الصين أكبر دولة في ناحية تعداد السكان في العالم ، يبلغ عدد سكانها حوالي 1.450 مليار في نهاية العام 2010 ، وبذلك تعتبر الصين من الدول عالية الكثافة السكانية، حيث تبلغ 218 فرداً في كل كيلومتر مربع ، بينما الكثافة في المناطق الساحلية الشرقية 460 فرداً في كل كيلومتر مربع ، يقيم ربع سكان الصين في المدن والباقون في الأرياف، ازدياد السكان سريع بالصين حيث تبلغ نسبة الزيادة الطبيعية للسكان 26.08 في الألف ، حيث كان عدد السكان 540 مليون نسمة عام 1949 . طبقت الدولة سياسة تنظيم الأسرة منذ سبعينيات القرن الماضي، وأصدرت قانون الطفل الواحد لكل أسرة مع معالجات خاصة للأسر التي تمارس مهنة الزراعة، وللمسلمين وبذلك أمكن خفض نسبة الزيادة الطبيعية للسكان إلى 10.06 في الألف، فتم تقليل زيادة 260 مليون نسمة في أكثر من 20 سنة . الصين دولة موحدة متعددة القوميات، فيها 56 قومية، أكبرها قومية هان ويشكل تعداد سكانها 92% من سكان الصين، بينما تشكل القوميات الخمس والخمسون الأخرى 8 % من سكان الصين، وذلك لقلة عددها وتسمى الأقليات القومية . كل قومية عضو من أعضاء أسرة الأمة الصينية، وسياسة الدولة في هذا الشأن هي، المساواة بين كل القوميات، وكفالة كل الحقوق والمصالح الشرعية لمختلف القوميات، ومنع التعصب العرقي والاضطهاد القومي ضد أي قومية، وحظر الأعمال التي تهدد التضامن بين القوميات، ومعارضة نزعة القومية الكبيرة ونزعات القوميات المحلية، وتتمتع كل قومية بحرية واستخدام وتطوير لغتها المنطوقة والمكتوبة، وبحرية الحفاظ على عاداتها وتقاليدها، ونظام الحكم الذاتي الإقليمي في مناطق الأقليات القومية، ليمارس أبناؤها سلطة الحكم الذاتي، ويديروا شؤونهم القومية المحلية . تم مزج النسيج الإجتماعي الصيني من خلال نظرية المجتمعات المتناغمة، وهي تُعنى بخلق فرص للتعايش بين الأقليات القومية المختلفة، على أساس المواطنة وحق العمل والمهارة في الأداء، دون فوارق دينية أو عرقية أو تنظيمية، وتعمل الدولة على تنفيذ خطط تنمية متوسطة وطويلة المدى وفقاً لخارطة الحاجة الخدمية والعلاجية والتعليمية لكل المقاطعات، والأقاليم، والمحافظات، وفقاً لسياسة مطار لكل مقاطعة، ومستشفى لكل إقليم، وجامعة لكل محافظة، وتتولى السلطات المحلية إنزال الخدمات لأدنى مستوى إداري تحت مراقبة ومحاسبة الحكومة المركزية، وبذلك تتحقق التنمية المتوازنة بحيث لا تتميز مقاطعة أو إقليم أو محافظة عن الأخريات في منشأة خدمية أو مباني حكومية أو مجمعات سكنية ، بل عمدت الحكومة الصينية على تجميع المهندسين والعمال من كافة أنحاء البلاد بحيث ينفذ المشروع المحدد في كل مقاطعة، ويتم الانتقال للمقاطعة الأخرى، وهكذا يحدث التناغم المجتمعي المطلوب، والتنمية المتوازنة المنشودة، مع قناعة أفراد الشعب بكل مكوناته القومية بأن ما يقوم به هو عمل وطني في إطار الوطن الواحد، وأن مقاطعته تنال حظها وفقاً لخارطة الحاجات، لا وفقاً لشطارة رئيس المقاطعة أو المحافظة، وقدرته على جلب المال، وعلاقاته الرأسية أو الأفقية ، والتي إن استعان بها كانت سبباً في خروجه عن اللوائح والقوانين وبالتالي فقدان منصبه إلى غير رجعة . هذه السياسة أدت إلى انعدام الاضطرابات والصراعات القومية والجهوية، وتفرغ الدولة للبناء والتحديث حتى أصبحت الصين الدولة الأولى المصدرة في العالم أمام ألمانيا، وثاني اقتصاد عالمي خلف الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأهم الخواص الرئيسة للحداثة الصينية تتمثل في الآتي، أولاً، الصين ليست دولة قومية، بل دولة حضارة جاءت نتاج للحضارة الصينية التي يزيد عمرها عن 5000 سنة، كانت الدولة الامبراطورية سبباً لتوحيد الصين، ثم جاءت الثورة القومية في 1911، وأعقبتها الحقبة المايوية في 1949 ، ظلت الكونفوشية وتعاليمها تشكل جوهر تفكير الصين وسلوكها حتى اليوم، ثانياً العلاقة بين الصين ودول شرق آسيا تقوم على أساس الدول التابعة، حيث من المحتمل أن تتخطى الصيناليابان، وتستعيد موقعها بصفتها مرتكز الاقتصاد في شرق آسيا، ثالثاً، هنالك التوجه الصيني المتمايز من العرق والإثنية، حيث ينظر الهان وهم أكبر قومية صينية إلى أنفسهم باعتبارهم عرق واحد، وساعد طول تاريخ الحضارة الصينية في صهر تلك الأعراق والقوميات المختلفة والتحامها، وأصبحت تشكل دعامة قداسة وحدة الصينيين . رابعاً، مساحة الصين تعادل مساحة قارة، ولها عدد سكان هائل، الأمر الذي يجعل من وحدتها ظاهرة استثنائية، ولذلك تحكم وفقاً لإلزامات البلد الواحد والبلدان المتعددة، وفقاً لمفهوم ( حضارة واحدة، أنظمة كثيرة )، وكما شهد العالم عام 1997 عند تسليم هونج كونج إلى الصين تحت شعار ( بلد واحد ونظامان) ، خامساً، طبيعة النظام الصيني على قدر كبير من التمايز والخصوصية، وعلى النقيض من التجربة الغربية، كما أن التعاليم الكونفوشية لم تطلب أن تكون الدولة مسؤولة أمام الشعب، بل أصرت على أن تلتزم بالمبادئ الأخلاقية الكونفوشية، إلا أن الدولة تظل موضع تبجيل، فوق المجتمع، رفيعة المكانة وينظر إليها على أنها تجسيد لما عليه الصين وضمان لاستقرارها ووحدتها، سادساً، تتميز الحداثة الصينية كمثيلاتها شرق الآسيوية، بسرعة تحول الدولة، كما أنها، وبخلاف التجربة الغربية تجمع بين الماضي والمستقبل في آن كجزء من الحاضر، وهذا هو سبب العبقرية الصينية في النهوض الهائل عقب الثورة الثقافية عام 1979 . سابعاً، ظلت الصين منذ العام 1949 تحت حكم النظام الشيوعي، ومن المفارقات أن شهد أهم تاريخين في نصف القرن الماضي حادثين يبدوان متناقضين تماماً، إذ شهد عام 1989 انهيار الشيوعية الأوروبية ومعها الاتحاد السوفيتي ، وشهد عام 1979 بداية أكبر تحول اقتصادي في التاريخ، والذي أشرف عليه حزب شيوعي آخر، بيد أنه وفي ضوء التجربة الصينية الحديثة، ينبغي النظر إلى الشيوعية الصينية بأسلوب فيه الكثير من ملامح التجربة الغربية، إذ إن الحزب الشيوعي الصيني يختلف تماماً عن نظيره السوفيتي وقد اتبع منذ العام 1979 استراتيجية مختلفة كلياً، وأبدى مرونة وبراجماتية لم تعرفها الشيوعية السوفيتية، حيث أقام دولة الصين الحديثة وأعاد إحياءها، وتوحيد الصين بعد قرن من التفكك . ثامناً، لعقود قادمة، ستجمع الصين بين خصائص الدول المتقدمة والنامية، ويعتبر هذا وضعاً فريداً بالنسبة لقوة كوكبية رئيسية، وهو ناجم عن أن التحديث لابد أن يكون عملية مستمرة بسبب حجم الصين القاري، والنتيجة هي حداثة يشوبها تراث يستلزم المحافظة عليه من أجل السياحة، وتعريف الأجيال القادمة بحضارة وتاريخ هذا البلد القارة . إذا كانت الدول المتقدمة قد شكلت القرن العشرين، فعلى الأرجح أن تكون البلدان النامية، هي التي ستشكل القرن الحادي والعشرين، ونحتاج في السودان إلى الاهتداء بتجربة المجتمعات المتناغمة، والتنمية المتوازنة، للنجاح في إدارة التنوع، والحفاظ على الهوية السودانوية، والعبور إلى ضفاف الأمن والسلام ، والتخلص من سرطان القرن بالسودان، وأعني الصراعات القبلية، التي ستأكل مايتبقى من هذا الوطن، وأمامنا تحدي تنفيذ مراحل العلاج الأربع (الاعتذار والمصالحة، الديات والتعويضات، جمع السلاح وتقنين حيازته، الفصل في الحواكير بمبدأ الأرض للوطن وليست للمواطن ) .