الحلقة الاضعف قادتنا لتصدر مجموعتنا بالسعودية. ضعف الفكر الاحترافي سبب هزيمتنا بتسعة اهداف من المنتخب السوري. "من السهل ان ترتدي شعار القمة ولكن من الصعب الانضمام للموردة"،مابين الاقواس ليست حكمة او قول مأثور بل قناعة رسخت في ذهني منذ 16 عاما وظللت ارددها لاعبا ومدربا وصحفيا رياضيا وحتي بعد ابتعادي عن اجواء الرياضة الرائعة وولوجي حقل العمل الصحفي السياسي الشائك مازلت على قناعة تامة بان الظروف قد تخدم اللاعب وينضم الى الهلال او المريخ ولكن عبور بوابة الموردة لارتداء شعار الهلب ليس بالامر اليسير لجهة ان القائمين على امر التسجيلات فيها يرتكزون على معايير خاصة في ضم اللاعبين ليس اهمها بطبيعة الحال المستوى الفني ،وعبر صحيفة "قوون" العملاقة ولأنها ذهبت في اتجاه التوثيق للاحداث الكروية التاريخية وهذا هو الضرب المفقود في صحافتنا الرياضية ،فضلت ان اكتب اليوم عن ثلاثة احداث كبيرة جرت عندما كنت لاعبا بالموردة في العام 1998،ورغم انني لم اتوشح بشعار هذا النادي العملاق سوي عام واحد لم اكن خلاله نجما بارزا الا انني بكل تأكيد اعتز وافتخر بتدوين اسمي في سفر موروث من موروثات الشعب السوداني ومصدرا لفخره واعتزازه وهو نادي الموردة العريق. فريق كبير في تسجيلات شتاء العام 1997 انضممت الي الموردة قادما من الناصر الحصاحيصا وكنت حينها طالبا في المستوى الاول بكلية الاعلام بجامعة السودان وشهدت ذات الفترة انضمام عدد من اللاعبين الشباب الى القراقير ومنهم عمار ابوكدوك وانور الشعلة وخالد سيكا وعوض الله الباشا ،لم نجد بوصفنا لاعبين جدد صعوبة في الانسجام مع مجتمع الموردة وفريق الكرة الذي كان يضم افذاذ واساطير ونجوما كبار خلقا واخلاقا ومستوى فني وابرزهم بطبيعة الحال الخلوق احمد عبدالمنعم خفاجة الشهير بالجقر ونجم النجوم احمد بريش والفنان هيثم السعودي وبرشم اخوان ونميري سكر ومحمود المستقبل وغيرهم من لاعبين ،ومنذ بداية فترة الاعداد تأكد لنا اننا نلعب في فريق كبير له قيمه وارثه وادبه وهذا مالمسناه من خلال تعامل كبار النجوم مع الادارة والجهاز الفني وهو ذات الشئ الذي تشربناه سريعا ،وكان وقتها يقف علي رأس الجهاز الفني الفقيد عامر كلانا ثم جاء من بعده الخبير الفاتح النقر بمعاونة الكابتن احمد ابوكدوك ،وكان يرأس النادي الاستاذ ومربي الاجيال السر محمد ابراهيم وهذا الموردابي الاصيل لم يكن يمتلك مالا وفيرا بل كان يمتلك ماهو اغلى من المال وهو روح الموردة التي غرسها في اللاعبين وكان يحظى باحترام كبير من قبل الاسرة الموردابية ..وكان الجنرال السابق في الجيش السوداني ورجل الاعمال الرشيد عوض نائبا له وهو من الذين جمعوا بين انضباط العسكر والتعامل السلس وكان يدفع بسخاء للفريق ،ووقف الكابتن عمار زكي علي رأس دائرة الكرة وهو كان يجيد التعامل مع اللاعبين بل من اسباب تفوق الفريق في تلك الفترة،وهنا اشير الي ان ابرز الاسباب التي جعلت الموردة فريقا مهابا ومتماسكا ومتجانسا في تلك الفترة تتمثل في ان اللاعبين كانوا يقضون معظم ساعات اليوم مع بعضهم رغم عدم وجود معسكرات ،ففي فترة الظهيرة كنا نتوزع مابين منزل مدير دائرة الكرة ..ومنزل النجم الكبير محسن سيد او سوق الموردة وكثيرا ماكنا نتناول وجبة الافطار مع عادل الشايقي بسوق السمك وعادل هذا يموت عشقا في الهلب ..وكان منزل برشم اخوان ايضا من الاماكن التي يلتقي فيها اللاعبون ،وفي المساء نذهب مبكرا الي التدريب وعقبه يلتقي معظم اللاعبين في كافتريا الكوتش بالموردة ،يأتي ذلك وسط اجواء من المحبة والاخاء وكان السعودي فاكهة تجمعاتنا بقفشاته وخفة دمه وكان محبوبا من الجميع ،وكذلك بريش صاحب الطرفة الحاضرة ..وهيثم شوشه سريع البديهة.. وخالد برشم ملك التعليقات ،وهكذا مضت بنا الايام ونحن نشارك في الدوري الممتاز ونسجل انتصارات متتالية رغم قوة النسخة الثالثة. صحيفة تفجر براكين الغضب والدورة الاولي تتخطى منتصفها والموردة وصلت الي مستوى فني عالي وجاهزية جيدة شاءت الاقدار ان تخوض مباراة ضد الهلال ووقتها كان متصدر للمنافسة ويمر بافضل حالاته الفنية ،وفي اسبوع المبارة التي جرت في شهر مايو ان لم تخني الذاكرة لعب الهلال في يوم الاحد مباراة تاريخية في البطولة الافريقية بملعبه بامدرمان ضد الزمالك المصري الذي كان ملء السمع والبصر عربيا وافريقيا ..ولكن تمكن الهلال من قهره بهدف من ركلة جزاء سجله ابوشامة وهو الهدف الذي كفل للهلال التأهل الى المرحلة التالية من البطولة الافريقية للاندية الابطال ،وهو انتصار اسعد انصار الازرق لأنه جاء على حساب فريق عنيد وعريق الا ان الهلال وفي ذلك الوقت كان يمتلك فريقا مهابا وقويا يضم ابرز نجوم الكرة بالسودان ابرزهم زاهر مركز ،ياسر رحمة،احمد النور ،هيثم مصطفي ،محمد حمدان وكومي وحمد كمال وغيرهم ،وفي يوم الاربعاء اي عقب ثلاثة ايام من مباراة الهلال التاريخية ضد الزمالك كانت مواجهتنا ضده وفي يوم المباراة تجمع لاعبو الموردة عقب الثانية عشرة ظهرا بمنزل السر المغربي بحي الموردة وتناولنا وجبة الغداء وقضينا ساعات توزعت مابين محاضرة عن المباراة ومشاهدة التلفزيون وتبادل القفشات ،والاجواء كانت هادئة في المعسكر القصير الا ان صحيفة احضرها غاضبا احد اقطاب الموردة فجرت الاوضاع حيث حملت بين عناوينها مايلي"الهلال يحتفل اليوم بفوزه على الزمالك" وكان هذا العنوان مثل البركان الذي انفجر في وجوه نجوم الموردة الذين لم يعجبهم العنوان والمادة فكان ان تعاهدوا علي تأكيد جدارة الموردة . مباراة للتاريخ وفي المباراة التي حضرها جمهور غفير ضاقت به جنبات استاد الهلال وكان معظمه من عشاق الموج الازرق المنتشين بفريقهم الذي قهر الزمالك، كان العطاء وافرا من نجوم الفريقين بل وقويا اتسم بالندية، ولا اقول ان اداء نجوم الهلال كان متراخيا ولكن عزيمة نجوم الموردة كانت اقوى وهذا مالفت نظرنا نحن الجالسين على دكة البدلاء ،هجمات متبادلة وندية وشراسة من الطرفين الا ان جاء الهدف الاول للموردة عن طريق النفاثة البشرية صبري مكين (ان لم تخني الذاكرة) لتتحول المبارة لصالح القراقير الذين صالوا وجالوا في الملعب مقدمين اداءً رفيعا ليضيف عبدالرحيم برشم الهدف الثاني وسط دهشة جماهير الازرق الذين لم يكونوا يدركون ان الشوط الثاني سيكون اكثر مرارة علي نفوسهم فقد شهد اضافة هدفين للموردة مقابل هدف واحد للهلال ،وتجلي نجوم الموردة وابدعوا وقدموا السهل الممتنع وضمت التشكيلة نجوما كبارا علي شاكلة الحارس العملاق عمر طحنية وفيصل نهار وهيثم شوشه وكاوندا ومحسن سيد وياسر الديبة وميرغني علي كنيد ،الصادق ويو،برشم اخوان ،علي كابو ونميري سكر وخالد سيكا وصبري مكين ،وشهدت المباراة في دقائقها الاخيرة طرد حارس الهلال العملاق احمد النور الذي اعتدى على صبري مكين بدون كورة وتولى المهمة مصطفي كومي الذي تصدى لهجمتين خطيرتين وكان من الممكن ان تصل النتيجة الى سبعة اهداف الا ان نجوم الموردة احترموا خصمهم الكبير واكتفوا بالرباعية التاريخية التي لم يتمكن فريق من تسجيلها في شباك الهلال منذ بداية الدوري الممتاز في العام 1996 وحتي اليوم ،واجمل مافي تلك المباراة كانت اهازيج المسطبة الجنوبية حيث تواجد عشاق الهلب وعلي رأسهم الجنرال موردابي محمد حامد الجزولي ،منتصر نكروما،احمد وهيثم الحنان،الحاج شيكو ،نادر طه وابوذر عمر وغيرهم،كما ان جمهور الهلال ورغم الهزيمة القاسية مارس سلوكا راقيا ليس مستغربا عليه وذلك حينما صفق لنجوم الموردة عند نهاية اللقاء اعترافا بافضليتهم ،وعقب المباراة شهد نادي الموردة ببانت سهرة صاخبة وحاشدة تبادل خلالها الجمهور تهاني الفوز الكبير ،وهنا اشير الى ان حافز فوزنا على الهلال كان 125 جنيها في الوقت الذي كان يتقاضي فيه لاعبو القمة 500 جنيه عن الفوز في مباريات الدوري الممتاز وهذا يوضح ان لاعب الموردة في تلك الفترة الاقتصادية الجيدة كان هدفه انتصار الفريق قبل المال. حائل السعودية وتفوق سوداني في ذلك الموسم كان فريق الموردة ممثلا للسودان في البطولة العربية ابطال الكؤوس واقيمت تصفيات مجموعة البحر الاحمر بمدينة حائل الجميلة بالسعودية وكان ذلك في شهر اغسطس ،حيث غادرنا على متن احدي طائرات الخطوط الجوية السودانية (ياحليلها) الى جدة التي غادرناها عبر الطيران السعودي الي مدينة حائل واستغرقت الرحلة ساعة واحدة وحط رحال البعثة بفندق الجبلين ،وحائل تعتبر احدى اجمل المدن السعودية وسفر البعثة المبكر اتاح لنا اعدادا مثاليا بمدينة نادي الطائي الرياضية التي اصابتنا بالدهشة وذلك لتوافر كل مقومات الاعداد السليم فيها ،وكانت تضم اربعة ملاعب مغطاة بالنجيل الطبيعي وهي مخصصة لتدريبات البراعم والناشئين والشباب والفريق الاول ،والاجواء الرائعة جعلتنا نقبل على تدريبات الفاتح النقر الشاقة بشهية مفتوحة وحماس منقطع النظير وكان التنافس على اشده بين اللاعبين لدخول التشكيلة الاساسية ،وقبل انطلاق المنافسة اعتبر بعض المراقبين ان الموردة هي الحلقة الاضعف في المجموعة التي كانت تضم الاسماعيلي المصري الذي كان يمر بافضل فتراته بجانب فريق الطائي الذي كان يقوده العملاق محمد الدعيع ،والتركيز علي الاسماعيلي المصري والطائي من قبل وسائل الاعلام السعودية خفف علينا الضغط وحفزنا في ذات الوقت الي خطف احدي بطاقات التأهل ،وبالفعل حققت الموردة في المباراة الاولي مفاجأة غير سارة لاصحاب الارض حيث انتهت المبارة ضد الطائي بالتعادل السلبي وكانت الموردة الاقرب للفوز وفي المبارة الثانية انتصرت الموردة للسودان وقهرت الاسماعيلي بثنائية دون رد لتتصدر المجموعة عن جدارة ويرافقها الطائي بعد فوزه علي الاسماعيلي الى النهائيات التي لعبت بلبنان ،وخلال تلك المنافسة اشاد الاعلام السعودي كثيرا بالموردة.. خسارة قاسية بسوريا تظل الهزيمة الثقيلة التي تجرعنا كأسها من المنتخب السوري من اصعب المواقف القاسية والذكريات المريرة ،فبعد تصدرنا مجموعتنا بالسعودية وقبل خوض النهائيات بدولة لبنان تحت استضافة فريق النجمة رأى مجلس الادارة ان يقيم الفريق معسكرا اعداديا بسوريا وكانت الامور تمضي جيدة وبعد عدد من التدريبات خضنا مباراة تحضيرية ضد فريق الوحدة وكانت واحدة من اجمل المبارايات التي خضناها في ذلك الموسم رغم الخسارة بثلاثية وهي اول مباراة خارجية اخوضها اساسيا مع الموردة ومررت بتجربة غريبة لم اجد لها تفسيرا حتي الان وتمثلت في خروجي للتصدي لانفراد كامل وبالفعل نجحت في انقاذ المرمي من هدف محقق ولكن تعرضت لاصابة في رأسي لم اشعر بها وواصلت المباراة ولكن ولمدة ربع ساعة كاملة كنت (خارج الشبكة) كما اشار لي الزملاء والغريب في الامر انني تصديت لعدد من الهجمات وفجأة افقت من حالة لم اجد لها تفسيرا ،وعلمت عقب المباراة انني بعد ان تعرضت للاصابة واصلت اللعب الا انني كنت اسند ظهري على القائم معظم دقائق ربع الساعة التي اعقبت الاصابة ،عموما نتيجة المباراة كانت جيدة بحسبان ان فريق الوحدة كان بطل الدوري السوري ويضم عددا من المحترفين ،وذلك العرض الرفيع اغرى ادارة البعثة على الموافقة لاداء مباراة ضد المنتخب السوري الذي كان قادما من معسكر خارجي باحدي دول الاتحاد السوفيتي السابق ،ولم نعطي المباراة الاهتمام المطلوب والسبب يعود الى ان فكرة تكونت لدينا تشير الى تواضع الكرة السورية مقارنة بالسودانية بالاضافة الى ذلك لم نكن نعرف شيئا عن الخصم ،وفي يوم المبارة تفاجأنا بفريق قوي يتمتع افراده بلياقة عالية ويطبقون تكتيكا محكما فكان ان امطروا شباكنا في الشوط الاول باربعة اهداف ،وفي الشوط الثاني دفع بي المدرب الفاتح النقر بديلا لزميلي عمر طحنية وفي اربعين دقيقة تلقت شباكي ثلاثة اهداف ونسبة للضغط الرهيب وقلة تجربتي تعرضت للطرد بعد عرقلتي لاحد مهاجمي المنتخب السوري ليقف في المرمى النجم عبدالرحيم برشم الذي تلقت شباكه هدفا واحدا ،فيما احرز الموهوب انور الشعلة هدف الموردة الوحيد،وتلك المباراة كانت درس كبير يؤكد اهمية توافر الفكر الاحترافي لدى اللاعب وهو الشئ الذي مايزال يفتقده اللاعب السوداني رغم التقدم في تطبيق الاحتراف. تظل الموردة مدرسة متفردة ومؤسسة تربوية قائمة بذاتها وناديا رساليا ومؤثرا ،فالموردة تمتلك سر جعلها تتفوق سابقا وسيكفل لها العودة الي ماضيها لاحقا وهو يكمن في روح القراقير الخفية التي تجعل كل من يقترب من هذا النادي ان يخلص له ويعشقه ،والموردة تمرض ولكنها لاتموت ونتمني ان تعود قوية ومهابة الى مكانها الشاغر بدوري الكبار رغم تدهور الاوضاع الاقتصادية بالبلاد التي القت بظلالها السالبة عليها بكل تأكيد.