عندما تريد أن تكتشف شخصية ما بطريقة موضوعية ومنطقية فأنت مطالب بمعرفة طريقة تفكيرها وموازناتها للأمور كلها ومن ثم تحليلها وفقاً لمقتضيات الظرفية التي تحيط بها.. مولانا الميرغني – زعيم سياسي ومرشد ديني- بهذين الجناحين بيننا على محيط الوطن، يتفاعل بكليهما، يُقيِّم الأشياء وفقاً لمرتكزات مرجعيتهما (سياسة،دين)، وهكذا قياسات الأشياء موضوعياً، وبالضرورة الفصل الحقيقي بين زعيم سياسي ومرشد ديني تقييماً وقياساً.. وتكتشف كل زعماء السياسة عندما تعمل معهم (إعلامياً)،هنا يتم الاكتشاف الحقيقي للشخصية (ديمقراطيتها) احتمالها للرأي الآخر، تفاعلها (إعلامياً)، سلطتها القاهرة حزبياً .. واحدة من الأبواب المفتوحة عند مولانا الميرغني باب الوفاق الوطني الشامل، وإعادة صياغة الوطن على نحو ديمقراطي حقيقي يحقق التداول السلمي للسلطة وقيمة المواطنة، فكرة استراتيجية وليست مرحلية، فمولانا الميرغني واحد من الذين يرفضون (تكتيكات) السياسة المرحلية التي تقود للهيمنة الحزبية على مفاصل الوطن.. في فرضية المشاركة في حكومة القاعدة العريضة كان الهدف منها إعادة صياغة الوطن برؤية تصالحية، وللمؤتمر الوطني - الحزب الحاكم- رؤية قد تكون واقعية وحقيقية وقد تكون (تكتيكية)، هنا ما يهم هي رؤية مولانا الميرغني، وأهدافه لتحقيق وفاق وطني يحتاجه الوطن فآحادية الإنقاذ بالرؤية العملية فشلت سياسياً في تحقيق السلام الوطني المستدام، وأعني به السلام من الحرب، والسلام من الإحتراب السياسي الحقيقي، فانتقال الصراع لأطراف أخرى من الوطن يحتاج لوفاق وطني كامل يساهم في تحقيق الحد الأدنى من الحريات والتصالح الوطني، واسماع الحزب الحاكم لصوت (آخر) وفاقي لم يسمع به على مدى سنوات كثيرة.. الحل الشامل في وفاق وطني، في لقاء له مع الدكتور أمير بشير فلين أحد وزراء الديمقراطية الثالثة (86 - 1989م) وهو من أبناء جنوب كردفان كنت أسمع قوله إن صراع الحروبات لن يجعل الوطن يحترق، بل إنسان الوطن، والمدافعة بالسلام أفضل من المدافعة بالحرب، وإن كانت هنالك ظلامات ومظالم وتجاوزات واختراقات، فالحل ليس البندقية من أطراف المعارضة، بل الحل الاجتهاد في تحقيق فرضية السلام الاجتماعي والسلام الوطني الكامل، قناعته أن الحزب الحاكم بالضرورة سيحاول قمع كل طرف أو معارضة تحمل السلاح، والنتيجة امتداد مساحة الحرب في الوطن، وضعف الوطن وضياع المواطن، والواقع يفصل في هذا كثيراً.. في ذات اللقاء، قال مولانا :(احتمالات استطاعة بلادنا للحرب ضعيفة، وتمزيق الوطن هو النتيجة لأي صوت بندقية ينطلق، الحل هو الحوار الوطني، دعواتي كلها تنطلق من هنا، خيارات الحرب الداخلية صعبة، وخيارات المواطن بين ثنايا بندقية معارضة وبندقية سلطة هي الضعف).. طريقة تفكير مولانا الميرغني الرؤية بعمق في طريقة اتجاهات الحزب الحاكم، صراعاته، السلام والحرب، الوفاق الوطني، التحول الديمقراطي، ينظر إلى أن خيار الحرب قد يكون الأكثر صخباً، حكومة ومعارضة، الحل الأفضل هو (الدعوة للوفاق الوطني والسلام)، برؤية ليس فيها إقصاء لأحد أو كيان.. البعد الثالث هنا رؤيته أن القبلية التي كانت المحرك الإيجابي الحقيقي للمجتمع السوداني أصبحت محركاً سلبياً وعلى هذا فالحرب والبندقية لن تتحول إلى صوت مطالبات تنموية أو فئوية، بل إلى صراعات قبلية حقيقية تكون نهاية الوطن المفجعة على أياديها، التمزق القبلي الذي أحاط بتكوينات المجتمع السوداني كانت هي النقطة المفصلية التي ينطلق منها في رؤيته للبلد، وخيارات المعارضة وإنقاذ الوطن والمواطن، فحتى يتحقق من جديد سلام اجتماعي مثل الذي كان قبل سنوات كثيرة الحل الأفضل والرؤية الناجحة هي المحاولة قدر الإمكان ضد حمل البندقية للمعارضة لأن تمزيق المجتمعات يعني تمزيق الوطن والشواهد موثقة وواقعية.. النظرة البعيدة لخيار المعارضة السلمي والوفاق وحتى المشاركة كانت آليات لإكتشاف طريق ثالث ليس فيه صوت بندقية من الحكومة أو المعارضة.. الآن واقعياً (القبلية) هي المحرك لكل فعل من الشعب السوداني، اتفقنا أو اختلفنا، لكنها المحركة والواجب تحريكها ايجابياً لتحقيق تعايش حقيقي.. إذن رفض مولانا الميرغني للبندقية كحل لأزمات الوطن في المرحلة الحالية تنظر لحالة التمزق القبلي التي تحيط بالوطن والإختراقات الكثيفة التي حدثت لكل تفاصيل مكوناتنا الاجتماعية، كل ذلك مع البندقية يعني (نهاية الوطن)، واحتراق قبلي لن يسهل أمر معالجته على مدى سنوات وسنوات.. على ذلك هي مبدأ وطريقة تفكير وواقعية وطنية ومبدئية فالذي ينظر لبنود اتفاقية الميرغني قرنق 1988م يستنتج مبدئية الوفاق الوطني الشامل لأنه العاصم من كل القواصم المحيطة بالوطن.. رأي يختلف مع المشاركة ويقول ما يفيد بأن الحزب الحاكم يتعامل معها برؤية تكتيكية لإستدامة النظام زمنياً وسياسياً، واقعياً المشاركة خلقت تيارين مختلف ومتفق، وهذه سنة كونية، وإذاً ما دام هنالك تياران فلن يتحقق للحزب الحاكم الهدف لأننا واقعياً نعرف أن التيار الرافض قوة واقعية داخل منظومة الحزب، وليست قوة لصالح الحزب الحاكم من زاوية إنقسام له زلزلة وكثافة.. إذن فشل تخطيط الحزب الحاكم، بخلق القوة له والإضعاف للحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وسيتحقق الهدف للحزب الحاكم إن كانت كل مكونات الحزب جزءاً من المؤتمر الوطني، وجماهيره تضع أياديها معه، لكن هذا لم يتحقق بعد، والتيارات الرافضة للمشاركة تهتف (لن يتحقق)، فالحراك الديمقراطي الحقيقي أخرج تيارين يتصارعان بقوة لكنهما ما يزالان داخل منظومة الحزب.. النظرة الموضوعية هنا تقودنا للقول إن هذا الصراع القوي بين هذين التيارين هو الطريق لصناعة حزب حقيقي وجماهيري ومازالت قناعتي الوحيدة أن المشاركة ببعدها الوطني عند مولانا الميرغني وبعدها التآمري بظن بعضنا في الحزب الحاكم إنما هي مدافعة آراء حزبية اشتعلت ومازالت تشتعل بقوة هنا وهناك وهذا ما كان مفقوداً بحق، فصراعات التيارين هذين هي التي ستخلق تفكيراً حزبياً جديداً وديمقراطياً ومختلفاً، ومولانا الميرغني يحب تدافع الآراء ومنافحة كل تيار داخل منظومة الحزب، هذا الحراك هو الطريق الذي سيجعل حزب الوسط متماسكاً وجماهيرياً، فرغم المشاركة وتعقيداتها السياسية والمرحلية وتداعياتها على الحزب والجماهير إلا أن فعلها اليومي في الجهر بالرأي ضدها أو معها تمرين ديمقراطي حقيقي لهذه الجماهير الكثيفة التي تحولت من الهديل إلى الهدير ومن الهمس إلى المجاهرة هنا وهناك وأحياناً الصراخ بكلمة (لا)، وصعود كلمة (لا) أيَّاً كانت للمشاركة أو غيرها نجاح باذخ للديمقراطية الحقيقية التي لا تكتمل إلا بكلمة (لا)، ولا يصبح لها بريق إلا بكلمة (نحن ضد هذا الفعل)،(أنا ضد هذا الفعل)، والآن استبدلنا كلمة (الفعل) بكلمة (المشاركة).. وللعلم فالمشاركة باب من الأبواب المفتوحة عند مولانا الميرغني لتحقيق هدف وطني وليس حزبي، فهي يمكن أن تكون طريقاً لوفاق وطني كامل لتحقيق بعض الحلم للوطن ومحاولة لأن تكتمل الديمقراطية بدراً بين هذا الغسق المكتمل في أطراف الوطن..