الشعوب التي تتوق للتطور والإرتقاء والتغيير يكون ديدنها دوماً التريث في إصدار قراراتها وتنفيذ خططها ومشروعاتها التي تربطها بالزمن والإمكانات والقدرات وتعتمد على المفكرين والعلماء من أبنائها وتستعين أيضاً بتجارب الشعوب الأخرى. وعلى مر أزمنة التاريخ الحديث شهدت الشعوب تطورات في نمط حياتها ومخترعاتها من عهود قديمة وتعهدت برعاية الأفذاذ من المبدعين ودعمت الإكتشافات والبحث العلمي الذي كثيراً ما يستمر لأكثر من نصف قرن وتبدأ الملاحظات ومراحل التجريب وتتسع دائرة العلماء من الدول الأخرى لإخضاع الإكتشاف لمزيد من «الكشف» والتيقن من جدواه ومنفعته للبشرية بصفة عامة لذا لم تبدأ الإختراعات المهمة من فراغ ومنها القاطرة اختراع جورج إستيفن والمطبعة «جوتنبيرج» والإشعاعات «مدام كوري» ونيوتن «الجاذبية» حدث هذا بالرغم من أن الكنيسة كانت تنظر لبعض المخترعين «كالسحرة» إعتقاداً منها أن من يضطلع بتلك المخترعات يمتلك عوالم خارقة. وبالنسبة لنا في السودان وبعد تلك المقدمة دوماً نستعجل تنفيذ ما يطرأ من أفكار حتى لو كانت «فطيرة» لذا تصاب كلها بالفشل مما يدفعنا لتكرار التجربة التي تكفلنا للمرة الثانية الجهد والمال والزمن و«تعطيل» المسار وعدم الإستفادة الفعلية من تنفيذ الفكرة لمصلحة المستفيد منها أولاً وأخيراً وهو بالطبع المواطن الذي يقف حائراً أمام التغيير المستمر للأهداف وعدم الإستقرار. فالمواطن يلاحظ ويسمع أن تغييراً الى الأحسن سيحدث في مسارات الطرق والحركة بحيث يصبح الطريق اتجاهاً واحداً ضماناً للإنسياب السريع لحركة المرور ويشمل التغيير العديد من الطرق وسط «إحتفالية» وفجأة يشاهد نفس المواطن أن السلطات تراجعت عن قرارها يعود الأمر الى ما كان عليه بالرغم من الربكة التي أحدثها التغيير غير «المدروس» وأيضاً تبتدع وزارة الزراعة الإتحادية نوعاً جديداً من الأقطان وهو «المحور وراثياً» وتبدأ في زراعته فجأ وسط حيرة المزارعين وفي مساحات تقل 05% من المفترض زراعتها ويدور نقاش وجدل حول هذا القطن الذي هبط من السماء بلا مقدمات لا حديث حول جدواه ومدى ملاءمته لأرضنا ومناخنا وبلا تجربة. ويسأل المزارع عن «الحزم التقنية» ومدى نجاحها في زيادة الإنتاجية وهل تم تعميمها وهل قاد تلك النقلة العلمية الباحثون وهل تم «توصيلها» للمزارعين.. وفجأة لم يعد أحد يتحدث عنها وذلك لأن صاحب الفكرة بروفيسور قنيف لم يعد بيده القلم أم أن سياسة التغيير تقمصت من جاء بعده بالوزارة ولم يمنحها إهتمامه ولا رعايته.. ويجيء هذا في إطار عدم صبرنا على تحقيق النتائج والتجديد.. ولم تستمر التجربة كثيراً وأعجبني جداً حديث الصراحة الذي أدلى به الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية حول التمويل الأصغر والتمويل المصرفي، حيث أشار الى تجربة التمويل الأصغر التي لازالت في طور التجربة بالرغم من الضجيج الذي يثار حولها كتجربة مثالية.. قال على المصارف أن لا تمنح التمويل لأصحاب العربات «الفارهة» أي على المصارف أن تمنح التمويل الأصغر لمحدودي الدخل اي أن لا تمنحهم تمويلاً قدره (0005) جنيه خمسة آلاف جنيه «والله».. ففي أي مشروع يتم استثمارها «بقيمة اليوم» وهنا ومن متابعاتي شجع أحد البنوك النساء للإستفادة من التمويل الأصغر ومنح إحداهن نفس المبلغ للإستثمار في بيع الأدوات المنزلية علماً أن سوق الأدوات المنزلية يعاني من كساد وكان الأجدى إجراء دراسات جدوى حول أهداف التمويل الأصغر والإطلاع على التجارب الرائدة خاصة الماليزية التي منحت الفقراء تمويلاً مكنهم من إستثماره في مشاريع إنتاجية كصناعة الزيوت الصابون المشغولات وذلك عبر جمعيات تعاونية لسوق الإنتاج ونجحت التجربة و«أخرجت» الممولين من دائرة الفقر الى منتجين لهم «مساهمتهم» في الإقتصاد لابد إذاً من إعمال تفكيرنا بتؤدة وتريث وصبر وعلينا عدم «الإستعجال» في التنفيذ وذلك لأن المسألة ليست مظهرية و«شوفونية» وإلا لماذا فشلت الولاية في إيجاد مواقف للمواصلات وحتى الآن.. السبب يتم تشييد المواقف قبل الإستماع الى آراء المهندسين وغيرهم من الخبراء.. المواقف الحالية ليست فيها مراعاة لإنسياب الحركة.. ولا للموقع .. ولا لكبار السن.. وبلا رحمة ستظل الولاية في حالة اختيار دائم للمواقف وبلا جدوى.