حين تكون محباً لبلدك ترى كل شيء فيه جميلاً ألم تسمعوا ب (القرد في عين أمو غزال). ما أشكر عليه الله يومياً في سري وجهري وفي قيامي ومنامي وهجعتي وقعودي أنه جعلني سودانياً وصهر بقدرته مكامن المحبة في داخلي فجعلني استعذب الحر اللافح والحياة المتأرجحة بين الصعود والهبوط التي تتخذ طابع السديم بعض الأحيان. بذلك القلب المحب والعين غير الكليلة أقرأ الصحف وأتابع القنوات السودانية وأندغم في المجالس وأهاتف ويهاتفونني أتجول وأنساب، أتدفق واحتشد وأفتح الأخيلة لما وراء الميتافيزيقيا. غابت هذه المفردة طويلاً يبدو لأن كل شيء صار واقعياً!! مساء الخميس بعد منتصف الليل كان جمال وتألق من نوع خاص جلست على يمينه الشاعرة الصادقة روضة الحاج وجلس أمامها وأمام كاميرا الشروق صديقي الروائي العالمي إبراهيم إسحق.. إبراهيم مظلوم نقدياً ومهضوم إعلامياً رغم نوابضه ذات الاقتدار. كان الحوار جزلاً ومتفتحاً وصائباً وموحياً، لعل المحاورة بإلمامها الحقيقي بالنص أمومة وأبوة أدارت الحوار على نحو التمكن الهادف والاستطراد الفريد.. طافا بالحكايات الشعبية في إفريقيا تلك دراسة مقدرة أنجزها إبراهيم إسحق في سبعينات القرن الماضي واقترحتها أنا ابن العشرينات في ذلك الأوان لصلاح الدين الفاضل فأخرجها بإعداد وقراءة إبراهيم إسحق وإشرافي فكانت شامة أدبية و فلكلورية وثقافية في ذلك الأوان. تناولا المدينة بوصفها الحاضن الطبيعي للفن الروائي لما تتمتع به المدينة من غليان وفوار وضجة وأمراض وأماني، لكن روايات الريف كانت هي الأعمق والأخلد جيمس جويس، ووليم فوكز، والطيب صالح وإبراهيم إسحق نفسه الذي نقل لنا عوالم (ودعة) ومهرجانات المدرسة القديمة وتقوى (الميما) البرنامج عنوانه (سفير المعاني) وكان إبراهيم سفيراً فوق العادة - الرصانة والتطواف النقدي السديد والرؤيا الصافية العارفة لمقاصدها والمصيبة بحذف أهدافها دون تردد.. وكانت روضة تجادل مجادلة المحاور ذي الشراكة الأصيلة، فالرواية أيضاً ميدان من ميادين الشعر حين يكون السرد المنالوجي جارياً على قواعد الشعرية. كانت هنيهات من ذوات (البرهة القليلة) يسرتها لنا روضة مع إبراهيم إسحق فكان الإمتاع طابعها ومحبة السودان نتيجتها.. أيها الوطن المتجدد بالجمال إنى أجدد لك محبتي ومحبة من ينهضون على إعلاء قيم الجمال.