سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المشير سوار الدهب في حوار التفاصيل والأسرار حول انتفاضة أبريل ل(الوطن): من الجامعة كانت انطلاقة الانتفاضة.. وبعدها لحقت الأحزاب بركب الشعب والثوار
نحن في القوات المسلحة رأينا أن الشعب لم يعد يرغب في حكومة مايو.. فانحزنا له
المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب علم غني عن التعريف، وهو الرئيس الأسبق للبلاد. وقد تنازل عن السلطة وسلمها في فترة عام واحد هي الفترة الانتقالية التي التزم بها عقب سقوط الرئيس الأسبق نميري بالانتفاضة الشعبية الموسومة بثورة أبريل في العام 1986م. وقد مثَّل القرار الذي اتخذه بالتنحي عن السلطة وتسليمها للشعب أنموذجاً لرجل زاهد ونقي وصادق في وعده، وأرسى تجربة بذلك كانت ولا تزال حديث الناس ليس في السودان فحسب، وإنما في العالم العربي والإقليمي. التقينا به في هذه المساحة بمناسبة ذكرى السادس من أبريل التي تحل اليوم بين ظهرانينا، وقد كشف لنا تفاصيل جديدة ومهمة وألقى الضوء على أحداث لطالما شكلت جزءاً مهماً من تاريخ السودان الحديث. وحديث المشير سوار الدهب يوزن بالذهب في هذا الحدث الذي كان صانعه وشاهداً على كل تفاصيله. طالعوا معنا تفاصيل الحوار أدناه: ٭ كيف تلقيتم في القوات المسلحة خبر انتفاضة الشعب في أبريل والخطوات التي قمتم بها؟ أقول بسم الله.. إن ذكرى السادس من ابريل 1985م، صارت تمثِّل يوماً محفوظاً في ذاكرة السودانيين، والذي شكَّل ظاهرة مهمة لم تكن معهودة بشكل واضح. ومعروف للناس في السودان وفي الدول القريبة، حينما تحرك الشعب السوداني في ذلك التاريخ وأبدى رغبة كبيرة وشاملة في إنهاء عهد حكومة مايو التي كان يرأسها الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، وبدأت التحركات واسعة خاصة عندما غادر سيادة الرئيس نميري وقتها في زيارة خارجية، تحركت الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وبعضها بدأ وكأنه خرج من تحت الأرض في ذلك اليوم، وبدأ حراك في جامعة أم درمان الإسلامية وجامعة الخرطوم من قبل الطلاب والأساتذة، وتبعه حراك الشارع والأحزاب التي نستطيع القول إنها جاءت بعد حراك الطلاب والشارع. ٭ ماكان رأيكم في القوات المسلحة عند تحرك الشعب؟ نحن في القوات المسلحة وضح لنا أن الشعب السوداني يرفض تماماً وجود حكومة مايو، وكان تنظيم الاتحاد الاشتراكي قد قام بتنظيم تظاهرة تلوح بشعارات ثورة 25 مايو ولكنها كانت تظاهرة هزيلة أوضحت لنا أن الشعب السوداني أصبح لا يريد حكومة مايو، وأنها اصبحت بلا سند شعبي، فما كان منا نحن في القوات المسلحة وكنت أنا وقتها النائب العام لوزير الدفاع، وشاورت كافة القيادات العسكرية بهذا الوضع ورغبة الشعب السوداني في طرد نظام مايو، وكان القرار بحمد الله تعالى قد شهد إجماعاً من كافة القادة على أن هذا الأمر لا يحتمل غير الوقوف الى صف الشعب وأن الشعب لم يعد راضياً عن الحكومة ورئيسها، ولم يكن هناك كثير عناء في اجتماع القادة العسكريين. فقد اتفق الجميع على تجنيب الشعب السوداني الدماء والمشاكل وتحقيق إرادته الحرة. ٭ شكل القرار كان شنو؟ القرار كان بأن ننحاز الى جانب الشعب، وهو كان بالإجماع كما ذكرت لك، وقررنا أن نتسلم السلطة نحن في قيادة القوات المسلحة لفترة محدودة اتفقنا مع الأحزاب في مدتها القصيرة والمعلومة للجميع في فترة عام، وتُسلَّم بعدها للأحزاب لتكون هناك انتخابات وهذا ما فعلناه بحمد الله. ٭ هل كان كل قادة القوات المسلحة مجمعين على هذا الأمر؟ نعم .. كل مجلس القادة الأعلى للقوات المسلحة والذين شاورتهم بحضورهم كافة كانوا موافقين على هذا، وكان القرار جماعياً كما اسلفت لك، وهمنا الأول والأخير كان هو حقن الدماء والحفاظ على ارواح الناس وتجنيب البلاد الفتنة. فقررنا ذلك بعد أن رأينا رأي الشارع الرافض ورأينا أن مسيرة الاتحاد الاشتراكي لم تكن ذات قيمة وتأثير، ولهذا كان قرارنا المجمع عليه على يقين بأنه يمثل إرادة الشعب السوداني. ولأن المحافظة على سلامة المواطنين ومصلحة البلاد هي الهدف، فقد كان هذا القرار قراراً صائباً والشعب كان فرحاً جداً بما قمنا به كما تعلمون، وقد لبينا رغباته وحقنا دمائه وسلمنا السلطة في الموعد الذي قطعناه على أنفسنا ووعدنا به الناس. ٭ هل كانت هناك أوامر من الرئيس الأسبق نميري للقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى بقمع المواطنين؟. لا.. لم تكن هناك أية تعليمات أو اوامر منه فهو كان خارج البلاد ولم يكن هناك أي اتصال مباشر بيننا وبينه. ٭ نوابه وقادة الاتحاد الاشتراكي هل اتصلوا بكم لهذا الغرض؟ هؤلاء بعد أن رأوا ما حدث بأم أعينهم، لم يكن أمامهم سوى تقبل الأمر. فليس في أيديهم شيء والشعب اتخذ قراره ونحن اتخذنا قرارنا في القوات المسلحة بالانحياز لخياره. ٭ كيف كانت ردة فعل المجتمع الدولي والإقليمي حيال الانتفاضة وكيف تعاملوا معكم وأنتم تحكمون بسلطتكم العسكرية؟ كان إيجابياً. وبعد فترة جيزة وضح للجميع أننا جادون في مسألة استلامنا للسلطة وإعادتها الى الديمقراطية والانتخابات والتداول السلمي، لذلك كان موقف الجميع إيجابياً معنا ووقفت معنا الدول العربية السعودية وقطر ومصر وغيرها من الإقليم، ومن العالم أعانونا حتى مرت الفترة بسلام وجرت الانتخابات وتسلَّمت الأحزاب السلطة. ٭ هل كانت هناك مطالبات لمصر بأن تُسلِّم الرئيس الراحل نميري؟ قبل ذلك كانت هناك محاولات أولية من مصر بأن نسمح للرئيس نميري بأن يعود للسودان، وكانت الأجواء مغلقة والطياريون السودانيون رفضوا بأن يطيروا بالرئيس الأسبق نميري الى الخرطوم، وكان تبريرهم للجانب المصري بأن الأجواء مقفولة وربما تعرضت الطائرة الى اعتداء، وكان هذا عامل أساسي في عدم عودة نميري الى السودان في ذلك الوقت، ولكن بشكل عام كانت هناك مطالبات بضرورة محاكمة نميري من جهات وأحزاب، ولكننا على مستوى الحكومة في ذلك الوقت لم نطالب بتسليمه لنا ولا محاكمته. ٭ الناس يتحدثون ليس في السودان وحده، وإنما في كل القارة والدول المحيطة بنا على الأدب الذي ارسيتموه في ذلك الوقت بالتنحي عن السلطة وتسليمها كما وعدتم. صِف لنا لحظة قرارك بتسليم السلطة، وهل كانت هناك محاولات لإثنائك عن القرار؟ نعم.. كان هناك بعض الذين يريدونني أن أستمر خاصة البعض من الأحزاب السياسية، وقالوا إن فترة سنة ليست كافية ويجب تمديدها. وقلت لهم بالصوت الواحد، إننا حددنا مسبقاً تسليم السلطة بعد عام وقد انتهى العام ويجب تسليمها الى الشعب وليقرر الشعب بعد ذلك من يريد أن يحكمه وهذا ما حدث. ٭ البعض يقول إن أمريكا كانت وراء التخطيط لانتفاضة أبريل وهدفت الى إقصاء نميري وهو يزور أرضها وبعيداً عن السودان؟ هذا كذب صراح.. لم يكن لأية دولة خارجية يد في هذا الأمر أو حتى المنظمات الأجنبية بالبلاد لم يكن لها دور. فهو قرار سوداني بحت اتخذه الشعب السوداني وقرره وتميز به. ٭ هل من كلمة أخيرة تريد قولها في ذكرى أبريل؟ الواحد يشكر الشعب السوداني كثيراً على أن أعانني على النجاح في الفترة الانتقالية، وأن تمر بسلام وأن نحقق فيها ما وعدنا به، ولذلك أقول أنا بعد الله سبحانه وتعالى، أشكر الشعب السوداني على إعانته لنا وعدم تمكينه العدو من النيْل من السودان ومن إرادته وموارده.