دعوة مسعد بولس لهدنة الأشهر الثلاثة ليست دعوة بريئة و هي أيضا ليست بالهدنة، بل هي خطة إنقاذ للمليشيا وهي تواجه حاليا أعنف هجوم وتقدم للجيش في كردفان، بينما تعاني هي من إنقسامات خطيرة وتراجع معنوي وتواجه أيضا تطور قدرةً الطيران والمسيرات التابعة للجيش على التعطيل والقطع لخطوط إمدادها. كما تعيش المليشيا أسوأ أوقاتها على الإطلاق وهي تواجه الحملة الدولية المتصاعدة ضد مذابحها في الفاشر ومناطق أخرى والتي انتقلت الآن من الإعلام الي البرلمانات والمنظمات الدولية ، وتواجه دعوات لتصنيفها جماعة إرهابية مما يلغي أيما أحتمال لوجودها طرفا معترفا به في أية تفاهمات قد توقف الحرب وتهييء البلاد لمرحلة السلام والإعمار. وأهداف الضغوط السياسية والإعلامية والتي تقف وراءها جهات تعلم أن وجود المليشيا فاعلة وذات مصداقية هو ما يحقق نفوذها المطلوب في سودان في مرحلة ما بعد الحرب.وهذه الضغوط تريد فرض هدنة بغير شروط بينما تتقدم فيها الوساطة فيها(ويا للعجب) بسلسلة من الإشتراطات التي ترسم من خلالها تطورا للأوضاع في السودان يفقد البلاد سيادتها ويضعها تحت أملاء هذه الجهات الممولة للحرب، والمتطلعة لتحقيق مقاصدها من إشعالها وتأجيجها وتمويلها. وما سوف يترتب على هدنة في مثل هذه الظروف مع عدم وجود ضمانات لانسحاب المليشيا خارج المدن المحاصرة والمحتلة إنما يعني ببساطة سقوط هذه المدن المحاصرة في يد المليشيا وتكريس إحتلال المليشيا للمدن في دارفور وما يعني تكريس واقع التقسيم والفصل لدارفور وتطبيق الإنموذج الليبي بحذافيره في السودان. ولا تغرنك التصريحات بعدم الإعتراف بالإنفصال، فمجرد إعتبار المليشيا طرفا مساويا وموازيا للجيش في مائدة تفاوض بحضور وإشراف أطراف دولية فذلك يمثل أكبر من أي إعتراف دبلوماسي بالمليشيا وكيانها السياسي المصنوع خارج البلاد. و يمثل أكبر خسارة للجيش وللشعب وللسودان وستكون ما تسبب فيه هذه الهدنة من وقف الحملات في كشف إجرام المليشيا وإبادتها العنصرية وغسل جرائمها وتقديمها مرة أخرى كيانا شرعيا وصانعا أكبر إهانة للشعب السوداني.. ولربما يسأل السائل لماذا قد تؤدي الهدنة إلى سقوط المدن المحاصرة (بابنوسة والدلنج وربما كادوقلي) في يد المليشيا حال قبول تلكم الهدنة ، والميليشيا التي قبلت لفظياوقفاً من طرف واحد أو ماتسمى هدنة "إنسانية" لثلاثة الأشهر. إنما فعلت ذلك للضغط على الجيش وإظهار موقفه بالرافض للسلام . وأما الجيش فيرفض الصيغة الحالية و قد عبّرت قيادة الجيش عن رفضها للمقترح المشروط بشروط الرباعية لا بشروط الشعب السوداني ، وأعتبرت قيادة الجيش أن الهدنة "غير مبرئة للذمة" لأن المليشيا ستظل في مواقعها بل سوف تعززها بإستمرار بتدفق الإمدادات من الغرب والشمال والجنوب إليها، وذلك بعد تحييد قدر الجيش على قطعها بسبب الهدنة التي يراد فرضها بالضغوط والتهديد في واقع عدم وجود ضمانات لسحب المليشيا وهو الشرط الذي وضعه الجيش لإيقاف القتال هو "انسحاب المليشيا من المناطق التي دخلتها بعد إعلان جدة" فليس الأمر مجرد هدنة بل ستتحول بلا شك من كونها هدنة إلى هدية يمنحها الجيش على حسابه وحساب الشعب للمليشيا وداعميها ومناصريها والسياق العسكري المتغير لصالح الجيش في كردفان والحملات المناوئة للمليشيا التي أعقبت سيطرة المليشيا الفاشر ومذابحها هناك سوف لن تتواصل إذ قبلت الهدنة، وهذا سوف يعطي المليشيا حافزا للاستفادة من هدنة لوقف هذه الحملة العالمية التي تدعو لقطع الإمداد عنها بل ربما يسهل غض البصر عن تدفق الإمداد إليها من الأطراف التي تهييء لإستمرار القتال بعد هدنة يعلم الجميع انها لن تودي للسلام بل لتطاول الحرب وتعقيدها وتكريسها أمرا واقعا يمنع عودة البلاد إلى الأمن والإستقرار . إن ما تسمى بالهدنة مع غياب سياق واضح يؤدي للسلام ولصورة للأوضاع تتطابق مع تطلعات الشعب إنما هي مجرد ضغط دولي منسق ومحاولات تسعى إلى تبييض صورة المليشيا وإضفاء الشرعية عليها، ويجيء الإعلان عن هدنة في لحظة ضغط إعلامي ودولي يعزز احتمالية أن المليشيا تسعى لترسيخ وجودها بصفة "قوة أمر واقع" قبل أي تفاوض سياسي. وبناءً على ما تقدم فإنه إذا لم تتضمن الهدنة ضمانات حقيقية مثل (الإنسحاب كما تطلبه خارطة الطريق المقدمة من الحكومة ، و تتبعه مراقبة دولية فعالة، وضمانات بإلغاء الوجود الإعتباري للمليشيا وإحترام سيادة السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية )،فأن الهدنة المقترحة أيما كانت الجهة التي تقترحها إنما تُستخدم كغطاء لترسيخ سيطرة المليشيا على مدن محاصرة أو محتلة، وربما تمهد لسقوط المدن المحاصرة لصالح المليشيا و إنما تستخدم الدعوة للهدنة كذلك لتكريس تقسيم البلاد و لمحاولة تبييض ثوب المليشيا الملطخ بدماء الأبرياء. أمين حسن عمر إنضم لقناة النيلين على واتساب Promotion Content أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك