منعم سليمان أصدقكم القول: إنّ مشاعر متناقضة، هي خليطًا من الشفقة والأسى، أصبحت تتملكني تجاه كميل إدريس؛ ذلك القزم الأجوف الذي جرّه البرهان إلى المسرح ستارًا مدنيًّا يستر به سوءاته العارية المعروضة بلا حشمة أمام العالم! أراد البرهان أن يأتي بصورةٍ شكلية تُحاكي حمدوك، فإذا به يجيء بصورةٍ كاريكاتورية مشوهة بلا عمق؛ لا تقترب من الجوهر وبعيدة عن كل مضمون! لقد أسَر البرهان نفسه في وهم التعويض: أن يستبدل حمدوك بنسخةٍ مُقلّدة، فأتى ب"كميل" الذي ارتضى بهذا الدور المهين، فوقع هو الآخر في عقدة نقصٍ صارت ملازمة له؛ تزلزله وتنهش كيانه. قاس نفسه على حمدوك فقَصُرت قامته، وسعى أن يلبس جلبابه فإذا بالجلباب يتدلّى عليه فضيحةٌ لا تُستر، وجرّب أن يقلّد مشيته فتعثرت خطاه! أصبح حال الرجل كحال ذلك الحيوان الذي أراد أن يقلّد مشية الغزال، فإذا هو يتحوّل إلى كائنٍ غريبٍ يتقافز في الوحل؛ لا هو بقي على سجيته، ولا بلغ غاية تقليده. وأصبح مسخًا يتأرجح بين صورتين: صورة الأصل التي لم يبلغها، وصورة ذاته التي خسرها! هذا الرجل التافه، الذي يفتقد حتى فضيلة أن يكون تافهًا صامتًا، يصرّ على أن يُذكّرنا كل يومٍ بخفته وضحالته. وآخر مهازله كانت يوم أمس، حين تحوّل إلى أميغو، موجّهًا خطابًا إلى الشعب الكولومبي باللغة الإسبانية، في بادرةٍ من الهبل والخطل لم يسبقه إليها أحد. فكيف لرئيس وزراء سلطةٍ هزيلة لا مكان لها في خريطة العالم أن يخاطب شعبًا آخر؟! وإن كان لا بدّ مما ليس منه بد، فلماذا لم يوجّه رسالةً عبر القنوات الدبلوماسية إلى رئيس كولومبيا مثلًا؟ لماذا هذا الاستعراض البذيء الذي لا يُبهر أحدًا؟! أيّ هبلٍ وعبطٍ أشنع من أن يقف رئيس وزراء سلطةٍ في بلدٍ ممزّق مهدّد بالزوال، لينطق بكلماتٍ لا يفهمها قومه، ولا تُغيّر من واقع الكولومبيين شيئًا، سوى أنها تفضح خواءه وتستعرض عجزه؟ ولماذا يدفع السودانيون الثمن من حياتهم وكرامتهم وصورتهم أمام العالم، بسبب رجلٍ أجوف تافهٍ تنخره عقدُ نقصٍ تنقص عليه معيشته؟ مكانه الطبيعي مصحّات علاج الشعور بالدونية، والانفصام، والانفصال! لقد شعر الرجل بحجم تفاهته، فأراد أن يثبت امتلاكه شيئًا واحدًا بعد فشله حتى في أن يكون كاريكاتورًا، فإذا هو لا يملك سوى العبث، ذلك العبث الذي لم يجلب له – ولنا – سوى السخرية والازدراء. ثم من أوهم هذا المريض أن إجادة اللغات دليلٌ على العقل والوعي، أو برهانٌ على رجاحة الفكر؟! فاللسان قد يُطوّع للحفظ والترديد كما يُطوّع الببغاء لترديد الأصوات دون أن يفقه معناها. والمعيار الحقّ ليس ما ينطق به اللسان، بل ما يبنيه من وعي، ويشيده من معارف ورؤى، وما ينعكس عنه من فكرٍ وعقلٍ راجح. إن كميل إدريس ليس مجرد تافهٍ عاثر الحظ، بل هو تجسيدٌ لانحطاطٍ كاملٍ شامل ضرب كل أوجه الحياة في بلادنا. إنه مأزق أمةٍ بأسرها، ووجهٌ قميء شاحب لمأساةٍ أكبر. إنّه مشهدٌ وأنموذجٌ صارخ يلخّص بؤس مرحلةٍ هي الأشدّ تدهورًا وانحطاطًا في تاريخ السودان الحديث. أغِثنا يا الله.. من هذا البؤس أغِثنا.