لحظات من الترقب والانتظار.. خيمت على القاعة الرئاسية الفخمة المطلة على النيل، فاللوحة الضخمة المعلقة على قوائم حديدية وتحدق مباشرة على المئات من الحاضرين كانت تحمل خبراً ظلَّ الجميع ينتظرونه وعيونهم معلقة على البوابة الكبيرة التي تتدافع منها الأجساد البشرية الى الداخل، الخبر يقول:» المؤتمر العام لولاية الخرطوم ..يخاطبه رئيس الجمهورية فخامة عمر حسن البشير». دخوله: غيبة ليست بالقصيرة أبعدت الرئيس البشير عن الأنظار، فمسألة ظهوره ليخاطب جماهير حزبه كانت كافية لتضع الجميع في خانة الانتظار والترقب الحذر لحضوره، ضجت القاعة بأغاني حماسية يرددها فنان شاب، دفعت بدماء الحماس لتغلي في الروؤس، وتمايل معها البعض طرباً، ثم عم خيم صمت لثوان، صعد على إثره مقدم البرنامج الى المنصة.. ولكنه لم يبدأ حديثه بعد، فقد ضجت القاعة ب(التكبير) إثر دخوله يرتدي زي بلدي ويضع عمامة بيضاء يحمل عصاه الشهيرة، وقف الجميع لتحية القادم وكان الرئيس البشير، وتعالت الموسيقى الصاخبة مصحوبة بأغنية مطلعها : « طيب انت يا البشير لا تشوف مرض لا شر» . النائب المثير للجدل: نادت المنصة على النائب المثير للجدل ذو اللحية البيضاء الكثة، ليقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم، الرجل لفت الأنظار منذ دخوله القاعة، حيث ظلّ يتجول على الحاضرين مصافحاً فرداً فرداً، يبادل البعض القفشات وتعلو وجهه ابتسامة تدحض تلك الصورة المرسومة في أذهان الكثيرين نتيجة تصريحاته المتزمتة والمعادية للمرأة دائماً، قرأ دفع الله حسب الرسول القرآن بصوت رخيم أذهل الحاضرين، وترجّل عن المنصة ملوحاً بيده للرئيس البشير وهو يمر أمامه بادله الأخير بابتسامة. قدّم قائد المنصة عرضاً مؤجزاً لما تم تنفيذه الشهور الماضية تحضيراً للمؤتمر العام، وقال:»عملنا على تطوير البناء الهيكلي للحزب، وبناءه الفكري وفقاً لوثيقة الاصلاح، وترسيخ قيم الشورى، لنكون نموذجاً وقدوة لممارسة حزبية راشدة ، حيث شكَّل حضور المرأة نسبة 44 %، وعقدنا 85 مؤتمر منطقة بنسبة حضور 74 %، مضيفاً :»تواصلت معنا عدد من قيادات الاحزاب المشاركة». هجمة مرتدة: نودي على ممثل القوى السياسية ليقدم كلمته، وكانت مفاجأة، إذ كان المنادي عليه هو الامين العام للمؤتمر الشعبي بولاية الخرطوم ومنافس د. عبدالرحمن الخضر السابق على منصب الوالي المهندس آدم الطاهر حمدون، بينما يمشي آدم صوب المنصة تعالت اصوات (التكبير والتهليل) من الحضور، ربما أرادوا بعث رسالة بأن وحدة الاسلاميين باتت وشيكة لا محال. بدأ حمدون حديثه ممازحاً الوالي عبدالرحمن الخضر وقائلا:» والي ولاية الخرطوم دي تحتها خطين ياعبدالرحمن»، ومضى في حديثه، وقال:»إننا على اعتاب بشائر وفاق سياسي وحوار وطني يعد مخرجاً صوب وحدة وطنية من الازمات»، مؤكداً على مبدأ الحريات العامة، انبرى له احد الحضور وقال معلقاً:»انتو الحريات الدايرنها دي شنو نفتح ليكم البارات مش كده»، وأشار حمدون الى ان تحقيق شعار وطن يسع الجميع لا يكون إلا بتعزيز الحريات والتنوير بحدودها واحتمالها، والوصول الى صيغه للتوافق السياسي كحد أدنى للعمل المشترك، مطالباً بجعل قضايا الخدمات أساسية في مرمى اهتمام الولاية ك(تعليم الاساس، الصحة العلاجية، صحة البيئة، المواصلات، الصرف الصحي، الحالات الخاصة، قضايا المعاش)، مناشداً بضرورة اغتنام ما اسماه بالفرصة عبر الحوار الوطني كمخرج من نفق الأزمات لأن المسؤولية الوطنية تحتم ذلك، مطالباً بالمزيد من الجهود لتعزيز الثقه بين القوى السياسية، وأردف موجهاً حديثه للقوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني:» عليكم بصدق التوجه ودفع المشروع نحو غاياته فواقع البلاد لا يحتمل مزيداً من التسويف»،مضيفاً:» فمعقولية بعض مطالبكم عليكم طرحها عبر طاولة الحوار الوطني حتى لا تستفحل الازمة»، مطالباً الحركات المسلحة بالالتحاق بركب الحوار وقال:»ما أهدر من دماء يكفي لان يكون مهراً»، مطالباً أيضاً بمشروع إصلاحي شامل يطال السياسات والتشريعات والاشخاص والهياكل ورد الحقوق ورفع الظلم لنصل الى خروج آمن لتكتل سياسي قوى يضعف من فرص التدهور والانهيار»، مشيراً الى أن التسامي على الجراحات واجب ديني ووطني، مردفاً:» لحظات الاختيار الصعبة من تاريخ الامم يتسابق فيها الفرقاء ، وأضاف:»أحسنت أخي الرئيس بالدعوة للحوار الوطني ولكنه يحتاج لمزيد من القرارات الرئاسية» وأردف:»عندنا في دارفور بقولوا الكبير تندل، والتندل بكبو في الاوساخ وبشخته كبريتة بتتحرق و التندل باقي»، مطالباً بوقف اطلاق النار، واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين، وفتح ممرات آمنة، ومنح ضمانات للمعارضين بالخارج. هدوء: صعد المنصة والي الخرطوم ورئيس المؤتمر الوطني بها د.عبدالرحمن الخضر، سيطر على محياه هدوء وراحة، وقال راداً مزاح حمدون :» بكرة الفولة بتتملي والبقارة بجو»، كاشفاً عن عدد أعضاء المؤتمر الوطني بالولاية بحوالي 1047ألف ، شارك منها حوالي 70 % فقط، كما جددت القيادة بكوادر شابة بنسبة 70 % أيضاً، وأردف:» أمامنا الكثير لنقدم أنموذج للتجمعات السياسية الاخرى». مفاجآت: قدّمت المنصة الرئيس البشير ليقول كلمته، كانت قصيرة ولكنها حملت اجابات لكثير من الاستفهامات حول الراهن السياسي احتار الجميع ليجدوها، مبيناً موقف رئاسة الجمهورية والمؤتمر الوطني حول كثير من القضايا، كانت كلماته مفاجأة وجعلت الحضور يكتمون أنفاسهم لسماعها، وقال :»ولاية الخرطوم هي رأس البلد، لابد أن يكون سليم، لآن أي خلل أو صداع في الرأس ينهار الجسد باكمله، مشيداً بأداء الحزب بالولاية قائلاً:»كل المخطط ليه مشى زي الساعة»، مشيراً الى التجديد في القيادة الذي بلغ نسبة 70 %، مردفاً:»كنت اطمع في 40 %فقط ووجدتها 70 % وهذه هي النقطة المهمة»، وأضاف نقدم هذه التجربة للاحزاب الاخرى لنريهم الديمقراطية التي يقدمها المؤتمر الوطني (ففاقد الشئ لا يعطيه)، ومضى في حديثه بقوله : للأسف السودان أول دولة نالت استقلالها في شرق أفريقيا وللأسف لازلنا لا نتحدث عن وضع دستور دائم، بل عن دستور انتقالي وحكومة انتقالية، فالدستور الدائم يمضي بالسودان صوب الاستقرار السياسي، ويضيف: عندما طرحنا برنامج الحوار الوطني لم نطرحه عن ضعف فنحن كالنخل نموت وقوفاً وانما نرغب في تجاوب كل القوى السياسية، فمبادرة الحوار تشمل كل الناس حتى حملة السلاح، ولكن البعض اعتقدوا أنها فرصة لتنفيذ كل أجندة تغيير النظام من خلال الحوار والحريات، ولكن لايوجد حرية مطلقة لأنها ستصبح فوضى وما يحدث في اليمن السعيد نموذج، ولكن لن تصبح الخرطومصنعاء، ولا توجد شروط مسبقة وعلينا مراعاة أن البلاد تمر بظروف استثنائية كالحروب في الأطراف. وأضاف البشير:»لن نسمح بالتحالف مع الجبهة الثورية، نعم دعيناها للحوار.. ولكن لن ندعوها للعمل السياسي»، وأردف :» أبعث برسالة للصادق المهدي، ندعوه للعمل في السودان ولكن بعد أن يتبرأ من الجبهة الثورية وإعلانه معها، وأقول له (بكرة الفولة بتتملي)، والانتخابات في ابريل القادم، وأشارة الى أن الانتخابات ليست مفاجأة ، ولن يحدث فراغ دستوري، فقد كان الوقت كافياً منذ العام 2010م للاستعداد لها، واضاف:»لامانع لدينا من اعادة تشكيل الحكومة في فترة ماقبل الانتخابات عشان كلهم يكونوا فيها». ومضى في حديثه بقوله: كانوا يعتقدون أنه بعد شهرين من ذهاب عائدات البترول أن تنهار الحكومة ولكنها لم تنهار ولاتوجد أي مظاهر انهيار اقتصادي انما غلاء وتضخم وهو أمر طبيعي، فالارزاق بيد الله ليست في رضاء امريكا او دولة الجنوب، واضاف:»فقدنا البترول وطلع الدهب وهو موجود من زمان ليه ما طلع الا في الوقت ده»، واردف: نحن أهل مبادئ لن نتنازل عنها، ولا نتعامل بانتهازية في سياستنا الخارجية، فقد وقفنا ضد غزو العراق ولم نكن بعثيين ولكن نتيجة سقوط صدام ضاعت العراق وسوريا والتهديد يمضي للبقية، ثم وجدنا اخواننا في قطر ساندونا في كل ما واجهناه، يكفي انهم تحملوا مفاوضات دارفور ثلاث اعوام واعضاء الحركات بالمئات يقيمون في فنادق الدوحة، واضاف:»وثيقة الدوحة هي الوثيقة النهائية تاني مافي تفاوض جديد الا الالتحاق بالوثيقه»، مشيراً الى أن قضايا المنطقتين لن يضاف لها سوى تسريح وإعادة دمج المقاتلين من أبنائها مردفاً:»ماعندنا غير كده»، داعياً أبناء السودان حاملي السلاح بالانضمام للحوار وأردف:»ح نأمنهم من دخولهم لخروجهم»، موضحاً بأنه لامانع في حريات لا تمس الأمن القومي ولاتضرب معنويات القوات المقاتلة. وقال موجهاً حديثه لوزير الصحة بولاية الخرطوم بروفيسور مأمون حميدة:»مستشفى الخرطوم ليست بصنم يعبد، وأمشي يا مأمون في برنامجك» ثم عاد ووجَّه حديثه لاطباء السودان قائلاً:»اخوانا الدكاترة خليكم صادقين وانقلوا عياداتكم من شارع الاسبتالية»، وفي قضية انقطاع التيار الكهربائي، برَّر البشير بأنه من المعلوم أن الخريف يضعف التوريد المائي ، وقال: ساعين ببرامج وخطط لادخال محطات جديدة (ستيت، نهر عطبرة، كوستي)، ولكن الاستهلاك يمضي في زيادة، مردفاً:»الكان عندو مروحة ركب مكيف مويه، والعندو مكيف مويه ركب اسبيلت ولا ما كده يا الأمين دفع الله.