لقد وصلت الى قناعة تامة بأنه بات من الضروري أن تتحول هيئات الرقابة الشرعية الخاصة بالنظام المصرفي أو على أعمال التأمين الى هيئات بحثية فى القضايا الدينية فى تلك التخصصات بدلا عن الفتوى الملزمة. فعلماؤنا الشرعيون الأجلاء قد يعرفون كثيرا من القضايا الفقهية ولكني أجزم أنهم فى حاجة ماسة لمعرفة الاقتصاد الحديث الذى يختلف اختلافا كبيرا عن الاقتصاد فى عصوره القديمة الذى لم تواجهه القضايا المعاصرة المعقدة التى ينبغي أن تعالج بمنهجية واجتهادات ورؤى جديدة تقوم على فقه المصالح المرسلة أكثر من الفتاوى الضيقة. الذى دعاني لكتابة هذا الموضوع الهام هو وقوفي شخصيا خلال الأيام الماضية على بعض الفتاوى التى أصدرت إحداها الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين وأخرى قرأتها الأسبوع الماضي لفتوى من هيئة الرقابة الشرعية لبنك السودان تحرم فتح البنوك الشمالية الإسلامية فى الجنوب الذى يعمل بنظام الفائدة والتى تعتبرها هيئة الرقابة ربا. ثم هناك فتوى مشهورة صدرت عقب الندوة الخاصة بموضوع تمويل المشروعات التنموية لدولة السودان بالقروض ذات الفوائد والتى التأمت فى الخرطوم فى يناير الماضي وحضرها بعض فقهاء الشريعة وخبراء اقتصاديون من داخل السودان وخارجه حيث أثير موضوع القروض التنموية فى المجلس الوطني وثارت حوله زوبعة كبيرة بين محلل مؤيد لها ومحرم رافض لتك القروض التى تتحمل فوائد. أما فتوى الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين فقد أفتت فتوى غريبة على طلب تقدمت به شركة البركة للتأمين حول حصول شركات المقاولة على ضمان من شركات التأمين عند دخولها فى العطاءات التى تطلب منها الجهات الطارحة للعطاءات ضمانات ابتدائية أو ضمانات الدفعة المقدمة أو ضمانات حسن الأداء حيث أن الشركات السودانية تنافس الشركات العالمية فى تلك العطاءات الضخمة التى قد تصل لمئات الملايين من الدولارات وتعجز البنوك السودانية بحكم ضعفها المالي ورأسمالها القليل عن تقديم ضمانات مصرفية بذلك الحجم ومن ثم تفقد الشركات السودانية العطاءات وتصبح من نصيب الشركات الأجنبية.(مثال التمويل الكويتي لصندوق إعمار وتنمية شرق السودان). ويمكن أن ينسحب ذلك على ضمانات شركات التأمين على المرابحات صغرت أم كبرت. ولك أن تتصور عزيزي القارئ الفتوى المناقضة لروح الطلب والتى أصدرتها الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين التى وافقت من حيث المبدأ على استثناء الشركات السودانية للحصول على ضمانات شركات التأمين بشرط (ألا تعود شركات التأمين أو إعادة التأمين فى حالة سداد المطالبة لخطابات الضمان على الشركة المضمونة حتى لا يكون فيه احتمال القرض) كما أنه لا يجوز لشركات التأمين أخذ أجر على الضمان الذى تقدمه لأن أخذ الأجر كما فهمت من هيئة الرقابة لا يجوز شرعا وإنما هو من باب المروءة فقط؟! وهنا ينشأ سؤال لماذا لا تشترط هيئة الرقابة على البنوك حين تصدر خطابات ضمانها ألا تعود على الشخص المضمون حين يعجز عن الوفاء ولا تطالبه بالوفاء كما لا تأخذ منه أي أجر او حتى رسوم خدمات أسوة بشركات التأمين؟ لو حدث ذلك لأحجمت البنوك عن تقديم أي خطاب ضمان ولتوقف نصف العمل المصرفي.. نواصل غدا.