أثار اعتقال قائد كتيبة البراء بن مالك، المصباح أبو زيد طلحة، في مدينة الإسكندرية المصرية، عاصفة من التساؤلات حول مستقبل التحالفات داخل معسكر الجيش السوداني، وإمكانية بدء مرحلة من "التصفية الناعمة" ضد قادة التيار الإسلامي المسلح الذين شكلوا قوة ميدانية داعمة للفريق أول عبد الفتاح البرهان في حربه ضد قوات الدعم السريع. المصباح، أحد أبرز رموز الإسلاميين العسكريين في السودان، دخل مصر قبل أسابيع بدعوى العلاج والالتقاء بأسرته، لكن مصادر متطابقة أكدت مشاركته في لقاءات سياسية ودينية غير مصرح بها، وهو ما عدّته القاهرة تجاوزًا لشروط الإقامة. فجر يوم الاعتقال، داهمت قوة أمنية مجهولة مقر إقامته، وسط أنباء عن مرافقة سيارة دبلوماسية سودانية للعملية، في مشهد يوحي بوجود تنسيق أمني بين الخرطوموالقاهرة. رسالة سياسية أم حادث أمني؟ مراقبون اعتبروا أن توقيف المصباح لا يندرج في إطار الحوادث الأمنية الروتينية، بل يمثل رسالة سياسية مصرية صارمة ضد محاولات تمدد التيار الإسلامي السوداني عبر بوابة العمل المدني، خاصة بعد إعلان كتيبة البراء في يوليو الماضي تخليها عن العمل العسكري وتأسيس هيئة "سند" للإسناد المدني. هذا التحول، بحسب تقديرات مصرية، قد يمنح الإسلاميين نفوذًا سياسيًا في مرحلة ما بعد الحرب، ويعيد إنتاج مشروع التمكين الذي أسقطته ثورة ديسمبر. تصدع تحالف البرهان الكاتب والمحلل السياسي عمار نجم الدين، يرى أن صمت قادة الجيش، وعدم تحرك السفارة السودانية بشكل علني، يعكس احتمال وجود توافق ضمني على التضحية بالمصباح لامتصاص الضغوط الإقليمية. وذهب إلى حد القول إن ما جرى يعيد للأذهان الصراعات الداخلية التي مزقت النظام السابق، مؤكدًا أن البرهان ربما يفرغ بيته من الداخل قبل أن يلتهمه الصراع الأكبر. قلق مصري مصر، التي دعمت الجيش السوداني في معركته ضد الدعم السريع، ترفض بالمطلق أي محاولة لإعادة الإسلاميين إلى واجهة الحكم. خبراء في القاهرة يرون أن كتيبة البراء تمثل "جيشًا داخل الجيش"، وأن شعاراتها التعبوية وخطابها العقائدي يعمّقان الانقسام داخل المؤسسة العسكرية، ما يهدد استقرار السودان ويضعف موقف الجيش في أي تسوية سياسية مقبلة. جوهر الصراع قضية المصباح تتجاوز شخصه لتلامس جوهر الصراع على شكل الدولة السودانية بعد الحرب. فبينما يراهن الإسلاميون على تحالفهم مع الجيش للعودة إلى السلطة، تضع القاهرة وحلفاؤها الإقليميون خطوطًا حمراء تمنع تكرار تجربة حكم البشير، وتضغط باتجاه إنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة التي تعمل بموازاة المؤسسة العسكرية الرسمية. ويبقى السؤال: هل ما حدث مع المصباح هو إنذار فردي، أم بداية مسار أوسع لتقليم أظافر الإسلاميين في معسكر البرهان قبل أن يتحولوا إلى خصم داخلي يصعب احتواؤه؟.