في اللقاء الذي أجراه الأستاذ شوقي عبد العظيم، مع فولكر بيرتس، رئيس البعثة المتكاملة للأمم المتحدة على قناة (سودانية 24)، سأل شوقي فولكر عن أطراف المشاروات، ذكر فولكر من ضمن ما ذكر المؤتمر الشعبي، فعلق شوقي هل الأحزاب التي كانت مع المؤتمر الوطني وسقطت معه سيتم الحوار والتشاور معها؟ فقال فولكر إنه سيتم التشاور والاستماع لكل الأحزاب، عدا المؤتمر الوطني، فعلق شوقي قائلاً: لكن هذه الأحزاب مرفوضة من قبل قوى الحرية والتغيير؟ فرد فولكر (بضيق شديد وواضح) قائلاً: مرفوضة أو لا مرفوضة من قوى الحرية التغيير، (بمعنى لا يهم ذلك)، وأضاف: "الحرية والتغيير نحن نحترمها، لكنها ليست هي الجهة التي تدير هذه الاستشارات، هي شريك تتعامل مع الاستشارات، لكنها أيضاً طرف في اللعبة السياسية أو الصراع السياسي. وأردف فولكر قائلاً : "المسألة موش مين يرفض… لكل طرف أن يقرر يجلس مع مين، لكن أنا أقرر من يجلس في طاولتي. (انتهى) هذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من رئيس بعثة (يونيتامس)، فهو في ما يبدو يتعامل مع الحرية والتغيير مثل ما يتعامل معها كثير من الثوار، باعتبار أنها أحزاب سياسية فقدت التأثير على الشارع، وبالتالي يكون وزنها السياسي بحسب قدرتها في التأثير على موازين القوى، وهذا عدم فهم واستيعاب كبير من فولكر للحرية والتغيير من ناحية دستورية. إذا كان ذلك كذلك، ففولكر يتعامل مع الحرية والتغيير كطرف في ما سماه اللعبة السياسية، وما سماه أيضاً طرفاً من أطراف الصراع السياسي، وهذه مجافاة للواقع الدستوري وللنظام الدستوري الشرعي وللوثيقة الدستورية. يجب على فولكر أن يكون لديه تعريف واحد للحرية والتغيير بأنها هي القوى التي وقعت على إعلان الحرية والتغيير، وهي القوى التي وضعت الوثيقة الدستورية التي أسست النظام الدستوري بعد الثورة، وبالتالي يجب أن لا يتعامل مع الحرية والتغيير باعتبار وزنها السياسي الحالي، هذا فيه خطل شديد لأن القرار 2524 الصادر من مجلس الأمن الذي بموجبه تم تكوين بعثة (يونيتامس) استنذ ذلك القرار على النظام الدستوري الذي أنشأته الوثيقة الدستورية، بل ورحب القرار بالتوقيع على الوثيقة الدستورية ونص القرار في البند الأول على الآتي: يقرر (مجلس الأمن) إنشاء بعثة متكاملة للأمم المتحدة لتقديم المساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان. وهذه الفترة الانتقالية بحكومتها أوجدتها الوثيقة الدستورية التي وضعتها وصاغتها الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وحيث إن الوثيقة الدستورية (حلت) المجلس العسكري وفقاً للمادة 72 بمجرد تكوين مجلس السيادة، ولكنها أبقت على الحرية والتغيير كجهة شرعية أي لها شرعية دستورية، ويجب عدم التخلي عن هذه الشرعية الدستورية مطلقاً، وسأشرح بالتفصيل لماذا يجب عدم التخلي عن الشرعية الدستورية للحرية والتغيير. لكن ابتداء على السيد فولكر أن يعلم الآتي: أولاً، أن الحرية والتغيير ليس تجمع أحزاب سياسية أو كتل مدنية فقط مثلها مثل مجموعة الميثاق الوطني أو أحزاب التحالف الوطني، بل الحرية والتغيير جهة دستورية بنص الوثيقة الدستورية، وهي الجهة المنشئة للنظام الدستوري الذي قام منذ توقيع الوثيقة الدستورية في 2019، وحتى انقلاب 25 أكتوبر، وبالتالي فهي بمثابة الجمعية التأسيسية التي تؤسس للسلطات المشكلة للدولة عبر الاعتماد والمصادقة على الدستور. ثانياً، يجب أن لا يعد اعتبار الانقلاب كأمر واقع بواسطة بعثة الأممالمتحدة مانحاً شرعية قانونية للانقلاب، ولا يعني ذلك قانوناً انتهاء النظام الدستوري الذي أنشأته الوثيقة الدستورية وزواله، هذه النقطة غاية في الأهمية، لأن الشرعية القانونية والدستورية هي الشرعية التي تقرها الأممالمتحدة، وبالتالي في حال تتطاول أمد الانقلاب ولجوء السودانيين في أي لحظة لتمثيل قانوني شرعي دستوري، فستكون قوى الحرية والتغيير هي القوى الممثلة للسودانيين أمام الهيئات الدولية. ثالثاً قد يقول قائل ما هي قوى الحرية والتغيير؟ فهي ليس لها رئيس وليس لها مقر، وليس لها خاتم، والرد على ذلك جاء في نص الوثيقة الدستورية التي عرفت قوى الحرية والتغيير بمفهوم المخالفة حين نصت في المادة 24-الفقرة 3 الخاصة بنسب المجلس التشريعي نصت الى نسبة (33%) من مقاعد المجلس التشريعي تكون من القوى التي (لم توقع) على إعلان الحرية والتغيير وبمفهوم المخالفة، فإن قوى الحرية والتغيير هي القوى المدنية والسياسية والمهنية التي (وقعت) على إعلان الحرية والتغيير، قبل توقيع الوثيقة الدستورية، وهي قوى معروفة ومعلنة. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الحرية والتغيير هي كيان دستوري انقلبت عليه مجموعة عسكرية، وهذا النظام أو الكيان الدستوري جاء بتفويض ورضا من قبل الثائرين في أغسطس 2019، ولكن تاًكل وزنه السياسي بفعل أدائه السياسي، ولكن مع هذا من الأفضل للثورة أن تذهب في مسارها الدستوري وتعدله وتتطوره، لا أن تبدأ نظام دستوري جديد مع كل انقلاب، فاستسلامنا لفكرة البدء بوضع دستوري جديد عقب الانقلاب، كأنما هو اتفاق مع الانقلاب العسكري بأنه يجب أن يذهب النظام الدستوري الذي كان موجوداً قبل الانقلاب وهذا في اعتقادي خطأ جسيم. يجب أن يذهب الانقلابيون ويبقى النظام الدستوري، وينبغي أن نعمل على تطوير النظام الدستوري الذي اختططناه، فدستور الولاياتالمتحدة بدأ بسبع مواد ولم يحرم الرق، إلا في التعديل الثالث عشر بعد مائة عام من اقرار الدستور، ولكن مع التطور الدستوري حدث تحول تدريجي ونوعي، وتم إجراء 26 تعديلاً على دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا هو التطور الدستوري الذي تسلكه الأمم، وينبغي أن نتمسك بنظامنا الدستوري ونطور الوثيقة الدستورية التي تحكمه لا أن نرمي بنظامنا الدستوري عقب الانقلاب. يجب أن نفرق بين الأحزاب المكونة للحرية والتغيير وبين الحرية والتغيير كجهة أشبه بالجمعية التأسيسية للنظام الدستوري، ويمكن في سياق تطوير الوثيقة الدستورية أن يتم الاتفاق مثلاً على استبعاد كلمة الحرية والتغيير باسم، للجسم المكون للقيادة الموحدة التي يمكن أن تكونها القوى المدنية. أنا ضد الانقلاب ومع إقصاء الإنقلابيين، بل ومحاكمتهم على جريمة الانقلاب وتقويض النظام الدستوري، لكني ضد إجهاض النظام الدستوري الذي يحاول انقلاب 25 أكتوبر إجهاضه، ومحوه من تاريخ السودان وكأنما دون أن نقصد نتفق مع الانقلاب باعتبار الوثيقة الدستورية، كأن لم تكن. يمكن أن نحاكم كل الأحزاب سياسياً على سوء أدائها ، يمكن أن نطالب بعدم تمثيلها في مؤسسات الدولة مثل الحكومة، ولكن يجب أن نتمسك بنظامنا الدستوري، ونعمل على تطويره، ويمكن أن نعدل الوثيقة الدستورية، ويمكن أن نعدل حتى الأجزاء الخاصة بالحرية والتغيير، وكل الأجزاء الخاصة بالشراكة، كما قلت، ولكن بطريقة دستورية، ووفقاً لما جاء في نصوصها. ينبغي أن لا نرمي بمكتسبات ثورة ديسمبر 2018، وأهم مكتسب هو الوثيقة الدستورية، بل يجب أن نجعل من الثورة الحالية تعزيز وتطوير لمكتسبات ثورة ديسمبر 2018. على الحرية والتغيير أن لا تعامل نفسها مثل ما تتعامل مع نداء السودان، أو قوى الإجماع، أو حتى تجمع المهنيين، أو طيب الذكر التجمع الوطني.. على الحرية والتغيير أن تعلم أنها جهة دستورية أشبه بالجمعية التأسيسية، وينبغي أن تعلم أنها جسم دستوري أنشأ نظاماً دستورياً انقلبت عليه مجموعة عسكرية، وبالتالي يجب أن لا تتخلى عن هذه الشرعية الدستورية مطلقاً. ويجب أن تمارس تلك الشرعية بشكل واضح عندما تلتقي بعثة الأممالمتحدة أو ممثلي الاتحاد الأفريقي أو ممثل الإيقاد.