تتميز المرأة السودانية بقوة الشخصية والعمق الحضاري والقدرة الفائقة على التعامل مع الأزمات، فضلاً عن تعدد الأعراق والخلفيات الثقافية على نحو يثري البلاد بشكل لافت. وعلى هذه الخلفية، يمكن النظر إلى ظاهرة "الحكامات" التي يُقصد بها شاعرات شعبيات يؤدين أدواراً سياسية واجتماعية، أبرزها درء خطر النزاعات المسلحة بين الأقاليم والمناطق المختلفة عبر إلقاء قصائد تحض على السلام وتبرز أهمية الود والعفو والتسامح. واللافت أن "الحكامة" كانت فيما مضى سبباً بتحريض القبائل والعشائر ضد بعضها بعضا، لكن بمرور الزمن وتفاقم ويلات الحرب التي كانت المرأة أول من يدفع ضريبتها، تحولت طاقتها إلى إحلال السلام عبر القصائد الغنائية الشعبية على نحو جعل الفرقاء يستدعونها لتكون طرفا أساسيا في "التحكيم" بينهم. ويُظهر المجتمع الذكوري احتراماً كبيراً للحكامات لاسيما في مناطق دارفور والقبائل الرعوية، فقد أصبحن رقماً لا يمكن تجاوزه، لا سيما في ظل أشعارهن التي تهجو الغارات التي كانت تشنها قبيلة على أخرى حين يترك رجال الأخيرة المكان للحرب أو العمل بعيداً، فتكون النساء عرضة للخطف والاعتداءات المختلفة. وتطور دور "الحكامات" ليضم اليوم مهام جديدة توعوية، مثل التحذير من أمراض الطفولة وزواج القاصرات ختان البنات، مع التحريض على تعليم الصغار وتسليح النساء بالعلم والتخويف من آثار الأمية على الأسرة والمجتمع. وتعد الباحثة في مجال الدراسات السوسيولوجية سعاد مصطفى الحاج من أبرز من تعمقن في ظاهرة "الحكامات"، فقد خلصت إلى أنه "لا يوجد تاريخ محدد لظهورهن في السودان، لكن وجودهن ارتبط بدخول العرب إلى البلاد، وهو تاريخ غير محدد، وكذلك الوجهة التي قدمن منها، والمؤكد أنهن يشكلن مكوناً ثقافياً من مكونات القبائل العربية، بخاصة قبيلة البقارة في دارفور وكردفان".