هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته ورجل حزب الأمة القوي في دارفور ورئيس الحزب هناك الدكتور أحمد بابكر نهار يصل إلى المركز العام لحزب الأمة لحضور الاجتماع الدوري للمكتب السياسي، وقبيل الاجتماع يلقي بنظره على أجندة الاجتماع التي حوت ثلاثة محاور رئيسية: أولاها تقرير موفد الحزب إلى لبنان لحضور المؤتمر الإسلامي، وتقرير موفد الحزب إلى نيروبي للمشاركة في المؤتمر النسائي، وتقرير السيد الصادق نفسه عن مشاركته في مؤتمر المياه، ورئيس الحزب بدارفور يمزق ورقة الأجندة ويغادر الاجتماع إلا أن الأجاويد يعيدونه إلى القاعة ليرد على استفاهمات السيد الصادق عن خروجه الغاضب هذا والرجل يرد بصوت يرتجف من الغضب : لقد حضرنا إلى هذا الاجتماع عبر الطيران من مدن دارفور المختلفة لنعرف ما هو موقف الحزب مما يجري في دارفور التي تمثل ثلث الوزن الانتخابي لكم فنجد دارفور بعيدة عن العين وكذلك بعيدة عن القلب! ماذا سنقول لجماهيرنا التي ستنتظرنا في أعتاب مطار الفاشر ونيالا عندما تسألنا عن ما أصدره الحزب وما اتخذه من تدابير تجاه محنة دارفور؟ هل نقول لهم إن دوركم لم يأت بعد فما زال أمامكم المؤتمر الإسلامي وقضايا المرأة والمياه ثم البيئة والأوزون وسلام الشرق الأوسط، والصادق المهدي يصمت ولكن جراح دارفور لا تهدأ وأحشاؤها مبذولة في الشارع العام لكل صاحب حذاء غليظ، والناس والأتباع في كل مكان عندما لا يشعرون بدفء الذي يتبعونه ويطيعونه ويفتقدون يده الحانية وكلماته المواسية يبدأ في تمزيق حبل الود خيطا خيطا وتبقى الأحزاب التي لا يشعر بها الناس في معاشهم وأمنهم وسلامهم مثل آنية الفخار لايتعدى دورها دور الزينة إلى أن يركلها أحدهم برجله فتتحطم، ومذاك تسلل أصدقاؤنا شباب وطلاب حزب الأمة لينضموا إلى الحركات المسلحة وهكذا عندما جلس وفدنا ذات يوم للتفاوض مع بعض الحركات المسلحة الدارفورية وجدنا أوجها نألفها وتألفنا وكأنه اجتماع لحزب الأمة جلس أعضاؤه يمين القاعة والآخرون يسارها، ومن هنا ينضب المعين القديم ويبدأ الناس في البحث عن خيارات واقعية يستطيعون عبرها إدارة همهم الحزبي. ورجل سبعينى يتكئ على بؤسه في دار حزب الأمة ويرتشف فنجانا من الشاي الذي تبخرت نكهته بين حلقه الجريح ولسانه المتيبس منذ أيام ويسأل في جرأة مدهشة أين سافر السيد الصادق هذه المرة فيأتيه الجواب خافتا إنه يتجه إلى القاهرة ومن هنالك إلى إيران ثم فرنسا ويمكث بها أسبوعا ثم يعود إلى القاهرة ويبقى فيها شهرا ثم يسافر إلى مدريد، والرجل يقطع على مجيبه طريق الإجابة الطويل ويقول في حرقة متى سيبيت سيدي الصادق في الجزيؤة اسبوعا واحدا وفي زالنجي ثلاثة أيام وفي الشوال يومين؟ ثم يزرف دمعا صادقا ويقول قولوا لسيدي الصادق عندما يعود (الجفا دا ما كويس بفرغ الجراب وبسن الحراب) ثم يختفي في الفضاء العريض، ومشكلة قيادة حزب الأمة أنها مثل الراعي الذي لا يفتقد سعيته كل صباح ولا يدري ماذا فعل الذئب بها؟ وشاب طموح ومتفائل يقف في المؤتمر العام لحزب الأمة الأخير ليرشح نفسه رئيسا منافسا للسيد الصادق المهدي وكل همه يومذاك أن يرسم صورة زيتية لحزب يملأ فجاج الأرض صياحا بالديمقرطية والتعددية حتى لا يشمت به الناس ويقولون أكبر حزب ديمقراطي في السودان لا يتنافس رجلان على رئاسته منذ أربعين عاما، ولكن هول المفاجأة يلجم الجميع عندما تقدمت السيدة سارة نقد الله صائحة في مكبر الصوت لتقول للشاب :(إن الديمقراطية لا تعني على الإطلاق أن يترشح شخص ما في مقابل السيد الصادق) مضيفة بذلك تعريفا جديدا للديمقراطية لم تبتكره جمجة الشموليين فالديمقراطية في نظر المناضلة سارة أن يمتطي السيد الصادق المهدي ظهر الحزب كل هذه السنوات دون أن يقترب منه أحد، وعندما يضيق العقلاء بهذا الحال ويستكتب بعضهم البعض مذكرة تصدح بالحق وتنادي بانتخاب المؤسسات فإن السيد الرئيس يصف ذلك بالخيانة والخروج ويأمرهم أن يقابلوه واحدا واحدا وعندما يرفضون فإنه يقابلهم وفي معيته حرس أولو بأس لا ينسون أن يضعوا (الطبنجات) في طاولة الاجتماع وكأنه الحزب النازي في ريعان عنفوانه، وكأن رئيس الحزب ذاته لم يكتب المذكرات ذات يوم لعمه الإمام الهادي وكأنه لم يجمع الرجال ويشق بهم الحزب ويفسد الأرضية الديمقراطيه لتنقض عليها مايو، ولو أن السيد الصادق المهدي تعامل بربع حزمه هذا مع مذكرة الجيش الشهيرة لوفر على الناس مذاك مشقة تحمل سنوات الانقلاب الإنقاذي إن كان من الصادقين، والذى يدور في الأحزاب السودانية لا يصلح معه يا عزيزي (الطاهر) معول الإصلاح بقدر ما هي في حاجة ماسة إلى تفكيك وإعادة بناء من جديد بأسس ومفاهيم ومنهج جديد، وهذه المعركة التظيمية أهم بكثير الآن من التغيير السياسي لأن التغيير السياسي سيكون عرضة للاختطاف وضحية لتأثير المنهج الحزبي السائد العقيم المفتوح الأبواب دوما لدخول الأزمات والمكائد والصراعات الذاتية المنتجة لواقع سياسي مترد ومتراجع. وفي حلقة الأستاذ الطاهر حسن التوم الأخيرة التي استضافنا فيها مع فطاحلة الفكر والحديث فات علينا أن نسرد الأمثلة السابقة أعلاه لندلل بها على أن القناعات الحزبية والولاءات المغلقة قد بدأت في التآكل والذوبان، لأن لهذه الجماهير خاصية فحص المواقف وفرزها، صحيح أن عملية الفحص والنقد لدور الزعيم المطلق هذه تختلط وتتأثر بعمق الولاء والثقة وثقافة الاتباع ولكن تراكم الفشل والإخفاق والتناقض البين للقيادة يدفع في اتجاه غلبة روح النقد والعزوف والبحث عن خيارات أخرى تبقى على الإطار الحزبي وسيلة مثلى لإدارة الاختلاف السياسي مع التصدي للمنهج السائد في إدارة الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.