الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيئة شئون الانصار : يا أهل النظام اتقوا الله في حق العباد والبلاد وعيدوا الأمور الى نصابها والحق لأهله
نشر في حريات يوم 11 - 01 - 2014

دعا د. مصطفي هارون أمين شئون الإدارة بهيئة شئون الانصار في خطبة الجمعة الى القاها بمسجد الإمام عبدالرحمن بودنوباوي المؤتمر الوطني الى ان يتقوا الله في حق العباد والبلاد، وأن يعيدوا الأمور الى نصابها والحق لأهله خاصة وقال ان الإصلاح الحق يتم من خلال الإعتراف بالحقائق والوضوح في القول مع احترام عقول الناس حتى لا تغمط أشياؤهم بأي شكل من أشكال الكبر والمكابرة، قال(ص) : "الكبر هو بطر الحق وغمط الناس أشياءهم"، فعدم الإعتراف بالحقائق يعتبر نوع من الكذب والكذب آية من آيات النفاق، وأما الشجاعة الأدبية فمطلوبة للإعتراف بالخطأ وللرجوع الى فضيلة الحق ولإحقاق قيم الحق، وهي شجاعة نجدها في قول الفاروق عمر(رض) حين قال:"ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ولنوفر لهم حرفتهم، فإن عجزنا عن ذلك إعتزلناهم و اضاف هارون ان واقع حال البلاد يحتاج الى التغيير ومن ثم الإصلاح، و اشارالى ان الفساد ليس هو ما اعترف به المؤتمر الوطني في الخدمة المدنية وحدها وإنما هو فساد طال كل مرافق البلاد الحيوية وبنياتها التحتية، الزراعية منها والصناعية والخدمية والصحية والإقتصادية والتعليمية والبيئية بما خلق واقعاً مستجداً وظروفاً اجتماعية قاهرة شابها الفقر والجهل والمرض، وبما ولد فساداً كبيراً في الأخلاق والسلوك والطباع إفراطاً كان أو تفريطاً، وا ختتم حديثه بنصيحة للحزب الحاكم ان اتقوا الله في حق العباد والبلاد، وعيدوا الأمور الى نصابها والحق لأهله خاصة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وأصحابه الحنفاء، وبعد…
قال تعالى:{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {3/164}}(آل عمران).
قبل بعث النبي بدين الإسلام ونور القران كانت الدنيا مليئة بفساد الإعتقاد وضلال العبادات وجور المعاملات والتمايز بين الناس على أساس الألوان والطبقات والتمتع المطلق من غير ضابط بالنساء وشرب الخمر ولعب الميسر وكل أنواع الفسوق والفجور والمظالم، لقد كان الكون كله خاضعاً لله يسبح بحمده ويسجد له إلا بني البشر ممن أعرضوا عن ذكر الله وتسبيحه وتاهوا عن عبادته فضلوا ضلالاً مبيناً، قال تعالى:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {17/44}}(الإسراء)، وقال:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء {22/18}}(الحج)، لذلك كان لابد من مجيء المصطفى صلى الله عليه وسلم بنور الهدى ودين الحق الذي يبدد تلك الظلمات ويزيل تلك المهلكات، لذا كان ميلاد الحبيب المصطفى في دار أبي طالب في مكة بشعب بني هاشم في الثاني عشر من ربيع أول الموافق 20 أبريل عام 571 بما يعرف عام الفيل إيذاناً لذلك النور الذي يعيد الناس الى طريق سليم ودرب قويم تنتظم به سبل الحياة وتتضح به مناهج النجاة والسلم والسلامة وتتحقق من خلاله الأهداف والغايات التي من أجلها خلقوا، قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {51/56}}(الذاريات)، ولكون النبي صلى الله عليه وسلم بعث بنور القرآن ورسالة الإسلام فإن الله قد رفع ذكراه في حياة الناس على الدوام حينما جعلها قائمة في كل أحوال عباداتهم، عند تلاوة القران وعند رفع الآذان وعند التشهد في الصلوات وعند الصلاة عليه، إلا أنه مع ذلك ظل المحبون له والمصدقون به وبدينه يفرحون بأيام ميلاده من كل عام لأجل مذاكرة تفاصيل سيرته وأخلاقه وعبادته وكافة أحواله في شخصه وأسرته ومجتمعه وحياته بقصد اقتفاء أثره وتتبع سكته، قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {60/6}}(الممتحنة)، فكمال الهناء وجمال الفرح به يكون في امتثال منهجه الذي يجلب للناس محبة الله وتوفيقه لهم في الدارين، قال تعالى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {3/31}}(آل عمران)، وعليه إذا تتبعنا أخلاقه للتأسي بها نجده صلى الله عليه وسلم كان قمة في الأخلاق والأدب، قال صلى الله عليه وسلم في جمال أدبه:"أدبني ربي فأحسن تأديبي"، وعن كريم أخلاقه قال تعالى:{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {68/4}}(ال عمران)، وللتأسي بجمال الأخلاق قال صلى الله عليه وسلم : "أثقل ما يوضع في ميزان المرء يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق"(متفق عليه)، وفي تناول السيرة ورد أنه كان خلقه القرآن يسخط بسخطه ويرضى برضاه، لاينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله، كان أصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، أكثر نظره التفكير، لم يكن فاحشاً ولا لعاناً ولا يجزئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، كان لا يواجه أحداً بما يكره، يعود المريض، ويحب المساكين ويجالسهم، يعظم الفتنة وإن قلت، ورحم الله البصيري حين قال:
وإذا كان القطع والوصل لله *** تساوى التقريب والإقصاء
وسواء عليه فيما أتاه *** من سواه الملام والإطراء
ولو أن انتقامه لهوى النفس *** لدامت قطيعة وجفاء
قام لله في الأمور فأرضى الله *** منه تباين ووفاء
فعله كله جميل وهل *** ينضح إلا بما حواه الإناء
عليه من خلال هذا السرد نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم التزم بمكارم الأخلاق عملاً قبل أن يأمر بها قولاً حينما قال:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، لذا بجمال خلقه وحسن صفاته أرسله الله بديناً قيماً متكامل البناء عقيدةً وشعائراً وحدوداً ومعاملاتٍ وقيماً ومبادئاً واخلاقاً، ومن باب الذكرى لو تناولنا جزءاً من مضامنه التي يكمن فيها جمال القيم والمبادئ نجد أن سلامة الإعتقاد تتم: بصدق الإيمان بالله، وبوحدانيته، وبالتصديق بنبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما أُنزل عليه من وحي كريم وبما أمر الله به من شعائر وعبادات وما يلحق ذلك من استقامة وإخلاص في الأقوال والأفعال.
أما سلامة القيم والمبادئ وسائر المعاملات نجدها ممثلة في:
1. قيم الحرية، ومبادئها تتمثل في حرية الإعتقاد{أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وحرية الرأي والتفكير{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} وحرية الإختيار والتملك والتنقل{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} وغيرها من الحريات.
2. قيم الشورى{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.
3. قيم الأخوة، ومبادئها في الأخوة الدينية والإنسانية وما يرتبط بها من مساواة.
3. قيم العدل، ومبادئه في القول{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} وفي الشهادة{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} وفي الحكم{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}.
4. قيم الرحمة المطلقة التي كتبها الله على نفسه وأرسل بها رسوله رحمة للعالمين لتتعدى الإنسان الى الحيوان والنبات.
5. قيم العمل الصالح، ومبادئه في الكسب الطيب للمعاش ولإعمار الأرض أو العمل الصالح المقترن بفضائل الإيمان{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}.
فهذه القيم والمبادئ جميعها وغيرها مما تضمنته رسالة الإسلام يكمن في جوهرها الحق والخير المطلق، وبالتالي فإن الإلتزام بها سيكون له آثاره الإيجابية في حياة الناس لآن في مضامينها يكمن الإصلاح والإعمار، أما الإنصراف عنها فحتماً سيقود حياة الناس الى نفس درجة ذلك الإنصراف تدهوراً وتعاسةً وشقاء{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، ولما لم يكن الإيمان تمنياً وإنما هو التزام وعمل نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما صدع بأمرها اضطره ذلك أن يتحمل الصبر العجيب والحلم الفريد والأمل الغير محدود، فاستطاع أن يخرج الناس من ذلك الضلال المبين الى نور الحق والهدى المبين، ولما علم الله أن هذا الحق المبين والدين القويم في مسيرته الطويلة مع الأيام والمتغيرات والمستجدات سيواجه أزمات وعدم التزام بجوهره ومقاصده، قال النبي ص):"إن الدين ليأرز الى الحجاز كما تأرز الحية الى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس(وفي روايات أخرى:الذين يصلحون إذا فسد الناس)"(مسند أحمد، الدارمي، النسائي، ابن ماجه)، وذلك ما يعني أن الإسلام كان في بداية أمره كالغريب في بلاد لا أهل له فيها ولا أقارب لقلة المسلمين في ذلك الزمان، والشأن نفسه سيواجه أولئك الرجال الذين يرفضون الهزائم النازلة ويضحضون بالحجج الأباطيل الباطلة والتصرفات الجاهلة والفتن المتجددة والنوازل النازلة، فيحيون من درس من الدين ومن طمر من سنة المرسلين كما فعل الإمام المهدي(س) حين فاق أقرانه تقوى وخلقاً ومقدرات وغيره من الأئمة، وفي الحديث قال ص:"يحمل هذا الدين عن كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الضالين، وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، وقال ص:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها"(أبوداؤود).
الخطبة الثانية:-
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على رسول الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه مع التسليم.
بما أن الإسلام قيم ومبادئ وإلتزام وأن قيادة الشعوب يجب أن تكون قدوة حتى ليتأسى بها الناس فإنها لم تكن بأي حال من الأحوال إحتلال مواقع متميزة أو جاه أو امتيازات ومخصصات، وإنما هي في مقامها الأول مقومات ومقدرات لنيل فرص المستقبل وارتياد تخومه، وذلك شأن يحتاج الى قوة في الإمكانيات، إمكانيات أخلاقية وفكرية وشجاعة أدبية، أما الأخلاقية فتناولناها في صفات وسمات وأخلاق رسول الله ص، وأما الإمكانيات الفكرية والقدرات المعرفية مطلوبة لأن أي تغيير للأفضل يتطلب معرفة الواقع بكل أبعاده محيطه ومحاسنه ومقوماته وسلبياته وإيجابياته وخياراته لأجل خلق واقع أفضل منه وأحسن وذلك شأن قد لا يطاله الكثير من الناس، ثم أن الإصلاح الحق يتم من خلال الإعتراف بالحقائق والوضوح في القول مع احترام عقول الناس حتى لا تغمض أشياءهم بأي شكل من أشكال الكبر والمكابرة، قال (ص) :"الكبر هو بطر الحق وغمط الناس أشياءهم"، فعدم الإعتراف بالحقائق يعتبر نوع من الكذب والكذب آية من آيات النفاق، وأما الشجاعة الأدبية فمطلوبة للإعتراف بالخطأ وللرجوع الى فضيلة الحق ولإحقاق قيم الحق، وهي شجاعة نجدها في قول الفاروق عمر(رض) حين قال:"ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ولنوفر لهم حرفتهم، فإن عجزنا عن ذلك إعتزلناهم"، وعمر إذ يقول هذا الكلام لأن في علمه أن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، وهو بذلك يعرف أن المصلحة في الإسلام هي كل ما اقتضته حاجة الناس في أمر دنياهم ونظام معيشتهم وضبط شؤونهم وتقدم عمرانهم، ونحن إذ نقول هذ الكلام لنفصح كما أفصحنا من قبل وكما ظل يفصح طول وقته الحبيب الإمام بأن واقع حال البلاد بالجد محتاج الى التغيير ومن ثم الإصلاح، وإذا كان رئيس البلاد نفسه قد اعترف بنهج التمكين وتسييس الخدمة المدنية وما آلت اليه من فساد بسبب سياسات ما سمي بالفصل للصالح العام أو لتعيين ما سماهم بأولاد المصارين البيض وترقيتهم في الهياكل الوظيفة من غير أي معيار للكفاءة، وحقيقة هنا يطرأ سؤال لهؤلاء وهو أنكم ألم تكونوا تعلموا بقول رسول الله (ص) فيما رواه عنه أبوهريرة:"إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: وما إضاعتها يارسول الله؟ قال: إذا وسِّد الأمر(أي أٌسند الى غير أهله)"(مسلم)، فإذا كانت الإجابة لا فتلك مصيبة، وإذا كانت نعم فالمصيبة أكبر فتحملوا وزرها، عن علي(رض) قال:"يارسول الله، أخبرني بأشد شيء في هذا الدين وألينه؟ فقال ((ص: ألينه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأشدُّه يا أخا العالية الأمانة، إنه لا دين لمن لا أمانة له ولا صلاة له ولا زكاة له"(البزار)، وأما نحن فعزاؤنا هو قول رسول الله )ص) فيما رواه عنه ابن مسعود:" إنكم سترون بعدي أثِرة(استبداد) وأموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم وأسألوا الله حقكم"(مسلم) بمعنى أن واجبنا نحوهم هو النصح حيث الدين النصيحة وقد أديناها، وعلى ضوء هذه النصيحة فإننا نذكر بأن الفساد ليس هو ما اعترفتم به في الخدمة المدنية وحدها وإنما هو فساد طال كل مرافق البلاد الحيوية وبنياتها التحتية، الزراعية منها والصناعية والخدمية والصحية والإقتصادية والتعليمية والبيئية بما خلق واقعاً مستجداً وظروفاً اجتماعية قاهرة شابها الفقر والجهل والمرض، وبما ولد فساداً كبيراً في الأخلاق والسلوك والطباع إفراطاً كان أو تفريطاً، وعليه في ختام حديثنا نقول اتقوا الله في حق العباد والبلاد، وعيدوا الأمور الى نصابها والحق لأهله خاصة ونحن نعيش في رحاب أيام مولد الحبيب المصطفى ( ص الذي جاءنا بدين الرحمة والإنسانية والذي لانجاة للناس ولاسعادة لهم إلا بالإمتثال لبمادئه وقيمه وجوهره ومقصده، فتقوى الله هي من اهم مقاصد هذا الدين ومن أجلَّ آثاره وهي في حقيقتها تعني توافق سريرة الإنسان مع علانيته، ومن ثم فهي دعوة للإستقامة في كل جوانب الحياة، طُهر في اليد وطُهر في اللسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.