عندما تريد أن تكتشف شخصية ما بطريقة موضوعية ومنطقية فأنت مطالب بمعرفة طريقة تفكيرها وموازناتها للأمور كلها ومن ثم تحليلها وفقاً لمقتضيات الظرفية التي تحيط بها.. مولانا الميرغني – زعيم سياسي ومرشد ديني- بهذين الجناحين بيننا على محيط الوطن، يتفاعل بكليهما، يُقيِّم الأشياء وفقاً لمرتكزات مرجعيتهما (سياسة،دين)، وهكذا قياسات الأشياء موضوعياً، وبالضرورة الفصل الحقيقي بين زعيم سياسي ومرشد ديني تقييماً وقياساً.. وتكتشف كل زعماء السياسة عندما تعمل معهم (إعلامياً)،هنا يتم الاكتشاف الحقيقي للشخصية (ديمقراطيتها) احتمالها للرأي الآخر، تفاعلها (إعلامياً)، سلطتها القاهرة حزبياً .. الأنظمة الشمولية أو أنظمة الحزب الواحد الحاكم، تعتاد في مشاركة الآخرين في الحكم على إطلاق شعارات (الوفاق الوطني) بصوت وتظاهرات، لكنها في همسها بين ثنايا الفاعلين فيها (نحن أقوى بها وأضعفناهم)، لذا فمكونات المشاركة الحقيقية في خط موازنات سلطوية وليست وطنية..!! المشاركة بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بميزان السياسة الأوفى لن تكون مكتملة بأشراط النجاح كلها، هي اجتهادات سياسية يجب المرافعة عنها والمحاكمة لها من هذا الباب، محاولة لإعادة صياغة وطن برؤية ليست أحادية، تنجح بنسبة ما وتفشل بنسبة ما، وفق ظروف ومقتضيات،لتكون الموضوعية هي المحركة لاتجاهات نقدنا ومدحنا لها.. واحدة من نقاط ضعف هذه المشاركة. أن المؤتمر الوطني لم يحقق النظرة الوطنية منها، كانت الأمنيات تحقيق بعض الاختراقات الدبلوماسية عبر مراكز علاقات مولانا الميرغني والأصل، وهذا لن يكون إلا بالاتفاق على رؤية للسياسة الخارجية للوطن، من منطلق المصالح والموازنات السياسية والدبلوماسية.. المشاركة برؤية الحزب الحاكم ربما كانت لتحقيق اختراقات داخلية، وهذا يتضح بجلاء في كل اتجاهاتها، لكنها فشلت في تكوين النجاح لرؤية وطنية حقيقية، لأن الحزب الحاكم لم يفتح هذا الباب أو لم يرد فتحه.. كان يمكن تحقيق اختراقات دبلوماسية عربية وغربية لو أن الحزب الحاكم وضع أشراط مجلس للسياسة الخارجية وهو أحد الآليات التي كان مولانا الميرغني يسعى لتحقيقها مرحلياً لانقاذ الوطن من المحاصرة الحقيقية التي ساهمت في تكوين أوضاع مأساوية للمواطن وضياع حقوق كثيرة، هذه النقطة التي تجاوزها الحزب الحاكم بفعل حقيقي كان سبباً قوياً لدبلوماسية وطنية عاجزة بقيود لم نستطع اطلاقها منها.. مجلس السياسة الخارجية الذي كان الطريق الأوفى لإنقاذنا كلنا، تدفق كالماء السراب في صحراء اتجاهات سياسية للحزب الحاكم، لأنه بالموضوعية الكاملة كان يُعنى بوضع إطار وطني تصالحي للسياسة الخارجية لبلادنا، إشارات مولانا الميرغني في ذلك جلية وواضحة. ففي كل لقاءاته مع الحزب الحاكم، كان يضع الحلول الواقعية لإنقاذنا من محاصرة دولية صعبة، هي السبب الأساسي أو الفرعي لتراجعنا سياسياً واقتصادياً، إشاراته تكفي لمعرفة كيف يكون الحل، وهذه هي فرضية المشاركة كما يضعها المشاركة في وضع الحلول، وليس فرضها،لأنه منطقياً هي لا تعني فرض القرار بالكامل، لكن من حسنات وضع الحل للأزمات الحالية والتبشير بها وضع رؤية شعبية مفادها،أن (الأصل) حزب يمتلك الحلول الواقعية والحقيقية لأزماتنا، ويمتلك آليات انجازها، هنا ذكاء سياسي لزعيم وطني يتجلى شعبياً ودولياً، شاركنا لنضع الحلول فإن أخذوا بها انقذوا الوطن والمواطن، وإن لم يأخذوا بها وضعناهم نحن في اتجاهات المحاصرة الشعبية من منطلق محاكمة الشعب لهم، الأصل ومولانا الميرغني وضعا الحل لهم، لماذا لم يعملوا به، هل لا يريدون إنقاذ الوطن، لماذا الكبرياء بلا موضوعية؟!!، وكلما كانت أسئلة الشعب كثيرة وجريئة، كان الكاسب مولانا الميرغني سياسياً بما يكفي والواقعية تفرض أن يكون الحل بالمشاركة. فالنزاعات والصراعات مع السلطة لن تكون إلا حريقاً كاملاً.. من هنا فقيمة المشاركة ليست إلا القول للشعب السوداني أن مولانا الميرغني والحزب (الأصل)لا يحملان البندقية لاعتبارات وطنية حقيقية ثم إنهما يضعان الحلول من رؤيتهما للأزمات، فإن أخذ بها الحزب الحاكم كان جمالاً للوطن، وإن لم يأخذ بها كانت النقطة المفصلية لصالح الأصل ومولانا الميرغني.. النقطة المفصلية الأخرى، (لماذا سعى الحزب الحاكم للمشاركة)..؟، مَنْ كان ساعياً لها أكثر..؟،الحقيقة الجلية أن الحزب الحاكم كان يسعى للمشاركة وفق رؤيته، ونفي سعي مولانا لها هو الصحيح، سعي المؤتمر الوطني لها يعني احتياجه لها مرحلياً وتكتيكياً، وعليه فقبول المشاركة يعني اختراقاً سياسياً واسعاً وشعبياً كثيفاً، من زاوية وضع الحلول من داخل بيت الحكومة وهنا بالضرورة النظر إلى أن المشاركة تعني أنك جزءاً من الدولة وليس من النظام.. محاكمة المشاركة على فعل السلطة فكرة غير موضوعية، لأنها ليست نصفية، والأصل ليس جزءاً من النظام القائم، ومهمته وضع الحل والجهر داخل منظومات السلطة وخارجها ومناقشة حلوله لأزمات الوطن، لكن تنفيذها والأخذ بها ليست مسؤوليته، من زاوية أخرى، أليست المشاركة دليل على جماهيرية (الأصل) هذا التدافع الواسع للمتفقين معها أو الكثيف بقوة للرافضين لها، دليل ساطع على حراك حزبي؟!!، فلولا المشاركة لكانت الجماهير (معارضة خفيفة)، لكنها جعلتها معارضة أصعب وأجرأ وأقوى من ذي قبل، بل إن المشاركة أخرجت تياراً صعباً في رؤيته للحزب الحاكم غير متوافق معه مطلقاً وجاهراً بهذا، منافحاً عنه بشجاعة.. هذه واحدة من تجليات مولانا الميرغني من المشاركة، مَنْ كان يظن بعد كل تلك السنوات (من أهل الحزب الحاكم) أن الحزب (الأصل) تتدافع فيه الآراء والصخب والجرأة لحد بعيد، لم يكونوا يظنون أن عرش الأصل قائماً وليس من زجاج، فلما كشف الوطن عن ساقيه بحثاً عن قياس في لُجة صعبة، كان القياس هو (الأصل)، كثيفاً بالمعارضة بما يكفي، كثيفاً بالمشاركة بما يكفي، نجاح في اتجاهين بنسبة يتفق فيها بعضٌ ويختلف معها بعضٌ آخر..