** هناك حزمة قضايا في حياة الناس حلولها بحاجة الى تكامل أدوار، وليس انتظار جهة واحدة وكأنها تحمل عصا موسى..آفة المخدرات من تلك القضايا يانواب البرلمان، ومكافحتها يجب أن تبدأ بالأُسر ثم ترتقي بحيث تصل قمة السلطات والقوانين المناط بها حماية المجتمع من مخاطرها..لقد ارتفعت نسبة بلاغات المخدرات بوتيرة مزعجة، وكذلك كمية الأطنان التي ضبطتها الشرطة، حسب التقرير الذي قدمه وزير الداخلية لنواب البرلمان منتصف الشهر الفائت.. في العام (2000) لم يتجاوز الحجم المباد (1.2 طن)، ثم ارتفع في العام (2010) الى (12 طن)، وقفز بالزانة الى ارتفاع (34.5 طن) في العام (2011)..علما بأن الحجم المباد في كل عام جزء من الكل المتداول في البلاد، تعاطياً وتجارة، أي ماتسرب أعظم.. تلك القفزة مزعجة، وكان على نواب البرلمان أن يصبوا جام غضبهم على الأسباب وأطرافها المسؤولة، ولكنهم بدلا عن ذلك صب بعضهم جام غضبه على وزير الداخلية وتقريره، ربما عملاً بنهج الملك نعمان الذي كافأ المهندس سنمار برميه من قمة قصر شيدته عبقريته بمهارة وإخلاص..!! ** لوكان وزير الداخلية مراوغا، أو من هواة دفن الرأس في الرمال بالتقارير الكذوبة، لذهب الى البرلمان بتقرير يقول محتواه : ( نسبة بلاغات المخدرات بسيطة خالص، وكذلك الكمية المبادة، زي خمسين طن تقريباً، يعنى مافي عوجة)، ولكنه لم يفعل ذلك، بل واجه البرلمان والرأي العام بحقائق الأرقام التي تشير الى ارتفاع نسبة البلاغات والكميات التي تم ضبطها، ولهذا هاجموه بمظان العجز عن التصدي لآفة المخدرات، ولا أدري لماذا؟..عفواً، ربما ضبط تلك الأطنان والقبض على تجارها أزعجهم، بحيث يريدون أن تكون الكمية المضبوطة أقل من ذلك بكثير لكي لا تكون خصماً من الكمية المتداولة في المجتمع، وغير هذا لا نجد تفسيراً منطقياً لهجومهم الغريب على وزير الداخلية وشرطته..يا سادة ياكرام، بالمنطق كده : ارتفاع نسبة بلاغات المخدرات تعني يقظة الشرطة وغفلة جهات أخرى ومنها الأسر ومنظمات المجتمع المدني ودور العبادة والتربية والتعليم والنهج الاقتصادي الذي يُفرخ العطالة ويكرس الفراغ في أوساط الشباب، وكذلك ارتفاع حجم الكميات - 34.5 طن - التي تم ضبطها خلال العام الفائت تعني يقظة الشرطة وغفلة تلك الجهات الأخرى.. واتهام الوزير والشرطة بالعجز عن التصدي لمخاطر المخدرات، لأن تقريرهما شمل تلك الأرقام الضخمة، دليل بأن البرلمان إما يريد تقارير غير صادقة أو ينتهج نهج (الغلبتو مرتو، يسدها في حماتو)، فالغضب يجب أن يكون على الأسباب التي رفعت نسبة التعاطي، بحيث تكون الكمية المضبوطة ( 34.5 طن)، وليس على الذين رابطوا وساهروا وأنجزوا بحماية المجتمع من مخاطر ( 34.5 طن ) ..!! ** والمدهش جداً - يومئذ - لم يكتف هجومهم على تقرير وزير الداخلية بسبب تلك الأرقام فحسب، بل هناك من تمادى في الهجوم غير المنطقي حين ذكر التقرير عدد شهداء الشرطة أيضاً، نسأل الله لهم الرحمة ولأسرهم الصبر الجميل..(المرحوم غلطان)، أو هكذا كان لسان هجومهم، وبتبرير مفاده (هناك خطأ في السياسات والإشراف)، أو كما قالت سامية هباني ..لو ذهبت سامية الى دارفور على سبيل المثال، وشاركت مع الشرطة في معارك حماية أسواق أم دافوق من هجوم جماعات سودانية مسلحة، لعرفت سر ارتفاع أعداد الشهداء، ولقالت ( أحسنتم عملاً وأثابكم الله)، ولكنها تتحدث من قاعة البرلمان الباردة، حيث الشرطي في ناظريها هو فقط من يحرس مدخل تلك القاعة، وربما مدخل بيتها.. الشرطة في السودان تدفع ثمن أخطاء الساسة، ولذلك هي إحدى ضحايا الوضع السياسي الراهن، وذلك بتحملها ما لا تطيقها شرطة البلاد الأخرى..يعني بالواضح كدة : (شهداء الشرطة ديل ما كتلتهم ست عرقي بجردل مريسة ولا همباتي بعكاز مضبب)، ولكن تغدر بهم راجمات ولاندكروزرات جماعات وحركات - ربما لم تسمع بها سامية هباني - وهم يؤدون واجب حماية المجتمع وممتلكاته في الولايات والمدائن والأرياف التي لا تفارق سيرة أمنها الإذاعات والفضائيات.. وعليه، إن كان للبرلمان شجاعة مسؤولة فليدفع أجهزة الدولة وصناع القرار الى اتخاذ نهج يوفر مناخ الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في طول البلاد وعرضها، وإذا توفر هذا المناخ المرتجى فلن تفقد الناس والبلد الأعزاء من أبنائها - شرطياً كان أو مدنياً - على مدار العام..!!