ما أسوأ أن تمسك قلمك لتنعى شخص عزيز لديك، فالفاجعة أحيانا تكون أكبر من الحروف والكلمات، وما أسوأ أن تكتب وأنت لا تعرف ماذا تكتب لتعبر عن حزن أو فرح. يوم لا ينسى من ذاكرتي مساء الإثنين الماض...ي، يوم رحيل الزميلة العزيزة جداً نادية عثمان مختار التي التقيت بها للمرة الأولى عام 2001 في بدايتي الصحفية بالعزيزة جداً (الخرطوم) وكنت محظوظا في أن أعمل مع أساتذة كبار في بدايتي الصحفية الأستاذ فضل الله محمد، د. الباقر أحمد عبد الله، الأستاذ فيصل محمد صالح، د.مرتضى الغالي، الأستاذ محمد عبد السيد، في 17 فبراير 2001، كان العدد الأول من صحيفة (الخرطوم) عقب عودتها من الصدور بالخارج، وبعد نحو عدة شهور حضرت الزميلة نادية إلى الخرطوم من القاهرة، وكانت تعمل بالصحيفة إبان صدورها بالقاهرة، من اللحظة الأولى التي التقيت بها في قسم الأخبار وكان حينها يرأس القسم الأستاذ معتصم محمود، وهو من أخطر المخبرين ولكن طلق السياسة وكفر بها وذهب بعيداً نحو الصحافة الرياضية، سلمت نادية على الجميع بحميمية وابتسامة طفولية بريئة فدخلت قلوب الجميع بلا استئذان، وكانت كثيراً ما تخرج معي في تغظيات إخبارية، وعندما أسألها عن أي شارع لا تعرفه فكنت أقول لها: (أهل العوض)، وهي تضحك فأصبحت العبارة التي تخاطبني وأخاطبها بها (أهل العوض). نادية كانت شخصية غريبة وفريدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، تحب الصحافة لدرجة الجنون لا تكل ولا تمل وكنت أقول لها في حواراتها الصحفية -وكانت تحب هذا الفن من الفنون الصحفية وهو مرهق جداً: (إنتِ زولة عكليتة في الأسئلة والبتحاوريهو غايتو إلا يكون زول بالو طويل). عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً من السماني حسن خال الزميلة فاطمة خوجلي بتعرضها وزميلتها نادية لحادث مروع بالخوجلاب وأن الأخيرة حالتها خطيرة فغادرنا على وجه السرعة أنا والأستاذ ضياء الدين وعطاف وعزمي إلى حوادث مستشفى بحري، وقبل أن نصل الباب أبلغني صديقي إبراهيم ميرغني وهو زوج ابنة عم الزميلة فاطمة بأن نادية قد توفيت، وعند الدخول إلى المستشفى وجدناها مغطاة بملاءة على متن سرير متحرك، وطلب منا رجال الشرطة التأكد من اسمها لملء بياناتها، فاستجمعنا أنا وعطاف قوانا ودخلنا للغرفة فرفع عطاف الغطاء فأخذت خطوة للوراء، لم أستطع أن أكمل المشهد، فخرجت سريعاً ولحظتها فقدت الإحساس بأي شيء، وانتابتني حالة في تلك اللحظة لا أستطيع أن أصفها ما هي. وبعد برهة من الشرود الذهني، اتضحت لي الحقيقة عارية، بأن الأخت العزيزة جداً نادية (أم أيمان) رحلت عن هذه الفانية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ارحمها رحمة واسعة واغسلها بالثلج والماء والبرد ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وعاملها بما أنت أهل له، اللهم تجاوز عن سيئاتها وأبدلها لها حسنات، اللهم احفظ ابنتها الوحيدة إيمان وأنزل عليها صبراً ويقيناً بهذه المصيبة، وصبرها على فقدها واجعل البركة فيها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وأسأل ربي أن تسبغ نعمة شفائك على الزميلة فاطمة خوجلي وأن تجعل المرض لها كفارة من كل ذنب، اللهم اشفها شفاءً لا يغادر سقماً، أنت الشافي والكافي والمعافي.