في بداية هذا الأسبوع دعاني الدكتور نصر الدين شلقامي للمشاركة في ندوة لإلقاء الضوء على ما يعرف بقضية «ويبقى حتى السداد» وهي مشكلة قانونية في الأساس جرت معها كل مشاكل التردي الإقتصادي ومظاهر التفتت الأسري والتهتك الإجتماعي وربما كل مظاهر الفقر الظاهرة والباطنة.. وكثير من أهلنا القائمين على الأمر قد لا يفطنون إلى أن كل المشكلة الإقتصادية على مستوى الفرد والجماعة يمكن تلخصيها في«فساد» مادتين في القانون هما الصكوك المرتدة 971 ق ج ويبقى حتى السداد 342 وهذه المواد وقع تحت طائلتها كل أفراد المجتمع ولم يسلم منها التجار ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين والقانونيين وشيوخ الطرق الصوفية وعمد القبائل ونظارها والمداحين والممثلين والمطربين والمطربات والرجال والنساء والأطفال وحتى تلاميذ المدارس، وربما أن في كل بيت من البيوت السودانية من مثل أهله وذويه في زيارة سجون المادة 971 و342. وربما تجد الدولة نفسها وهي تقوم بتحصيل الديون نيابة عن بعض المرابين وتجار الغايظ وتدفع بمليارات الجنيهات شهرياً لحبس السجناء مصلحة هؤلاء المرابين بدون أن يدفعوا لها شيئاً.. وقد ذكرنا في مقالات سابقة أن المادة 342 هي مادة وضعية غير دستورية وغير شرعية وقلنا إن حبس المدين أمراً غير دستورياً وغير شرعياً.. ففي حالة الدين نحن أمام ثلاثة احتمالات وهي: ٭ إما أن يكون للمدين أصول يمكن الحديث عليها وبيعها وبالتالي لا يحبس بضمانة هذه الأصول. ٭ أو أن للمدين مبالغ متوقعة في المستقبل أو عقودات يمكن حجزها أو إنتظار حلول تاريخها وبالتالي يطلق سراحه بالضمانة العادية وجدولة الديون في ضوء توقعات إستلام المبالغ القادمة إليه. ٭ أو أن المدين لا يملك شيئاً وبالتالي يطلق سراحه بالضمانة العادية إلى حين ميسرة تطبيقاً لروح القرآن وشريعة الإسلام. وعلى الدولة أن لا تزج نفسها في الخلافات والنزاعات المدنية الخاصة بالديون وعليها أن توجه مواطنيها الدائنين بأن يتحصلوا على الضمانات اللازمة في إسترداد ديونهم قبل التورط فيها وهو أمر متعارف عليه منذ أن كان السودان مستعمراً.. وإذا ما تعاملوا بثقة دون أخذ ضمان فإن عليهم أن يقتضوا حقوقهم بثقة أيضاً.. لقد أدى تدخل الدولة بين الدائن والمدين إلى أن يتحول الدائن إلى «مرابي» في كثير من الحالات ويتحول المدين إلى ضحية أو«جوكي» لنفس السبب. ووجدت البنوك ضالتها في حبس الدائن وتحول الشيك إلى ضمان بعد أن كان كمبيالة واعتمدت المصارف على الإجراءات البوليسية لإرجاع أموالها بدون ضمانات حقيقية أو أموالها مقابل رهونات مزيفة ووهمية. ويحضرني ما أورده الأُستاذ الصادق الشامي حول عدم دستورية المادة 342 الخاصة بحبس المدين حيث إن العالم المتحضر قد ألغى حبس المدين منذ العام 7681م في فرنسا.. وحتى في مصر ألغى القانون الحبس في كل المواد التجارية والمدنية ولا يحبس المدين إلا في نفقة. وفي إيران يتحمل الدائن مصاريف المدين وأُسرته. وتقول الدساتير العالمية إن فكرة الإكراه البدني بإعتباره وسيلة للضغط على المدين تخالف المباديء المدنية الحديثة. في العالم كله فالمدين يلتزم في ماله ولا يلتزم في شخصه راجع شرح القانون المدني للدكتور عبدالرازق السنهوري. ثم إن المادة 73/3 من الدستور الإنتقالي وتبنيها للعهد الدولي والحقوق المدنية والسياسية وجعله جزءاً من وثيقة الدستور.. وحيث إن هذا العهد يحرم ويمنع الحبس والسجن في الديون المدنية، فإن أي حبس أو إعتقال في هذا الصدد يُعتبر باطلاً ومصادماً لنص دستوري صريح. ونخلص من ذلك إلى بطلان وعدم مشروعية وعدم دستورية المادتين 342 232 لتعارضهما مع نص المادة 92 من دستور السودان الإنتقالي 5002م . فيا سيدي وزير العدل إن لم تكن قد إقتنعت بالفتوى الصادرة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية بعدم مشروعية هذه المادة فعلى الأقل عليك الإقتناع ببطلان هاتين المادتين ومخالفتهما للدستور وإصدار قراركم بقبول الضمانة العادية لتسوية الديون المدنية وإطلاق سراح آلاف المحبوسين وأُسرهم. ونأمل أن تبدأ ثورة التصحيح القانوني بمبادرتكم الكريمة.. ونواصل،،،