* لم يكن إنفصال جنوب السودان حدثاً يمكن عزله من الواقع السياسي والإقتصادي ، الذى نعيشه بالنظر إلى الآثار وكذلك مايخفيه المستقبل من مصير لأهل الشمال يحسبه الكثيرون ، بأنه مصيرٌ سيعود بنا إلى أيام نحسات ، شهدت إنعداماً للسلع الغذائية ، وشحاً في المواد البتروليه، وتراجعاً في الخدمات ، مما سينعكس حسب رؤية هؤلاء على الإقتصاد ترنحاً وضعفاً ، وعلى الحالة السياسية سيولة غير قابلة للهضم . * وأجد نفسى غير متفق مع الذين يرون ماذكر آنفاً ، ذلك لأن السودان بشكله الحالى الذي نراه بعد إنفصال الجنوب ، يتمتع بقدرٍ من الإنسجام بين بين سكانه من حيث العادات والتقاليد ، وقبل ذلك العقيدة ، وثقافة الأفراد والجماعات ، وتلك ميزة كنا نفتقدها لحين من الدهر طويل ، وطغى في تلك الفترة على مجتمعنا النزاع والخصام شداً وجذباً ، وهو أمرٌ طبيعى عندما نجمع طرفين متناقضين ، إذ لا يستقيم أن يعيش بالدار الواحدة رجالٌ يؤمنون بالله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وآخرون في ركن من أركان المنزل يتمايلون ويرقصون ، وتعربد في عقولهم ماتخلفه معاقرة الخمور من آثار . * وفي المجال الإقتصادى ، قد يرى بعض منا بأننا خسرنا مورداً ضخماً ، وهو النفط ، الذى دفعنا من أجل استخراجه كل الذى نملك ، حتى أصبح حقيقة ، لم نهنأ بعائدها إلا لعددٍ من السنوات قليل ، لكن مقابل هذه الخسارة ، نسى الذين يرون هذا الرأى ، بألا فائدة في مالٍ يجلب لصاحبه الهلع والخوف لأن الجوع والأمن لا يلتقيان ، فالإطعام من الجوع بالضرورة يلازمه أمن من الخوف ، وعليه فإن نفط الجنوب وإن كان من شأنه أن يملأ أرض السودان ذهباً ، لكنه لايساوى شيئاً أمام الثروة البشرية ، والزراعية ، والرعوية ، والمعدنية تلك التى يتمتع بها السودان ، وأؤكد بأن الذى خسرناه جراء إنفصال الجنوب من نفط يمكننا أن نستعيضه في وقت أقصر من المتوقع ، وتصوروا أننا في العام الحالى سنضيف إلى إنتاج نفطنا 65,000 برميل ، والعام الذي يليه قد تكون الإضافة اكبر ، بالنظر إلى الهمة العالية والروح المعنوية الوثابة التى جعلت وزير النفط بسرعه متناهيه يعلن البدء في استغلال البترول الذى ظهرت شواهده في أكثر من ستة مربعات تقع في شمال السودان ووسطه ، ولا أجد أن هناك مايدعو للتشاؤم ، لكنه الأمر الذى من شأنه أن يسكب الطمأنينه في قلوب أهل السودان . * وعندما ندلف نحو الوضع السياسي ، والإدعاء بأن به سيولة ، فالسؤال هنا ، وهو الموجه للمتشائمين على وجه الخصوص ، منذ متى استراح السودان من المعارضات العميلة والأجندات الأجنبية ، وأذكر هؤلاء بأننا نؤمن بأن الضيق واستحكام حلقات التآمر وفقاً لتجاربنا ، يحدث بعدهما الفرج ، وسيرة السياسة ومزالقها وتحديات النظام المسمى دولياً التى لم تتوقف لحظة لإسقاط السودان مجتمعاً ودولة ، لم تؤثر في بلادنا إلا بذلك القدر الإيجابى المشهود في ساحات الإعمار المتزايد ، وحقل الإتصالات النامى، ووفرة الغذاء ومضاعفة الإنتاج . ونحن من المؤمنين بقول شاعر العرب ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لاتفرح * وما النصر والفرج إلا بإذن الله ، إنه نعم المولى ونعم النصير