عضو هيئة المستشارين بمجلس الوزراء د. الكندي يوسف ل(السوداني) الوضع الاقتصادي كارثي لم نشهده من قبل التفاوض مع الجنوب بشأن تأجير الخط الناقل ضروري لابد من إعادة النظر في هيكل الحكم الاتحادي كله يجب إلغاء الولايات والاستعاضة عنها بمحافظات ثلاثة ملايين عامل بالحكومة (250) الف معاشي الخبير والمستشار الاقتصادي د. الكندي يوسف محمد عثمان رجل عرفته حكومة الإنقاذ منذ يومها الأول من مجيئها، وعينته أول وزير مالية بولاية الخرطوم ثم وكيلا لوزارة التجارة والتعاون والتموين، ووزيراً مكلفاً بها، ثم مديراً عاماً للبنك الزراعي السوداني، وغيرها من المهام الحكومية، آخرها وكيل رئاسة الجمهورية (2002 – 2010) وحاز على وسام الجدارة من رئاسة الجمهورية، وهو الآن عضو هيئة المستشارين قطاع الاقتصاد والأعمال بمجلس الوزراء، وعضو المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي، ورئيس مجلس الصمغ العربي السلعي بوزارة التجارة، وعضو مجلس الصمغ العربي التابع لرئاسة الجمهورية، ورئيس دائرة التجارة والاستثمار بمركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث، كما عرف عنه أنه من الباحثين الذين لا يشق لهم غبار بعدد من مراكز البحوث والجامعات، وعضو المنظمة الامريكية للمهنية، وكانت الحكومة توكل عليه إجراء الدراسات المعمقة للقضايا التي تريد إصدار قرارات بشأنها، أشهرها تلك الدراسة التي عرفت اصطلاحاً بتقرير الكندي والخاصة بالإصلاح الإداري بمشروع الجزيرة.. حاورته (السوداني) حول ما يجري في الساحة الاقتصادية من اضطراب، ومهددات، لمعرفة وجهة نظره فيها، فإلى ما جاء في الحديث. حاوره: أنور شمبال تصوير: أحمد طلب *تعج الساحة الاقتصادية بقضايا شائكة وملحة في نفس الوقت ما قراءتك لها؟ ما يحدث الآن حقيقة تجاوز حد الأزمة، وأصبح الاقتصاد السوداني يعيش وضعا كارثيا لم يشهده من قبل حيث انخفضت الإيرادات باعتراف الرسميين بنسبة تجاوزت ال(50%) جراء الأزمة المالية العالمية وفقدان عوائد بترول الجنوب والذي يقدر ب(6.9) مليار دولار وفق اتفاق قسمة الثروة في نيفاشا، حيث بنيت الحسابات على أساس سودان موحد بالتالي شكل انفصال الجنوب مشكلة كبيرة، لم يتم التحسب لها كأسوأ الاحتمالات. *ولكن ظلت الحكومة تقول إنها تحوطت للخطوة؟ لجأت الحكومة الى البحث عن الحلول بعد وقوع الكارثة، فيما عرف بالبرنامج الثلاثي (2011 – 2013م)، قدرت أن يغطي عائد إيجار خطوط البترول ووحدات المعالجة والمصافي والميناء جزءا من الفاقد غير أن هذا لم يحدث، لعدم إبرام اتفاق بين الطرفين، وأغلقت دولة الجنوب الخط فحرمت نفسها من عائد ضخم جداً، وحرمت معها السودان من عائد مقدر من عوائد الإيجار. الآن هنالك برنامج إسعافي ثاني (2012 – 2014م) يتعامل مع الظرف الآني منفصلاً عن السياسات النقدية والائتمانية لسنة 2012م. كان من المؤمل أن تحدث اتفاقية السلام سلاماً شاملاً، ولكن للأسف لم يتحقق السلام، واستمرت النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بدعم من دولة الجنوب، الى أن وصلت الى حرب مفتوحة بين الدولتين، بعدما تعدت حكومة الجنوب واحتلت منطقة هجليج الغنية بالنفط والتي بها أكبر الحقول ووحدات معالجة النفط، مما أدى إلى استمرار الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والمتمثلة في العجز في الإيرادات وضعف موارد النقد الأجنبي الشيء الذي قفز بالتضخم إلى أعلى المستويات خلال العشرين عاما الأخيرة، وتجاوز معدل التضخم ال30%، وفقدت العملة الوطنية ما يقارب ال50% من قوتها الشرائية الشيء الذي أفرز أوضاعا معيشية غاية في السوء لمعظم أهل السودان خاصة أصحاب الدخول المنخفضة من العاملين في الدولة والقطاع الخاص والمعاشيين. *وما مآلات هذا الواقع؟ وفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن هذا الوضع أدى الى تباطؤ النمو الاقتصادي والذي سيستمر الى العام 2016م فيما تقديرات البرامج الاقتصادي الإسعافي التي تزامنت مع الخطة الخمسية الأولى من الاستراتيجية القومية ربع القرنية، ترجح أن التعافي يكون خلال العام 2013م وربما 2014م، معنى ذلك أن التدهور سيستمر وأن مسار منحنى الأداء الاقتصادي سيستمر في الهبوط الشيء الذي يستدعي وجود رافعة قوية لإعادة مسار هذا المنحنى. *وما الرافعة التي تمكن من تغيير مسار المنحنى؟ أولاً: لابد من استمرار التفاوض مع دولة الجنوب بخصوص تأجير الخط الناقل للنفط والمصافي والموانىء البحرية، والتفاوض في ملف التجارة مع الجنوب، خاصة وأن هناك (173) سلعة يمكن تصديرها الى الجنوب، فضلاً عن حركة خدمات النقل النهري والبري والسكة حديد. ثانياً: تنفيذ البرنامج الإصلاحي المتمثل في رفع الدعم عن المحروقات الذي يتم تسويقه أو الترويج له الآن، من قبل المسئولين لمعالجة المشكلة بحسب نظرهم، ولكن بالتأكيد له آثار سلبية، ويؤثر على مجمل النشاط الاقتصادي وحياة الناس، وفي تقديري قد تأخر التنفيذ مما تسبب فيما هو حادث الآن. كان المفترض أن يتم الأمر تدريجيا ومنذ بداية التدهور وضعف حصيلة الدولة من النقد الأجنبي، بمعنى أن تكون جرعات رفع الدعم خفيفة، وأن تصاحبها معالجات للفئات المتأثرة. ثالثاً: إن الحكومة نفسها من خلال إنفاقها الكبير على أجهزة الحكم المترهلة في المركز والولايات كانت سببا فيما حدث، ولذلك لا أجد حرجا أن أقول عليها أن تبدأ بنفسها وبأعجل ما تيسر بخفض النفقات، ولا يكفي الخفض في نفقات إدارة الدولة من 20% أو 25% أو حتى 30% سنويا حسب البرنامج الأسعافي، لكن يجب أن يكون الخفض بنسب أكبر يتمثل في هيكلة أجهزة الحكم على المستويين الاتحادي والولائي من خلال إلغاء وحل الكثير من المجالس والهيئات التي لا تقدم شيئا، وهي موازية لبعض الوزارات حقيقة، فضلا عن هيكلة أجهزة الدولة نفسها وإلغاء وظائف الجيوش الجرارة من المستشارين والخبراء والدستوريين والمتعاقدين خارج الهياكل الوظيفة فضلا عن إلغاء تخصيص السيارات للدستوريين وأن يتم الاكتفاء بسيارة واحدة، كما أعلن وزير المالية مؤخراً وأيضا إيقاف كل السيارات ذات الدفع الرباعي واللجوء الى تحديد ثلاثة في كل ولاية، وخمسة فقط على مستوى المركز يديرها مجلس الوزراء لظروف الطوارئ مع خفض حصص الوقود وفرش السيارات. *ألا ترى أن هذا الحديث كررته الحكومة كثيراً ولم تنفذه؟ أعتقد أن هذا هدر لا معنى له، كما لابد من إيقاف شراء السيارات الجديدة واستخدام القديمة لمن يتعاقبون على الموقع وأن يحدد عمر السيارة بست سنوات، ومن الضرورة أيضا تعديل النظم الأساسية للهيئات والمؤسسات والمجالس القومية والمصارف الحكومية وحل مجالس الإدارات الحالية والاكتفاء بمجالس رشيقة تتراوح بين 4-5 أعضاء مع خفض مخصصات المنفلتة منها ومنع الجمع بين أكثر من مجلس ومجلس إدارة، وإيقاف العلاج لأسر الدستوريين وأصحاب العقود الخاصة، وإلغاء تذاكر سفر أسرهم، وتحديد حصص وقود الدستوريين، وسقف مكالماتهم الهاتفية، وتحديد سقف استهلاك الكهرباء في المنزل، وإيقاف الإعفاءات الجمركية للسيارات التي يستجلبها الدستوريون، وتقليص العاملين بمكاتبهم الى ثلاثة أفراد فقط، وخفض فئات المنحة اليومية للمسافرين الى الخارج من (500 – 300) يورو في اليوم، وإيقاف المنشآت الجديدة لأية جهة كانت لمدة عشر سنوات، فضلا عن الحج وأمراء الحج الذين هم في غالبيتهم من العاملين بالدولة، كما لابد من وقف زيارات المسئولين للولايات وحشد الجماهير إلا لمسائل ترقى الى مستوى القيادة. *لماذا تعثرت فكرة تشكيل الحكومة الرشيقة التي طرحتها رئاسة الجمهورية قبل التشكيل الأخير؟ صحيح كان هناك اتجاه لتشكيل حكومة رشيقة بناءً على دراسات أجريت بهذا الخصوص بواسطة خبراء ومختصين تسربت للصحف، وحددت عدد وزراء الحكومة الاتحادية بين (15 – 18) وزيرا، ولكن الدولة قدرت الموقف بالمعطيات التي أمامها، وأما الآن فلا حاجة لهذا العدد الضخم من الدستوريين والوزراء، ولابد من حكومة رشيقة وفاعلة، وذكية. *حديثك هذا يعني إلغاء نظام الحكم الفيدرالي؟ إذا كان هنالك من يسمع رأينا فيجب إعادة النظر في هيكل الحكم الاتحادي كله، يعني أن المحليات القديمة أصبحت ولايات وبها جيش جرار من الدستوريين، والعاملين، وجيش جرار من الداعمين لوظائف الدستوريين، فإذا أخذنا مديرية النيل الأزرق مثالا كان يديرها مدير المديرية، ويعاونه عدد من الضباط الإداريين يحسبون على أصابع اليد ولا تتوفر لديهم غير عربات الكومر، الآن بها كم ولاية وكم محلية، وكم دستوري، صحيح قد تكون هناك بعض المتغيرات إلا أن هناك توسعا لا معنى له. يجب إلغاء الولايات، وإرجاعها محافظات أو محليات، يديرها حاكم وثلاثة مساعدين فقط. *ألا تعتقد أن ذلك إن تم سيؤثر سلباً على أداء الحكومة؟ لا أعتقد ذلك لأن هذه الحكومة هي نتاج لوجود عدد ضخم من الأحزاب، ويمكن أن تشارك هذه الأحزاب بذات الثقل، وبذات النسبة، ويتواضع المؤتمر الوطني صاحب النصيب الأكبر في كيكة السلطة، ويعفي عددا من منسوبيه سواء كان ذلك في القيادات الدستورية أو التنفيذية، فلا داعي لتفريع الوزارات وخلق وزارات بمسميات جديدة. لا توجد دولة في الكرة الأرضية مهما عظمت بهذا العدد من الدستوريين وتابعيهم في المركز والولايات. *هل هناك مساعٍ جادة لهذا الاتجاه؟ الآن هناك ترويج لهذه الفكرة على قمة قيادة الدولة، وبدأت القيادة اجتماعات متصلة مع كل المسئولين حتى على مستوى الولايات، كما أن الاتصالات مستمرة مع الأحزاب لقبول الفكرة لأن فيها من المنطق، وإيقاف الهدر، وهو جزء من معالجة الأزمة، ولا أعتقد أن الأحزاب ترفض هذا. *اتعتقد أن تنفيذ هذه الفكرة يسهل مهمة المالية في قبول المواطن لقرار رفع الدعم عن المحروقات؟ هذا الإجراء يجعل قبول رفع الدعم عن المحروقات مقبولاً، لأنه لا يمكن أن تأمر الناس بما لا يستطيعون، والحكومة نفسها تستمر في سياسات خاطئة، وأنا أعتقد أن هياكل الحكم الآن تمثل هدرا ضخما جداً للموارد ولا تجد له مبررا، بالتالي إذا أردت أن تأمر الناس بقبول معالجات جراحية وجذرية حادة تؤثر في مجمل النشاط، لابد من أن تكون الحكومة هي القدوة في ذلك، وأن يتم معالجة الآثار السالبة للإجراءات على الفئات الضعيفة. *وماذا عن الذهب الذي تفاءلت به الحكومة في سد الفجوة؟ أعتقد أن الذهب رغما عن عظم عوائده حسب توقعات بنك السودان والبالغة (2.5 – 3) مليار دولار في العام من تصدير أكثر من (50) طنا ذهب إلا أنه لا يمثل إيرادا يذكر إلا في حدود الجبايات والضرائب الولائية، ولا يحل مشكلة الموارد، لأنه هو سلعة مدرة للنقد الأجنبي ويستجلب بها النقد الأجنبي، وذلك بالطبع يساعد في توفير النقد الأجنبي لاستيراد ضروريات الاقتصاد. ومن ثم يجب فرض ضرائب اتحادية على شركات التعدين ذات الحجم الكبير وليس التعدين التقليدي الأهلي الذي يمثل الآن كسباً لشريحة كبيرة من المواطنين كانت لا تجد عملاً. كذلك الحال عوائد المغتربين وفي ظل تحرير الدولار الذي لم يصل مداه بعد إذ ما زال هنالك سوق موازٍ يزيد فيه سعر الدولار عن السعر المحدد بواسطة البنك المركزي بحوالي (20-40 ) قرشا، يجب تحفيز عوائد المغتربين مثلما يحدث للذهب، فهي أيضاً مدرة للنقد الأجنبي وقد يزيد العائد السنوي عن ثلاثة مليارات دولار حسب تقديرات البنك الدولي. *ما حقيقة الخسائر التي تحدث جراء هذه الإجراءات؟ بحسب ما يتناقل في المجالس من خلال ما تم مع اتحاد أصحاب العمل، فإن عملية تعويم الجنيه تسبب خسائر في رؤوس الأموال والأصول، فبالنسبة للأصول لا أعتقد أن هناك أثراً يذكر لأنها أصلا مقدرة في قيمتها السوقية بالسعر الموازي، وأما للأموال بالجنيه السوداني من المؤكد أن قيمتها تتناقص بعد تعويم الجنيه، ومعظم الناس يحفظون مدخراتهم بالعملة الوطنية بما فيهم رجال الأعمال. *ما تقييمك للسياسات الأخيرة؟ كما ذكرت أن تنفيذ هذه السياسات تأخر، لأن التدني والتباطؤ في الأداء الاقتصادي استمر لسنين عددا، من المفترض أن تفطن له الدولة وأن تتم المعالجة بصورة تدريجية، ولذلك في تقديري الشخصي الظروف الآن غير مواتية، ولكنها تكون مواتية للحكومة إن أحسنت التعامل مع هذه السياسات، فمثلاً رفع الدعم عن المحروقات، فهناك نموذج المغرب التي أجرت التخفيضات بصورة تدريجية إذ أن هنالك دعما للمحروقات وقد رفع الدعم جزئيا في الأسبوع قبل الماضي بما يعادل 25% من الدعم الكلي وبالمقابل أقرت سياسات لمعالجة الآثار السالبة، والمطلوب أن يتم الأمر بذات الصورة كما أن تبعات رفع الدعم جزئيا وتدريجيا يجب أن يقابله زيادات في الأجور للعاملين والمعاشيين حتى لا يتحول الأمر الى ضجر اجتماعي وفوضى سياسية وانفلات قد يصعب التعامل معه، وقد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه. *كم يمثل من يتعاطون الأجور حتى تكون زيادة الأجور جزءا من المعالجة؟ الصحيح أنه حتى المنتجين ومقدمي الخدمات، عادة ما يرتبون أوضاعهم بآلية السوق، ولذلك فإن الفئات الأكثر تضررا هي أصحاب الدخول المحدودة الذين يتقاضون مرتبات، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، حيث يقدر عدد العاملين في الحكومة بثلاثة ملايين عامل، فيما يبلغ عدد المعاشيين (250) ألف. والصحيح دائما أن يترك أمر الاقتصاد للسوق وأن لايتم تدخل حكومي أصلا إلا دفعا للمضار في الظروف الطارئة كما في حالة الكوارث الطبيعية والفيضانات والمجاعة وأن تتحدد الأسعار على ضوء آلية السوق وهو ما يعرف بالسعر العادل أو سعر المثل الذي يحقق مصالح كل الأطراف المنتج والمستورد والتاجر والمستهلك. الصحيح أيضا أن دخول العاملين والمعاشيين يجب أن تتناسب مع الأرقام القياسية لنفقات المعيشة والأسعار، وأن تتناسب الدخول مع تكاليف المعيشة، ليتم تحقيق العدالة الاجتماعية، فالدولة ملزمة أخلاقيا بزيادة الأجور والمعاشات بما يتناسب مع الزيادات الناتجة عن رفع الدعم عن المحروقات أو حتى السلع. *ولكن التأثير أكبر من ذلك؟ مؤكد أن للأمر أثرا إذا ما تم تغيير سعر صرف الدولار الجمركي حينها سترتفع كل المدخلات للقطاع الإنتاجي الشيء الذي يؤدي الى زيادة تكلفة الإنتاج ومن ثم ارتفاع الأسعار للسلع المنتجة محليا "المدخلات" وكذلك الحال مع السلع المستوردة. بالنسبة للصادرات فإن وضعها سيزداد سوءا إذ أن تنافسيتها ستزداد ضعفا على ضعفها الحالي. أما زيادة أسعار المحروقات فمن المؤكد أن آثاره تمتد الى كل شيء. *ألا تعتقد أن كل تلك الإجراءات تؤدي الى ارتفاع معدلات التضخم؟ يرى بعض الاقتصاديين أن التحكم في عرض النقود قد يؤدي الى كبح جماح التخضم غير أن الأمر يبدو مقبولا في حالة توازن الاقتصاد والوصول إلى الاستغلال الأمثل للموارد، أما في حالة السودان فإن المفهوم التقليدي الذي اتحفظ عليه بل أقول إنه غير صحيح فما زال الاقتصاد السوداني بعيدا عن التوازن وما زالت هنالك اختلالات هيكلية في كل شيء ومن المنطقي الحديث عن الإنتاج وضرورة استغلال الموارد الطبيعية الضخمة والتي ما زالت حبيسة، وبدونها لا يتحقق الاستقرار الاقتصادي. *ولكن الحكومة ظلت لسنوات تتحدث عن رفع الإنتاج؟ نعم وقد تحدثنا أيضا عن ذلك كثيراً، فنحن لدينا موارد حبيسة ضخمة نباهى بها في المنتديات غير أنها غير مستغلة إما بسبب ضآلة حجم الكتلة النقدية اللازمة لإدارة الاقتصاد أو ضعف محفزات الاستثمار وبالتالي يصبح من الضرورة إحداث اختراق ذكي في هذا الجانب من خلال تغيير المفهوم التقليدي لفظاعة التضخم والمتمثلة في نقود كثيرة تطارد سلع قليلة، ويجب تحويلها إلى نقود كثيرة تطارد سلعا كثيرة، وذلك من خلال توفر قدرات هائلة من التمويل لقطاع الإنتاج "تقانة زراعية، وصناعية، وآليات، وبذور محسنة، بنى تحتية، وتسويق... الخ" فضلا عن تشجيع الشركات الاستراتيجية والاستثمار الأجنبي بمعنى أن يتم التحول نحو دعم الإنتاج واستغلال الموارد بقوة ذلك يمثل الحل الوحيد لأدوار الاقتصاد السوداني من المراكز، الاستقرار السياسي ومحفزات تشجيع الاستثمار تقلل من نسبة مخاطر الاستثمار ومن ثم تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية كذلك الحال يمكن التأثير من خلال السياسات النقدية والائتمانية والتحكم على عرض النقود بالصورة التي توفر احتياجات القطاع الإنتاجي الحقيقى وتمكن من استغلال الموارد الحبيسة وليس المطلوب سياسات انكماشية للسيطرة في عرض النقد خوفا من فظاعة التضخم إذ أن مثل هذا الفهم سيجعل تلك الموارد دون استغلال وسنعيش فقرا كما عاش من سبقونا. كذلك فإن الإصرار على سعر جبري للنقد الأجنبى لا يطابق السعر الحر سيجعل التعامل في النقد الأجنبي وخارج النظام المصرفي أمرا مربحا وحافظا للقيمة وسيظل السوق الموازي ناشطا مهما تم من محاولات لحصار هذا السوق. * وتقييمك للتصريحات التي نقلتها الصحف؟ عادة ما يعكس الإعلام تصريحات للمسئولين مثل محاصرة السوق الأسود وأن الدولار سيهوي الى 50% من قيمته في السوق الموازي وأن أسعار السلع ستهبط...الخ، وحقيقة مثل هذا الحديث لا يجوز، لأنه يخالف المنطق السليم، والفهم الاقتصادي، لأنها لم يبن على معلومات صحيحة فالندرة هى التي تؤدي لارتفاع الأسعار وعاملي العرض والطلب هما اللذان يحددان سعر التعادل خاصة وأن الدولة مهما بذلت من جهد من خلال عرض العملات الأجنبية لا تستطيع الإيفاء بطلبات المتعاملين إذا ما كان هناك فرق بين السعر. الدولة الآن استطاعت أن توفر بعض الموارد من العملات الأجنبية لكنها لا تستطيع في ظل الراهن الاقتصادي توفير احتياجات طالبي العملات الأجنبية ومن استمرار الفجوة بين الطلب والعرض، وسيظل السوق الموازي وفرق السعر موجوداً. * وماسبب ذلك الاضطراب إذاً؟ هو جزء من الهم الحاصل، (والناس نفسهم قايم) كما يعبر محافظ بنك السودان المركزي د.محمد خير الزبير في مثل هذه المواقف، فأصحاب رؤوس الأموال قلقون من التضخم كما أن غمار الناس من الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة يشكون الى طوب الأرض. وعلى نسق تعبير وزير المالية الأسبق الزبير أحمد الحسن نقول نسأل الله السلامة واللطف، وألا يتعرض السودان لأكثر مما تعرض له.. قناعتي أن رفع الدعم عن كل شئ يمثل ضرورة لابد من القيام بها غير أنها لا تتم بمعزل عن المعالجات حتى لا يحدث الأمر ظلما اجتماعيا وضررا ماحقا بالناس والإنتاج ومن ثم لابد من التعامل مع الآثار الاجتماعية لهذه السياسات فلابد من زيادة الأجور والمعاشات فضلا عن توسيع مظلة الدعم الاجتماعي لشريحة الفقراء وفرض رسوم عن كل الخدمات لطبقة الأغنياء والميسورين فيما يتم توفير الخدمات الحيوية والمرافق العامة من تعليم وصحة ومياه نقية ومواصلات...الخ الى الفئات الضعيفة وإن لم يحدث فإن البنية الاجتماعية معرضة لخلل وعدم توازن يصعب حساب نتائجه.