تحكي الطرفة الشائعة في عقد الخمسينيات أن أحد أهلنا من شرق السودان قابله أحد مقدمي البرامج الإذاعية وسأله عن رأيه الخاص حول تبعية حلايب وشلاتين هل هي سودانية أم هي مصرية.. واخونا«المسئول» رد على المذيع في شكل سؤال مفاجئ يقول إن هناك نشرة محلية في إذاعة أمدرمان مخصصة للوفيات.. ويذاع فيها عادة أن فلان الفلاني قد توفي إلى رحمة مولاه ويقام المأتم بأمدرمان أو الكاملين أو الدامر.. فهل حدث أن سمع أحدكم بأن فلان الفلاني قد توفي إلى رحمة مولاه ويقام المأتم بحلايب أو شلاتين...؟! والمتابع لقنوات التلفزة المصرية يجد أن هناك إصراراً على إبراز أن درجات الحرارة على رأس كل ساعة في حلايب وشلاتين هي كذا وكذا.. هذا مع العلم بأن نفس القنوات لا تهتم بدرجة الحرارة في الأقصر والأسكندرية ومرسي مطروح.. وبالطبع يكون المقصود هو الإصرار على «مصرنة» حلايب وشلاتين.. وبهذه المناسبة لا نحتاج إلى التأكيد من إنه وحتى اليوم الأول من يناير 1956م كان السودان عبارة عن «مستعمرة» إنجليزية مصرية.. وكان هناك علمان مرفوعان على سارية قصر الحاكم.. أحدهما العلم البريطاني والثاني هو العلم المصري .. على الرغم أن مصر نفسها كانت مستعمرة.. وعندما قام الزعيمان الأزهري والمحجوب بإنزال العلمين سلماهما إلى مندوبي هذه الدول. وقد لا ينسى الكثيرون ومعظمهم أحياءً يرزقون أن هناك صراعاً ونزاعاً كان يدور أصلا بين أحزابنا السياسية في مسألة الاستقلال عن الدولتين آنفتي الذكر.. فبينما كان هناك حزباً ينادي بالإتحاد مع مصر كان هناك حزباً ينادي بالتبعية للتاج البريطاني.. وربما أن«المكايدة» بين المصريين والإنجليز كانت سبباً في أن يتم«منحنا» الاستقلال والذي وصفه الأزهري بقوله«استقلال ما فيهو شق ولا طق» إشارة إلى إنه جاء نظيفاً لا دماء فيه ولا حروب.. فقط كان هناك اقتراح من أحد أعضاء الجمعية التأسيسية بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان.. وهذا الإقترح تمت تثنيته من عضو آخر وتم التصويت عليه بالأغلبية.. وكان أهم حدث فيه هو اتفاق ناس الأحزاب على الاستقلال. وبالطبع كان للمصريين رأي في حصول السودان على استقلاله.. وبدأت مشكلة ترسيم الحدود الشمالية وما عرف لاحقاً بقضية مثلث حلايب وخط عرض 22،، منذ ذلك الزمان يعني مشكلة حلايب ليست خاصة بحكومة الانقاذ ولا المؤتمر الوطني.. وإنما بدأت مع الاستقلال.. ثم تطور النزاع بين حكومة السودان والحكومة المصرية عندما كان الزعيم عبدالله خليل رئيساً للوزراء بالسودان، بينما كان جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة آنذاك قبل أن يتحول اسمها إلى جمهورية مصر العربية لاحقاً في عهد أنور السادات.. ومن المؤكد أن اللباقة والحصافة التي عالج بها عبدالناصر وعبدالله خليل موضوع حلايب«في الخمسينيات» منعت من التصعيد.. خاصة وأن جمال عبدالناصر كان متعاطفاً جداً مع السودان وحانياً عليه مثلما أن الزعيم محمد نجيب الذي سبق عبدالناصر في قيادة ثورة يوليو المصرية كان هو الآخر أكثر تعاطفاً مع السودان بحكم أن له أصول سودانية بالتربية وبالدم.. ولهذا فقد ظلت مشكلة التنازع بين البلدين في مسألة حلايب وشلاتين لا تشكل عقبة في التقارب في عهد الأحزاب أو عهد عبود.. والذي إزداد بعد أن تولى المرحوم أنور السادات حكم مصر في العام 1971م خلفاً للرئيس عبدالناصر.. وهو أيضاً من أصول سودانية وربطته بالرئيس جعفر نميري علاقات وثيقة «حيث إتجه كليهما غرباً تاركاً الاتحاد السوفيتي» وأدى ذلك إلى تهدئة النزاع حول قضية حلايب وشلاتين وظلت المسألة«نائمة» تتجه نحو إيجاد حل وفاقي يجنح إلى التهدئة ورأى يقول بإعتبار المنطقة«تكاملية» يملكها الطرفان ويسعيان فيها لإرساء نوع من التفاهم والوفاق والوحدة.. والخلاصة يا جماعة مثلما أن الإنجليز قد تركوا لنا مشكلة الحدود مع الجنوبيين.. ومشكلة «أبيي» ومن قبلها ما يعرف بمشكلة مثلث«اليني» مع دولة كينيا والذي تخلصنا من مصائبه مع ذهاب دولة الجنوب، بحيث سيتحول إلى مشكلة خاصة بدولة كينيا مع دولة جنوب السودان.. فقد ترك لنا الإنجليز مشكلة اسمها مثلث حلايب منذ الاستقلال وحتى الآن.. وبمناسبة الطرفة الخاصة بوفاة فلان الفلاني ويقام المأتم بحلايب أو شلاتين ربما يتم الاتفاق الخاص بالتكامل ونسمع بإعلان وفاة كل من«عويس أو مرسي» و«دفع الله أو محمد أحمد» ويقام المأتم بمنطقة التكامل بحلايب وشلاتين.. وفي النهاية فإن للقانون الدولي فصل القضاء إن ظلت المشكلة عالقة دون حل.. وما يقوله الخواجات«نحن معاهو».. ونقول قولنا هذا بمناسبة تأكيد السيد الرشيد هارون وزير الدولة برئاسة الجمهورية على أن حلايب سودانية على الرغم من انه أشار إلى تفضيل حكومة السودان السير في خطوات التكامل أو اللجوء إلى المجتمع الدولي في حالة التصعيد، ونؤكد بأن درجة الحرارة في حلايب وشلاتين سبع عشرة درجة مئوية..