لا أجد صعوبة في تلمس المصداقية في الوساطة بين الخرطوموجوبا خاصة السيد ثابو أمبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ولكن هذه الوساطة تستحق المراجعة والتقويم بل تحتاج النقد ليعينها في عملها لأنها تتحرك أحيانا لإرضاء الأطراف الاعلى ضجيجا. وتبقى المسئولية على الطرف المتضرر هي إثارة الضجيج ..! ما يحدث في سير المفاوضات الآن فيه خلل جوهري واضح جدا لأن الجهة المعنية هي اللجنة العليا بقيادة أمبيكي وهي لجنة بدأت مسئولياتها بقضية دارفور وعندما إستحسن الإتحاد الإفريقي عملها مدد اجلها وضم إليها ملف القضايا العالقة ثم توسعت رقعة صلاحياتها لتشمل موضوع قطاع الشمال وهو قضية شمالية من حيث الشكل ..! الإعتداءات المتكررة على جنوب كردفان والنيل الأزرق تتبناهها الجبهة الثورية وهي مؤلفة من قطاع الشمال وحركات دارفور الرافضة لوثيقة الدوحة .... وهي حركات مرفوضة حاليا من المجتمع الدولي وأعضاء مجلس الأمن قبل أن تدان من الإتحاد الإفريقي وكل الوسطاء ... ووضعها ليس مثل وضع قطاع الشمال الذي يكتسب قوته وضعفه في آن واحد من كونه جزءا لا يتجزأ من الجيش الشعبي أي انه من بقايا نيفاشا التي ارتضاها السودان لنفسه ولم يتملص من تحمل تبعاتها ... ومن هذا الباب أيدت عبر عمودي هذا إتفاقية (نافع – عقار) التي قبرها المكتب القيادي للمؤتمر الوطني وقد كان تأييدي مقرونا بطلب (جدول زمني مضغوط للترتيبات الأمنية) ..! النقطة المهمة هي أن أمبيكي والوسطاء لا حق لهم في الصمت إزاء (الشق الدارفوري) من الجبهة الثورية حتى وإن تسامحوا مع (الفرقة التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي – قطاع الشمال) ... وعذرهم أن مسئولية تفكيك هذه الفرق تقع على عاتق دولة الجنوب مع (المانحين) وهنالك سبب لمطالبة الخرطوم بالمهلة الزمنية المناسبة لفك الإرتباط ... هاتان الفرقتان لهما حظ في برنامج ال DDR - Disarmament Demobilization and Reintegration وهو نزع السلاح والتسريح وإعادة دمج المقاتلين في المجتمع ولكن حركات دارفور التي رفضت وثيقة السلام لا حق لها في هذا الأمر إلا عبر (الدوحة) بإجماع كل الشركاء ... حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية رددت هذا الحديث في ورشة واشنطون ... حتى المبعوث الأمريكي مستر ليمان قال هذا الحديث وزاده بالإدانة والشجب ضد الحركات للدرجة التي ربط بعض الناس بين حديثه ومقتل خليل لأنه أرسل (الرسالة التحذيرية الأخيرة) ..! السيد أمبيكي له جهود طيبة في محاولات إعادة الثقة وهو رجل ذكي ومنتمي للقارة الأفريقية للدرجة التي جعلت السفير الأمريكي في جنوب أفريقيا يكتب في برقية لرئاسته: (مكار ولكنه ضروري) ومرة ثانية (لا يتقبل الإنتقادات بسهولة وغير متجاوب) ... وغير ذلك من الأوصاف التي تتلخص في أنه لم يدخل في الإبط الأمريكي ولا الأوربي ..! ما يهمنا هنا أنه يجب التحرك المباشر ضد (الشق الدارفوري) وضد إيواء جوبا للحركات المعادية للدوحة ليس حبا ولا عطفا على نظام الخرطوم ولكن لأنها تهزم النجاحات التي أحرزها المجتمع الدولي والافريقي ..!