نقلت رويترز في 6/3/2015م تصريح وزير الخارجية السوداني قائلاً: "إن الدول الثلاث توصلت لتوافق على المبادئ التي تحكمنا في كيفية الاستفادة من حوض النيل الشرقي وسد النهضة الإثيوبي... الوثيقة تمثل بدء صفحة جديدة في العلاقات بين الدول الثلاث"... وقال وزير الموارد المائية المصري حسام مغازي في ختام المباحثات التي أجريت في الخرطوم: "إن الدول الثلاث توصلت إلى اتفاق مبدئي على آلية لتشغيل سد النهضة... تم الاتفاق بخصوص المسار السياسي"، وأضاف: "إن المبادئ التي تم الاتفاق عليها تختص بنظم وآلية تشغيل سد النهضة وآلية التعاون فى هذا السد... لكنه أثار مخاوف في مصر التي تعتمد بشكل شبه حصري على نهر النيل في الزراعة والصناعة ومياه الشرب لسكانها الذين يتزايدون بمعدل سريع...". وسد النهضة الكهرومائي الذي تبنيه أثيوبيا بتكلفة قدرها 4 مليارات دولار؛ سيكون الأكبر في أفريقيا والعاشر عالمياً، وسيولد كهرباء ستباع إلى دول بعضها بعيدة جداً عن حوض النيل مثل جنوب أفريقيا والمغرب، ويهدف المشروع الذي تشيده شركة ساليني امبرجيلو الإيطالية إلى إنتاج 6000 ميجاواط من الكهرباء... فما هي حقيقة هذا المشروع؟ ومن وراءه؟، سنحاول في هذه المقالة الإجابة على هذه الأسئلة: الحقيقة أن المشروع قديم جديد، وأنه مشروع بتخطيط وإيعاز من كيان يهود؛ طفل أمريكا المدلل!... وهذا المشروع صرحت به أثيوبيا وبدأت في التخطيط له منذ عام 1975م ويؤكد ذلك تصريح مستشار الشؤون العسكرية اللواء يحيى مازن: »إن أثيوبيا فكرت في سد النهضة بعد استلام السادات للحكم وتحديداً في 1975م« [المصريون 03/06/2013]... وهو مشروع أمريكي قديم، فأمريكا اللاعب الأكبر في المنطقة تهدف من اطلاق اليد لكيان يهود صنع حرب مياهٍ في المنطقة، ومن ثم بعد تأزم الحرب تأتي هي لإدارة الأزمة كعادتها، فتبتز كل الأطراف لتحقيق مصالح امبراطورية العم سام!، ويؤكد ذلك تصريح خبير المياه (د. أحمد مغاوري) قائلاً: «واشنطن وتل ابيب تسعيان لجر مصر الى مستنقع حرب لا ينتهي في منابع النيل، وكشف عن تحرك واشنطن مبكراً في اثيوبيا منذ الستينيات» [أ.ف.ب 03/10/2010م]، وأمريكا كانت قد بدأت هذه التحركات قديماً وتحديداً منذ 1962م حينما قدمت دراسات تفصيلية لاثيوبيا لإنشاء 33 سداً على مجرى النيل وبعد ذلك بسنوات عرضت فكرة السدود على كينيا واوغندا، ولعلم أمريكا بسيلِ لعاب يهود تُجاه قضية المياه فقد أطلقت لهم العنان، في حربها هذه، فهي تعلم بأن مطامع يهود في مياه النيل قديمة، فقد تقدم يهود في بداية هذا القرن بمشروع إلى (اللورد كرومر) المندوب السامي البريطاني في مصر لهذا الغرض، وأعلن أول رئيس وزراء لكيان يهود (دافيد بن غوريون) عام 1955م: «إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير "اسرائيل"، وإذا لم ننجح في هذه المعركة فلن نبقى في فلسطين»، وفي عام 1974م قام مهندس يهودي (إليشع كيلي) بتصميم مشروع لجلب المياه "لإسرائيل" من مصر، ويتلخص المشروع بالنسبة لنهر النيل في توسيع ترعة الإسماعيلية، حتى يزيد معدل تدفق المياه داخلها إلى 30 متراً مكعباً في الثانية، ونقل هذه المياه عن طريق سحارة تمر أسفل قناة السويس وصولاً لتل أبيب، ويسعى كيان يهود وفق هذه الخطة إلى الحصول على 8 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً... فتوصل يهود إلى أنهم لن يتمكنوا من النجاح في خطتهم إلا إذا صنعوا طوقاً من الحلفاء حول بلاد المسلمين، وهذا ما كان؛ فقد صرح (دافيد بن غوريون) عام 1956م بأن من ثوابت السياسة الخارجية ليهود: «سياسة القفز فوق الحواجز الاقليمية لبلدان الطوق»،... وهكذا بدأ كيان يهود في تجييش الحلفاء لاستخدامهم أداة لتحقيق مطامعه بعد أن أخذ الضوء الأخضر من أمريكا، وقد كشف المحلل السياسي الأميركي (مايكل كيلر) عن اجتماع عقد في تل أبيب مع وزراء إثيوبيين: «يقوم على إقناعهم باستكمال السدود على النيل لحجز المياه وضبط حركة المياه تُجاه السودان مقابل وعد إسرائيلي لهم بمعونة مالية تفوق المائتي مليون دولار، بالإضافة لأسلحة ثقيلة وطائرات F16» [صحيفة راندي ديلي ميل 20/05/2007م]، وظهر أول تمرد حقيقي على اتفاقيات 1929م واتفاقية 1959م، حينما وقعت ثلاث دول بزعامة إثيوبيا (اتفاقية عنتيبي) في 14 مايو 2010م، متحدية مصر والسودان، ثم لحقت بهم صديقة "اسرائيل" جنوب السودان فصرح وزير خارجيتها: «إن دولته غير ملزمة بالاتفاقيات السابقة للمياه مع مصر والسودان» [رويترز 11/12/2011م]. إن بصمات كيان يهود في "سد النهضة" لا تُحصى!، حتى أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا: «حذرت من أن إسرائيل تشارك في بناء السد وإن المتعاقد الأول شركة (ساليني) الإيطالية على علم تام بمشاركة إسرائيل، وتساهم في بنائه أيضاً شركة (ألستوم) الفرنسية المتورطة في العمليات الاستيطانية بالقدس، وقد اتصلت المنظمة بسفارة أثيوبيا لشراء السندات لتمويل السد، وتبيّن لها أنها متوفرة في اسرائيل فقط لأنها الشريك الأساسي!» [القدس العربي 04/06/2013م]، وأخيراً إذا عرفنا أن إثيوبيا لا تحتاج للماء إذ أن 98% من احتياجاتها المائية تأتيها عبر الأمطار!، وبخصوص الكهرباء فهي لا تحتاج للستة آلاف ميجاواط، ويوافق ذلك تصريح الخبير بإدارة حوض النيل (د. هاني رسلان): «لديهم مخطط 30 سدا لتوليد حوالي 75 مليون ميجا واط من الكهرباء، أي ما يعادل أربع أضعاف احتياجاتهم!» [صدى البلد 31/05/2013م]، فكل هذا يؤكد أن السد ليس لتوليد الكهرباء أو الزراعة وتخزين الماء كما يزعمون، بل هو ابتزاز أسود للأمة الإسلامية بأيد يهودية ومباركة أمريكية!. الأدهى والأمر هو أن السد سيحتجز 74 مليار متر مكعب، ما يفوق حصة مصر من المياه البالغة 55,5 مليار متر مكعب سنويًا! فإذا احتُجزت المياه كاملةً لملء مخزون السد فسيؤدي هذا إلى نقص طاقة السد العالي بنحو 25 إلى 40%، فينتج عنه ظلام دامس في محافظات صعيد مصر، وتصحر حوالي 5 ملايين فدان، وارتفاع الملوحة في الدلتا عند مصب النيل! وإذا ما رفضنا حينها إعطاء يهود ماء النيل أو الرضوخ لبعض الضغوط الخارجية، فبإمكانهم ابتزازنا عن طريق تحكمهم في مياه سد النهضة، أو حتى تدميره في حالة وقوع حرب معهم، مما يؤدي – حسب رأي الخبراء - لانهيار سدود السودان الثلاثة الروصيرص، ومروي، وسنار، وستختفي مدينة الخرطوم عن الوجود تماماً، كما ستندفع المياه بسرعة جنونية لتصل السد العالي بمصر في أقل من 18 يوماً، علماً بأن متانة سد النهضة في تصميمه لا تزيد عن درجة واحد من تسع درجات، ما يعني أنه بناء ضعيف مهترئ، وكأنه بني لينهار عند أقل ضربة أوهزة! ثم لقربه من الحدود السودانية (حوالي 20 كم) فإن أثيوبيا لن تتأثر حال انهياره، بل القارعة كلها ستقع على السودان ومن ثم مصر، فماذا سيفعل البلدان ؟!. مهندس. محمد هاشم مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير/ ولاية السودان