جعلت ليبيا خلال السبعة عشر شهراً التي مرت بعد مقتل القذافي من بناء جيش وطني أولوية قصوى، ولكن التقدم صوب تحقيق هذا الهدف ظل بطيئاً في أحسن الأحوال مع اعتراف مسؤول ليبي بارز بأنه لا يعرف حتى عدد الجنود في الجيش الليبي. وعلى الرغم مما تلمح إليه تصريحات المسؤولين الليبيين من أن هناك إجماعاً حول الحاجة الملحة إلى جيش وطني فعال يضمن الانتقال السلمي نحو الديمقراطية وقطيعة تامة مع تركة القذافي التي تمثلت في وجود جيش ضعيف وكتائب قوية تابعة لأبنائه. إلا أن الإرادة السياسية في تشكيل جيش قوي لا تكفي لوحدها لإحراز التقدم المطلوب، فحالة المحدودية وشبه غياب جيش ليبي قادر على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، بعد عامين على ثورة الليبيين وإطاحتهم بالنظام، تشير بوضوح إلى أحد أهم التحديات المطروحة على الحكومة المؤقتة، والمتمثلة في العجز عن بناء مؤسسات للدولة تقود مسيرة ليبيا نحو الديمقراطية. صعوبات أكبر كما أن العقبات التي تحول دون تطوير جيش ليبي فعال تعكس في الحقيقة الصعوبات الأكبر التي تواجهها ليبيا فيما هي تبحث عن صياغة هوية وطنية جديدة عقب 42 سنة من حكم اعتمد طيلة تلك السنوات على مزاجية رجل واحد. ؛؛؛ العقبات التي تحول دون تطوير جيش ليبي فعال تعكس الصعوبات التي تواجهها ليبيا فيما هي تبحث عن صياغة هوية وطنية جديدة عقب 42 سنة من حكم الفرد ؛؛؛وخلال العام الماضي أوكلت السلطات الليبية مهمة الحفاظ على الأمن في مختلف المناطق الليبية إلى الثوار الذين أطاحوا بالقذافي، في أفق استكمال العمل في بناء جيش وقوات أمن مستقلة، لتظل المليشيات المختلفة المنضوية تحت عدد من الألوية والكتائب المتباينة هي المسؤولة الوحيدة، دون مشاركة الجنود وضباط الشرطة، عن حماية الأمن العام في مدن مثل العاصمة طرابلس وبلدات أخرى على امتداد التراب الليبي. وفي غياب قيادة مركزية قوية تشرف على المئات من المليشيات المحلية التي تسهم في توفير الأمن ظل العديد من تلك القوات التي قاتلت كتائب القذافي كما هي لتستمر في العمل خارج نطاق القانون. مليشيات الشرعية الثورية والنتيجة أن "الشرعية الثورية" التي يجسدها أفراد المليشيات وقادتهم باتت أكبر من تلك التي كان يتمتع بها أفراد النظام السابق، وفي بعض الحالات رخصت الحكومة المؤقتة إنشاء مظلات أمنية تضم المليشيات مثل "قوات درع ليبيا"، هذا فيما تظل مناطق أخرى خاضعة كلياً لحكم المليشيات مباشرة. وحتى عندما أعلن رئيس الحكومة المؤقتة، علي زيدان، عندما تولى السلطة في شهر أكتوبر الماضي، بناء جيش محترف يقطع مع ممارسات النظام السابق وإنشاء قوات شرطة وطنية، ظلت هذه الوعود تواجه تحديات في ظل الصعوبات الأمنية من جهة والضعف السياسي للحكومة المؤقتة من جهة أخرى. وهذا الجيش الاحترافي الذي تعهد به زيدان يراه العديد من الليبيين مجرد اسم، فالعديد من الجنود المحترفين الذين خدموا في الجيش الليبي خلال حكم القذافي وظلوا يحاربون معه حتى سقوطه إما قتلوا، أو فروا من ليبيا، أو أنهم سعوا إلى التخفي وإنكار علاقتهم بالنظام السابق خوفاً من المضايقة، وهو الأمر الذي يثير سؤالاً أساسياً عمن بقي في الجيش الليبي النظامي؟ ؛؛؛ "الشرعية الثورية" التي يجسدها أفراد المليشيات باتت أكبر من تلك التي كان يتمتع بها أفراد النظام السابق، ورخصت الحكومة المؤقتة إنشاء مظلات أمنية تضم المليشيات مثل "قوات درع ليبيا" ؛؛؛جيش مجهول العدد وعندما توجهت بالسؤال إلى جمعة السايح، رئيس لجنة الدفاع في المؤتمر الوطني العام الذي انتخب في يوليو الماضي، قال إنه ليست لديه أدنى فكرة عن عديد الجيش الليبي، هذا في الوقت الذي تتوافر فيه المليشيات الليبية على سلاح جيد وقدرات لا يستهان بها. ويؤكد هذا الأمر الاستبيان الذي أجرته مؤسسة متخصصة في مراقبة الأسلحة الخفيفة يوجد مقرها في جنيف، حيث أظهر أن المليشيات المسلحة في مصراتة، وهي تعد ثالث كبريات المدن الليبية التي شهدت أشرس المعارك ضد كتائب القذافي، تسيطر على 90 في المئة من الأسلحة في المدينة. وعن التحديات التي تواجهها ليبيا يقول برايان ماكوين، الباحث بجامعة أكسفورد المتخصص في المجموعات الليبية المسلحة التي نشأت بعد الإطاحة بحكم القذافي إن "من المشكلات الأساسية التي تعانيها ليبيا في الوقت الحالي تحويل قوات ثورية غير مركزية تتشكل من الآلاف من الوحدات إلى هياكل أمنية تابعة للدولة وتخضع لآليات المراقبة الديمقراطية". ؛؛؛ رئيس لجنة الدفاع في المؤتمر الوطني العام ، ليست لديه أدنى فكرة عن عديد الجيش الليبي، في الوقت الذي تتوافر فيه المليشيات الليبية على سلاح جيد ؛؛؛تفاهمات أمنية وأضاف ماكوين أن القادة الليبيين يكافحون من أجل بناء جيش وطني جديد، وفي الوقت نفسه يعترفون بأهمية إدماج العديد من عناصر المجموعات المسلحة المحلية الذين ضحوا بالكثير خلال حرب الإطاحة بالقذافي. وفيما يتعلَّق بفعالية التفاهمات الأمنية الراهنة التي تتوزعها فرق مسلحة تابعة للثوار تعمل في انفصال تام عن بعضها بعضاً، وبعضها مستقل عن الحكومة، يرد ماكوين متسائلاً: "ولكن ما البديل عن ذلك؟" ومن أجل بناء جيش وطني عينت الحكومة المؤقتة في أوائل السنة الماضية العقيد السابق في الجيش الليبي، يوسف المنقوش، رئيساً لهيئة الأركان، ولكنه يواجه اليوم عدداً من الصعوبات ما دفع البعض إلى المطالبة بإقالته، وهو ما عبر عنه السايح قائلاً: "نحن نسعى اليوم لتعيين شخص بديلاً عنه، لقد حاول المنقوش بذل الجهد ولكنه لم يستطع نظراً لتعقيد المهمة"، منتقداً أداءه الإداري دون أن يتحدث عن ماضيه في الجيش تحت إمرة القذافي. ؛؛؛ القادة الليبيون يكافحون من أجل بناء جيش وطني جديد، وفي الوقت نفسه يعترفون بأهمية إدماج العديد من عناصر المجموعات المسلحة المحلية الذين ضحوا بالكثير خلال حرب الإطاحة بالقذافي ؛؛؛انتقادات مستمرة ويوجد المنقوش في وضع لا يحسد عليه حيث يواجه انتقادات مستمرة من قبل أعضاء في البرلمان لاستمرار التعثر في مهمة بناء الجيش وعدم استكمالها، وبالإضافة إلى مؤاخذات السياسيين يواجه المنقوش أيضاً مطالب قادة المليشيات القوية الذين لا يبدون أنهم مستعدون للتخلي عن السلطة لصالح مؤسسته. ومع تركيز ليبيا على عملية بناء مؤسسات جديدة للدولة سواء في الجانب الأمني، أو غيره، ومع محاولات صياغة الدستور المتعثرة حتى الآن، يبقى السؤال: من سيُعهد إليه بقيادة المرحلة من قبل المؤتمر الوطني العام، ففي طرابلس يناقش المؤتمر الوطني المكون من 200 عضو مشروع قانون العزل السياسي الذي سيحدد المواطنين الليبيين الذين لا يحق لهم الترشح لمناصب سياسية بالنظر إلى عملهم السابق مع القذافي ودورهم خلال سنوات حكمه. ؛؛؛ الحكومة بدأت في توفير الخيارات لعشرات الآلاف من الشباب الليبي الذي لعب دوراً في الثورة في محاولة لدفعهم للتخلي عن السلاح ؛؛؛ تحفظات ناشطين وهذا القانون يواجه تحفظات من بعض الناشطين الذين يرونه واسعاً وقد يمنع العديد من الليبيين الذين كانوا مضطرين للعمل مع القذافي من حقوقهم في المشاركة السياسية وبناء الدولة الجديدة. وعن هذا الموضوع يقول السايح "لدينا أناس متعلمون في كافة فروع الجيش، وعلى رغم فرار البعض من البلاد فإن البعض الآخر كان يعمل ضد القذافي في السر"، معبراً عن خوفه من فقدان خيرة الضباط ذوي الخبرة والكفاءة ومنعهم من المشاركة في بناء الدولة بسبب مشروع القانون المذكور، مؤكداً أن الثوار الذين يسيرون نقاط التفتيش ويقومون بمهام أمنية نيابة عن الدولة "عليهم العودة إلى وظائفهم القديمة، أو إعادة التأهيل في الأكاديميات العسكرية للاندماج في الجيش". وقد بدأت الحكومة في توفير هذه الخيارات لعشرات الآلاف من الشباب الليبي الذي لعب دوراً في الثورة في محاولة لدفعهم للتخلي عن السلاح، ولكن حتى تؤتي هذه البرامج أكلها ستبقى النماذج الأمنية في ليبيا نموذجاً لثورة غير مركزية، بل وربما تعوزها وحدة الهدف بعد الإطاحة برأس النظام السابق. نشر في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) بتاريخ 24 فبراير 2013