تعرف على أكبر هزيمة في تاريخ برشلونة بدوري أبطال أوروبا    حمدوك يحذر من عودة السودان إلى "الإرث المظلم"    مجلس الأمن والدفاع.. يشكر السعودية وأمريكا ويمضي في الرد على المقترح الأميركي بشأن الأزمة السودانية    الهلال يفتتح الدوري الرواندي اليوم أمام البوليس بدون الدوليين    السِّيناريو الأفضَل للهِلال في الجَولَة الثّانيَة    لجنة الإستئنافات تلغي قرار المسابقات وتعيد مباراة الهلال الحصاحيصا والكمال الكاملين    رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان يكتب: حقيقة الحرب في السودان    فضيحة كندية بشأن خطوة خطيرة في السودان    بيان الصراخ... لماذا تفقد دبلوماسية سلطة ابوظبي المنطق ؟    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    بالصور والفيديو.. المريخ يفتتح مشواره في الدوري الرواندي بعرض راقي وأداء ملفت.. شاهد إبداعات ومهارات محترفه الجديد التي لفتت الأنظار وملخص المباراة كاملة    زيارة محتملة لمستشار ترمب إلى بورتسودان    شاهد بالصور والفيديو.. رغم الحرب والمعاناة.. جمهور كرة القدم بإستاد "ربك" يطرب نفسه بالمدرجات ويغني بمصاحبة الفرقة الموسيقية خلال إحدى المباريات "يا ظبية المسالمة"    يامال يثير ذعر منافسيه: اقتربت من استعادة مستواي    شاهد بالصورة.. مشجعة الهلال السوداني الحسناء "سماحة" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالة مثيرة    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    لاعبو المنتخب الوطني يرفضون أداء التمرين بقطر ويعودون للفندق والسبب تأخير "الحافز"    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    كامل إدريس يصدر بياناً لتأييد خطاب ومواقف رئيس مجلس السيادة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تخطف الأضواء لحظة وصولها لإحياء حفل بإحدى القاعات بسيارتها "لاند كروزر" الفارهة والرجال يتزاحمون ويقفون لإستقبالها    شاهد بالفيديو.. حكومة "تأسيس" تصدر أوامر بالقبض على البرهان والعطا ومناوي وتطالبهم بتسليم أنفسهم لمركز شرطة الفاشر وتناشد المواطنين على مساعدتها في القبض عليهم    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تمنع الرجال من الصعود للمسرح لمنحها "النقطة" وأحدهم يسقط على الأرض بعد محاولته الوصول إليها    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    شاهد بالصور.. المقرئ السوداني الشهير "شيخ الزين" يثير تفاعلاً إسفيرياً واسعاً بعد ظهوره بإطلالة شبابية ب"الجينز" والجمهور: (أنيق تبارك الله ما يسحروك وأعمل حسابك واتحصن من عين البنات)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العقلنة وضرورة التقدمية …. د. فتحي التريكي
نشر في حريات يوم 26 - 12 - 2014


د. فتحي التريكي
كاتب ومفكر تونسي
العقلنة في المجال الديني تعني التدخل في جميع مستوياته بدقة لإصلاحه والابتعاد به عن طريق الشعوذة والغطرسة والتسلط والإرهاب.
ماذا يحدث اليوم في العالم العربي؟ هل زعزعته حقيقة التدخلات الأجنبية أم إنه قد تفكك وتدحرج نتيجة الجهل والفقر والغباوة والسذاجة التي نخرت شعوبه ونخبه على حد السواء حتى أصبح الدعاة الدجالون المستأجرون يوجهون الشباب العربي حيث شاؤوا ويرمونهم في جحيم الحروب الأهلية بين المسلمين؟
سأنطلق من الملاحظة التي وردت عند الفقيد هشام شرابي في مبحثه "النقد الحضاري للمجتمع في نهاية القرن العشرين"، والتي اعتبرت أننا منذ الثمانينات قد دخلنا منعطفا جديدا على المستوى الثقافي العام، وقد ظهر جليّا أن الفكر الذي صاحب المراحل السابقة يحتاج اليوم إلى إعادة نظر وإلى صياغة جديدة إن لم نقل تفكيكا كليا. لأن الخطر الأكبر يتمثّل في عدم القدرة على النقد الجذري لأوضاعنا وفكرنا وثقافتنا كما يتمثّل في التمسّك بالأيديولوجيات الماضية وبالاتجاهات الفكرية التقليدية.
لذلك أعتقد أنّ الحديث عن التقدم في الثقافة العربية حاليا يستوجب إعادة صياغة بعض المفاهيم والتصورات اللازمة لإعادة بناء نهضة عربية جديدة تقوم على مكتسبات فلسفة النهضة التي عاشها العالم العربي في بدايات القرن العشرين، كما تقوم على مرتكزات انتماءاتنا الحضارية وتجذّر مسلتزمات تحديث أنماط حياتنا وتأقلمها مع مستجدات العلوم والتكنولوجيا.
يبدو لي أن مبادئ تقدمنا الحضاري الآن لا تكمن أساسا في بعدها التقني، بقدر ما تتموضع داخل تصورات متجددة يجب استئناف البحث فيها تحت معطيات واقعنا المتأزم ومن خلال تطور العلوم واكتساب التقنيات الضرورية لتكوين مجتمع متوازن تتطابق فيه عقلنة الذهن والسلوك بعقلنة نمط الحياة في المجتمع حتى لا يعيش الفرد العربي انفصاما نفسيا عميقا يعيش رفاهة التكنولوجيا وبلادة الذهن وسذاجة الفهم في الآن نفسه، قد يؤدي ذلك إلى انحيازه الواعي إلى العنف أحيانا وإلى ممارسته بتشدد وعجرفة أحيانا أخرى. وأفضل مثال على ذلك مشروع الإخوان المسلمين الذين يقبلون التطور التكنولوجي ويرفضون التطور الاجتماعي محافظين على التقاليد القديمة في أحسن الحالات، ومحيين لأفكار وطقوس وممارسات بالية لا تتماشى ومقتضيات العصر.
وهو مشروع شجع بصفة آلية المتشددين الإرهابيين على التنظم أولا، ثم ممارسة العنف ثانيا، والهدف من كل ذلك إحداث "الفوضى الخلاقة" التي، في نظرهم، ستؤدي- حتما- إلى قيام نظام إسلامي يتحكم فيه التنظيم الإخواني، وبذلك يتسنى تغيير نمط العيش في المجتمع المبني على الازدواجية المذكورة أعلاه: تأخر ذهني واجتماعي، وقبول التكنولوجيا المتطورة.
يرى الفيلسوف الألماني كانط أن استعمال العقل يؤدي في النهاية إلى ما تؤديه الحرب ولكن بأقل سرعة ودون دماء وتقتيل. وإذا علمنا أن الغاية القصوى من الحرب هي إقرار السلام، حتى وإن كان هذا السلام مسلّحا قائما على نظام دكتاتوري، فإن العقل هو أيضا يؤدي إلى السلم ولكن هذه المرة ستكون سلما توافقية مبنية على الحوار أكثر من انبنائها على الغلبة. ولعل التجربة التونسية في الحوار الوطني قد بينت بما فيه الكفاية أن هذه العقلنة التي أبعدت عن تونس شبح الحرب الأهلية هي السبيل الأنجع للدفاع عن مكتسبات الوطن وإقرار السلام التوافقي.
لم يكن ذلك ممكنا في ليبيا التي تعيش الآن بداية حرب أهلية، ولكن الشعب الليبي تحرك بثقله ليكون إلى جانب الجيش والشرطة في عملية محاربة الإرهابيين الذين هيمنوا على مناطق عديدة من البلاد، كما تحرك الشعب المصري من قبل ليقصي الإخوان عن الحكم بواسطة جيشه وهو الآن بصدد انتخاب رئيسه رغم مقاطعة الإسلاميين. ذلك يعني أن استعمال العقل أحيانا لا يفيد باعتبار أن الإرهابيين لا يعترفون إلا بالوجدان الهمجي معتمدين على قراءة خاصة جدا وخاطئة للإسلام الذي يشجع على حب العقل والتعقل وحب الحياة. في هذه الحالة تصبح الحرب ضرورية كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف الألماني هيغل الذي صحح فكرة كانط.
فسيرورة العقلنة التي تأسست عليها الحداثة قد اقتحمت كل الميادين بما في ذلك ميدان الخطاب الديني نفسه عندما ورد استعمال العقل لفهم الخلق ومستتبعاته كضرورة تستوجبها قراءة النص الديني قراءة تستجيب لمتطلبات العصر. والحقيقة أن العقلنة في المجال الديني تعني التدخل في جميع مستوياته بدقة لإصلاحه والابتعاد به عن طريق الشعوذة والغطرسة والتسلط والإرهاب.
فالعالم العربي لم يتقبل هذه السيرورة للعقل بسهولة، بل احتدت النقاشات وكثرت الاصطدامات ولم تستطع المبادئ العقلية مزيد التغلغل في النسيج الاجتماعي إلا بصعوبة قصوى، لذلك تبقى هذه الإشكالية أساسية بالنسبة إلينا، بل إن فكرة التقدم التي هي ابنة هذه السيرورة للعقل تبقى المصير الأفضل لمجتمعاتنا.
لا ننسى أن فلسفة النهضة في أوائل القرن الماضي قد تكونت عندنا من خلال محورية فكرة الحداثة كما وضعتها فلسفة الأنوار في أوروبا قرنين قبل ذلك، وقد اتهمها البعض بكونها من خلال هذه المحورية دخيلة على حضارتنا، دخلت علينا بحد السيف عندما أناخ علينا الاستعمار الغربي بكلاكله. ولكن هذه الفلسفة بواسطة منطق التوفيق بين التراث ومعالم الحداثة الغربية لم تستطع أن تكون مبتكرة لحداثة عربية تجاوزية أصيلة بما فيه الكفاية.
إلا أن ذلك لا يعني أننا مازلنا لم ندخل عصر الحداثة كما يذهب إلى ذلك البعض من مفكرينا، بل نحن في خضم المسائل التي طرحتها الحداثة ومجتمعاتنا بشيء من التذبذب نعيش محاسنها ونتخبط في مشاكلها ولكن فكرنا مازال يحصر نفسه في المسألة نفسها التي طرحتها فلسفة النهضة. وهي مشكلة التراث والحداثة، أو الهوية والتفتح، ومازال يعيد صياغتها مرات عديدة بنفس الهم الوجداني محاولا كل مرة إيجاد سبل التوفيق بين مقومات الأنا والنفوذ المباشر للغير وذلك في شكل استعمار استيطاني، أو سياسي أو غزو ثقافي أو نفوذ اقتصادي.
لذلك لا بد من قيام نهضة عربية جديدة تعتمد على استعمال العقل والنقد علنا والتحاور والتسالم أصلا نبذا للعنف وحماية شعوبنا من الإرهاب المسلط علينا من قبل الاستعمار الجديد بواسطة بترودولار بلد عربي ذي توجه إسلامي ولكنه صغير جدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.