والتضحية في سبيل أن ينعم المواطن المغلوب على أمره بالأمن والطمأنينة؛ فهذا هو قدركم وعليكم ألا تفكروا لحظة في سلاح الإضراب أو التوقف عن القيام بعملكم الذي لا تستطيع أي جهة أن تقوم به نيابة عنكم فلا بديل للشرطة إلا الشرطة.