هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته في فترة من الزمن عملت فيها في كلية الطب بجامعة صنعاء/اليمن، انضممت إلى هيئة التدريس لمدة تقارب السبع سنوات، كانت إضافة حقيقية لتجربتي في الحياة، والتعامل مع أفراد من شعوب مختلفة. وقبل ذلك تعرفت على الخلق السوداني الرفيع، عكسه اطباء عظماء أتوا من بلادي ليفيدوا أهل اليمن بعلمهم الغزير، كنت المرأة الوحيدة التي تعمل في ذلك المجال، ودام ذلك لاكثر من ثلات سنوات حتى انضمت لنا الدكتورة فوزية كرئيسة لقسم التمريض وهي سودانية، كانت مثالاً يحتذى به في التفاني والانضباط. تلتها مساعدة لها كانت مثالاً لربة المنزل المجهجهة. كنت ادخل عليها في مكتبها أحياناً والذي كانت تحرص على اغلاق بابه بالمفتاح دائماً لأجدها "تورق ملوخية"، أو " تقمع بامية" للاستفادة من الوقت كما تدعي!. بعدها انضم لهيئة التدريس عدد من السودانيين من اختصاصيي التشريح وغيره، ثم فني المشرحة محمد آدم، أو سفاح اليمن كما أطلق عليه ذلك الاسم، وكما يعرفه به أهل اليمن حتى اليوم. محمد آدم شاب خلوق وخجول ولا يرفع عينه في عين أي احد، عمله بالمشرحة يعرضه للتعامل مع أعداد كبيرة من الطلبة بالإضافة إلى زحمة العمل وضغوطه، كل ذلك لم يغير في طبعه أي شيء، كان هادئاً وصبوراً دائماً. كانت المشرحة وشعبة الكيمياء حيث اعمل في نفس الطابق، وكان مكتبي في الطابق أعلى المشرحة، لذا كنت أمر أحياناً أمام المشرحة، وكان محمد آدم يحرص على إلقاء السلام بأدب جم اسمع منه همهمة فقط "،،،،،،،،، دكتورة"! يبدو أنه كان يلوك باقي التحية. واذكر أنه ذات يوم وصل بي الإرهاق قمته، وكنت على وشك ولادة ابني عمرو، وصادفته فأسرع بإحضار كرسي وساعدني على الجلوس داخل المشرحة، وعندما بدأ في ادخال الجثث لم أتحمل المشهد فانسحبت دون أن أخبره. كنا عندما نلتقي نحن السودانيين في مكتب احد الزملاء بالكلية، كان هو الذي يعد الشاي للجميع، ويختار ركنا قصيا، ليس لانه اقل منا من حيث الدرجة الوظيفية، إنما كان واضحا بسبب حيائه الشديد. كان متعاوناً تماماً مع جميع الطلبة وكان يقضي في الكلية ساعات أكثر من ساعات الدوام المحددة في العقد لمساعدة الطلبة وذلك دون اجر إضافي، وهذا ما جعل تواجدنا معاً لأوقات طويلة في نفس المبنى ونفس الطابق، خاصة عندما كان يبدأ دوام عملي بعد الظهر. حقيقة،، كانت كلية الطب تعج "بالحور العين"، كان فيها طالبات من أجمل بنات حواء، من مختلف الجنسيات اشهرهن السوريات، اليمنيات، الفلسطينيات ثم العراقيات. وبحسب الدرجات العلمية التي كن يحصلن عليها، كان واضحاً أن الغالبية العظمى منهن قد دخلن الكلية " بالواسطة"، واذكر أن مدخل الكلية عادة ما يعج بالطالبات ثم يختفين، لا ادري اين يذهبن، ولكن بكل الأحوال لم تمتلئ بهن القاعات. بعد حرب اليمن، تركت العمل بالجامعة والتحقت بالأمم المتحدة فانقطعت اخباري عن زملائي، وهم كذلك، حتى دخل علي زميل حاملاً الجريدة اليومية وعنوانها الرئيسي "اعدام السوداني (السفاح) الذي قتل أكثر من 200 طالبة بكلية الطب !"تفاوت عدد الضحايا من صحيفة لأخرى، ولما شاهدت صورة محمد ادم ذهلت! لم اصدق! ولكن كان كل شئ قد حسم. الصحفية السودانية عايدة عبدالحميد، ناضلت من خلال صفحات مجلة "سيدتي" لإنقاذ حياة الرجل لقناعتها ببراءته، وقيل إن السلطات اليمنية طلبت منها مغادرة اليمن، ورحلت إلى القاهرة والله اعلم. أرسلت السفارة السودانية مندوباً عنها لحضور جلسات المحاكمة وقد جلس متفرجاً طوال الوقت، وعندما نطق؛ صفعه عم القتيلة رقم (2) عراقية الجنسية فانسحب دون رجعة! وانتهى دور السفارة في قضية مواطن سوداني خارج الوطن! بالطبع تم استجواب كل من تعامل مع محمد آدم طوال فترة عمله بالكلية، وعندما ورد اسمي تبرع احد أعضاء السفارة برواية مفادها أنني غادرت اليمن نهائياً واستقر بي المقام بهولندا!!، لا اعلم لماذا هولندا بالذات؟! ولا ادري لماذا نسجت السفارة هذه الرواية؟؟ المهم، تمت محاكمة محمد آدم وأدين وصلب واعدم في مدخل جامعة صنعاء أمام حشد غفير من الناس، بعد أن حاولوا قبلها تفجير قاعة المحكمة حينما كان يحاول أن يدفع ببراءته! قالوا انه قتلهن جميعاً، لكن بعضهن ظهر قبل وبعد إعدامه!! قالوا انه فقط كلف بالتخلص من الجثث بعد أن قتلت الضحايا على أيادي سفاحين حقيقيين! استغلوا سلاح المال والجاه في العبث بشرف بنات ضعيفات نفوس وذوات حاجة! قالوا انه دفعت له مبالغ طائلة ليغطي على جريمة لم يرتكبها!. للعلم ما كان يدفع له كراتب شهري كان يساوي ثروة بالنسبة له ولاسرته الكبيرة الممتدة، خاصة بعد أن شاهدنا حال أسرته عبر التلفاز، كلما أتذكر تلك الأحداث اشعر بحسرة كبيرة دواخلي، تؤكد لي أن محمد آدم كان ضحية لعبة قذرة. وبعد أن خرجت الصحف اليمنية لتؤكد أن العملية كلها أكذوبة وان السفاحين الحقيقيين تحميهم السلطة ويحميهم الجاه، بعدها شكك اليمنيون في صحة الرواية الرسمية وعادوا لطبيعتهم السمحة في التعامل مع السودانيين المقيمين في اليمن، بعد أن أساء بعضهم لنا ونسي التاريخ المشرف للإنسان السوداني في اليمن، لكن والحمد لله كانت سحابة صيف. في النهاية، ماذا أراد محمد آدم أن يقول؟ أو ما كان دوره في هذه اللعبة القذرة؟ لا يعلمه إلا الله ثم هو ومن تسترت عليهم السلطات اليمنية بسبب انتمائهم للحزب الحاكم آنذاك! لكن أقولها حتى آخر لحظة، ذلك الإنسان الخلوق الخجول، لا يمكن أن يقتل نملة، وما كان يعطى له مقابل عمله كان يكفيه وأسرته بسخاء، وشهادتي لله،، تحياتي،،